شعر: مأمون أحمد زيدان (*)
(1)
هُنا باقون
سيفٌ في خاصرةِ الليل
رمحٌ في ظل عاصفةٍ هوجاء
نورٌ في نسغ الزيتون
إناءٌ للندى
معبَّأٌ بالطلِّ والشَّهد
مُستقر لِهدًى ويقين
بدايات لنهاياتٍ لا تود الرحيل
أو الانتهاء
حدود لوطنٍ يندمج في نايٍ
ومهد لقلب وطنٍ ينزف أوطاناً
(2)
هنا باقون
حمامٌ زاجل
وفرح يمام
أنشودة غيمٍ وهمْيُ رذاذ
عطر نرجس وفَوح زنبق
نوَّار لوزٍ وكرز
وسفرٌ في نجم وشمس وقمر
باقات زعترٍ ومريمية
فوح أرضٍ وأنفاس تراب
شهيق زلازل وزفير بركان
همس تُويجة وشوك صبَّار
زغب دُوريِّ ومخلب نسر وعُقاب
(3)
هنا باقون
رسمٌ في جدار الأقصى
وقبةٌ فوق صخرة
وتوحيدٌ في عنق المآذن
صوتٌ وصدى
رجع وهيام
سكون ليلٍ وسجى
أنفاس فجرٍ وضحى
وردُ شهيدٍ وصبرُ أسير
(4)
هنا باقون
شئتم أم أبَيتم
رضِيتم أم كرهتم
غابة من كرَمٍ وكُروم
بيادر من عشقٍ ولوزٍ وجلنار
أصابع رضيع ورائحة وليد
خيمة في صحراء
ووتدٌ يحفظ توازن الأكوان
(5)
قبل ميلاد التاريخ، كُنا
نفتش الشموس
وننقش الأقمار
نفتح بواباتِ ما كان
على حاضر
وعلى ما سيكون
كموجٍ يبحث عن شاطئ
وكوز صبر يفك سرَّ الجفاف في البيداء
ناصية تاريخ
تفتح الكون على مصراعَيه
تشد أزرار الزمن نحو المكان
نحو المسجد الأقصى
في أقصى أقاصي الأقصى
نحو قبةٍ اعتلت صخرة
وصخرةٍ احتضنت قبة
وبيوت، قبور، مآذن،
روائح من ذهبوا
ومن سقطوا
من رشحوا أرواحهم في قُلَّةِ فخار
من ضحكوا ومن بكوا
من عَرفوا ومن جهلوا
ومن ينتظرون
حباتِ التين في الندى
حين تأتلف مع صياح الديك
وسحرَ الشمس حين تندمج
مع أنفاسِ الصباح
(6)
نحن
هنا باقون
كِيْنَا وبلُّوط
سَرو وشمس وصنوبر
دُوري يبني عشًّا
وحلمٌ يدور
نحن هنا
جذر زنبقةٍ وسوسنة وياسمين
نوار ليمونٍ وفوح برتقالة
مِن يافا، حيفا، أم خالد، وتلِّ الربيع
نوار لوز، أعشاش حسون
في طولْ كرم، نابلس، والخليل
هنا
نحن هُنا
موجٌ يفيض في سماء
تماماً
كنهرٍ من عيون اليتامى، الثكالى
يورق برقاً ورعداً
يوطِّد العشب في البيداء
يزرع اللمى في اللحظ، في الصخر
في الأنداء
هنا نحن
ميلاد دهرٍ ودهور
يعرفنا
يشع من رائحة عرقنا
سنابل ضوءٍ ووضوءٍ
عناقيد صومٍ وصلاة
يرسم من أناملنا
مُزناً وسحاباً وغيثاً
نواةَ نخلٍ وزيتون
ليمونٍ ودرَّاق
قديمون
كما القِدم في القدم
ومثل زيتونةٍ تنشقُّ عن فسيلتها
قبل الرحيل
ومثل بحرٍ تتوالد منه رُبى وجبال
لا يشبهنا شيء
ولا نشبه شيئاً
نتشابه مع أنفسنا
لأن أنفسنا تتشابه معنا
تحكي، تكتب، تشدو، تغني
ترتِّل القرآن
(7)
هنا باقون
على آثارِ محمَّد
في المعراج والإسراء
براقٌ وبَرق وبَرِيق
عُمَريون، أُمويون، عباسيون
يَبوسيون، فينيقيون، أيُّوبيون، عثمانيون
نشهد صلاةَ ملائكةٍ وأنبياء
ونؤذِّنُ بصوت الماءِ والسَّماء
مقدسيُّون، ومقدسيون
هُنا في قُدسِنا باقون
_____________________
(*) شبكة «الألوكة».