قبل عدة ليال، خرجت علينا إحدى الفضائيات بتقديم أحد علماء الزمان، وصفته بأنه عميد سابق لإحدى كليات الشريعة في بلد عربي، واستنطقته القناة في عدة قضايا، وتكلم الرجل وليته أغلق فاه؛ لأنه أثبت ولاءه المطلق لفكر أعداء الإسلام، وخدامهم هنا وهناك، وتحول إلى نوع جديد من المارينز، أسميه “المارينز الديني”!
قال الرجل: إنه يفضل الجلوس بقرب إحدى الممثلات أو الغانيات، ولا يفضل الجلوس بقرب الشيخ يوسف القرضاوي، طبعاً لأن الممثلة جميلة وأنثى، وقد تُضاحكه أو تشبع لديه رغبة القرب من جمال محروم منه في حياته، أما القرضاوي فهو –كما وصفه– رجل متشدد مشغول بالدفاع عن الدين وقضاياه، فضلاً عن “تكشيرته” أو عبوسه الذي لا يروق لعميد الشريعة الحداثي المستنير التقدمي!
ثم إن الرجل (عالم المارينز الديني) ببساطة شديدة أدان العمليات الاستشهادية في أرض فلسطين المحتلة، لأنه رجل رقيق الحس، ويحرص على مشاعر الغزاة النازيين الجدد! الذين استأصلوا السكان من بيوتهم وقراهم ومدنهم، وطردوهم إلى المجهول قبل ستين عاماً، بعد أن أعملوا في رقابهم –وما زالوا– الذبح والقتل والتهجير، ولم يُبقوا على آثارهم من شيء، حتى أشجار الزيتون المعمرة قطعوها وجرفوها بالجرافات العملاقة، حتى صارت مادة يومية أو شبه يومية تظهر على شاشات التلفزة المحلية والعالمية، ولا يجد أهل فلسطين سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم ووجودهم أمام الآلة العسكرية النازية، بعد أن منع عنهم الأشقاء السلاح والمال، فأبدعوا –ويا له من إبداع تاريخي!- الدفاع عن حياتهم بلحمهم الحي ضد القوة الباطشة.. وبعيداً عن منهج الإسلام الذي يجعل من يقتل دون ماله وعرضه ودمه ودينه شهيداً، هل تجب إدانة هذه العمليات التي جعلت العدو يرتدع، ويعيش الرعب والخوف منها، لدرجة أنه وضع في الضفة الغربية مئات الحواجز الإسمنتية، فضلاً عن الجدار العازل حتى يحمي أفراده الغزاة!
لا يرون غزو العراق احتلالاً
هذا الرجل الذي يُدين العمليات الاستشهادية يعد ما يقوم به التحالف الصليبي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة في العراق ليس احتلالاً عسكرياً! ونحن نسأله: ماذا يعني وجود قرابة مائة وخمسين ألفاً من جنود المارينز الأمريكان، مع آلاف أخرى من الدول الصليبية الأوروبية، فضلاً عن مائتي ألف مرتزقة (أي مقاتلون بالأجرة) من بينهم أحفاد الصليبيين القدامى الذين يسمونهم “فرسان المعبد” وهم من أشد الناس وحشية وتعصباً ضد المسلمين؟!
هل جاء هؤلاء الجنود المرتزقة للنزهة في العراق الحبيب، أم جاؤوا لتدميره وتحويل دجلة والفرات وشط العرب إلى أنهار تجري بالدم، إن لم يكونوا –يا صاحب الفضيلة– جنود احتلال، ولصوص سلطة، وثروة وتراث؟! (سرقوا حتى اليوم ما قيمته 22 ملياراً من الدولارات بترولاً!) فماذا يكونون؟ هل جاؤوا متطوعين لنجدة العراقيين من الجوع والفتنة الطائفية والعرقية؟
_____________________
العدد (1763)، 21 رجب 1428هـ / 4أغسطس 2007م، ص51