حول تاريخ وطبيعة الصراع الصهيوني الفلسطيني، وما الدور العملي المنوط بالأمة لنصرة القضية؟ وماذا بعد «طوفان الأقصى»؟ نظم «المنتدى العالمي للفكر والثقافة» ندوة بعنوان «الأقصى على درب التحرير»، الأحد 15 أكتوبر 2023م، بمدينة إسطنبول التركية.
ما الدور المنوط بنا؟
في البداية، تحدث د. محمد مشينش، رئيس مؤتمر فلسطيني تركيا، حول طبيعة الصراع الجاري، وكيف تتعامل جموع أبناء الأمة مع الأدوار العملية المنوطة بها تجاه القضية الفلسطينية، فأكد أنه لا بد أولاً الخروج من دائرة التعاطف غير المكلف إلى التبني الحقيقي لقضية فلسطين، باعتبارها قضية تمس مشروع نهضة الأمة مهما كانت تبعاتها، وتساءل: هل تشعرون باليأس؟ هل تشعرون بالعجز؟
لا يأس، فالنصر مع الصبر، فالصبر في الإسلام عِزٌّ وأمل، وإعداد للقيادة وصقل لها، ومن يستطيع أن يغير هذا الكتاب؟ (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21)، من يستطيع أن ينتزع هذا الإرث؟ (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) (الأعراف: 137)، من يستطيع أن يؤخر هذه الكلمة؟ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات).
وقال: إن قضية فلسطين، بميراثها الديني والتاريخي والواقعي، تُمَثِّل إحدى أهم القضايا التي اهتمَّ بها المؤمنون والصالحون والأحرار، بل إنها في حدِّ ذاتها إحدى محرِّكات الإيمان، وأحد بواعث الهمة في نفوس المسلمين الأحرار؛ لذلك ليس مستغرَبًا أبدًا أن يكون السؤال الأعمُّ والأشهر الذي نسمعه في وقتنا الآن هو: ماذا يمكن أن أفعل حتى أُسْهِم في تحرير فلسطين والمسجد الأقصى؟
وتحدث الكاتب الصحفي شعبان عبدالرحمن حول حقائق تاريخية مهمة تمثل مفاصل لا بد من التذكير بها حتى نلم أكثر بما يخطط لفلسطين وما يدبر للقدس والمسجد الأقصى، موضحاً أن من يتأمل تاريخ قضية فلسطين مع الاحتلال الصهيوني منذ بروزها في بدايات القرن الماضي وتطوراتها حتى اليوم؛ يكتشف بسهولة أن بعض الأيدي العربية الرسمية أسهمت بنصيب وافر في مساعدة الصهاينة على اختراق الأراضي الفلسطينية، وتثبيت وجودهم فيها وإقامة كيانهم الغاصب عليها، ثم صناعة سياج يحميه على الحدود عبر اتفاقيات ما يسمَّى بـ«السلام».
وذكر أنه في البدايات الأولى للتسلل الصهيوني لفلسطين في نهاية الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، وبعد نداء نابليون بونابرت الشهير لليهود بإنشاء وطن قومي لليهود على ما أسماه «أرض الأجداد»، كان لليهود يومها شأن في الحياة المصرية.. في القصر الملكي.. وفي المجال الاقتصادي والإعلامي وعالم المال والسياسة، ثم أصبحت الأراضي المصرية -وخاصة شبه جزيرة سيناء- في العهد الملكي، وبرعاية الاحتلال الإنجليزي، إحدى محطات استقبال وإعداد جموع الصهاينة القادمين من مناطق عدة في العالم، تمهيداً لدخول فلسطين.
وأوضح أن نابليون كان يرمي من وراء ندائه إلى «كنس» اليهود من أوروبا، ورميهم إلى فلسطين خلاصاً من شرورهم من جانب، ولكي يكون وجودهم كقاعدة متقدمة لمشروعه الاستعماري للسيطرة على الشرق الإسلامي وإسقاط الخلافة من جهة أخرى.
لكن حلم نابليون لم يتحقق بعد هزيمته في معركة «واترلو» عند سهول بلجيكا وتدمير أسطوله البحري على أيدي بريطانيا في معركة «أبي قير» البحرية.
أما اليوم تمددوا واستفحلوا حتى إن نتنياهو عرض مؤخراً -وبكل صلف- خريطة «إسرائيل» خالية تماماً من الشعب الفلسطيني، ولم يعترض أحد داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وهكذا في غيبة أصحاب القضية المكتوين بنار ما يجري، قدمت الجامعة العربية رسمياً –عبر مشروعها العربي- أول التنازلات في أرض فلسطين عام 1946م، وأرست هذه الجامعة التي أصيب لسانها اليوم بالشلل التام، أرست طائعة مختارة أولى لبنات الكيان الصهيوني، مسطرة الكلمات الأولى من كتاب النكبة الأسود بحروف من الذل والهوان، ثم جاء «عباس وسلطته» ليكملوا سطور ذلك الكتاب!
الماضي والحاضر
وتحت عنوان «فلسطين الماضي والحاضر.. طوفان الأقصى إلى أين؟»، تحدث د. أسامة الأشقر، المفكر والمؤرخ الفلسطيني، فوصف ما يجري بأنه فاصلة تاريخية لها ما بعدها في كل القطاعات التي يشتغل عليها الناس في الجغرافيا السياسية وفي الجغرافية البشرية وفي الأداء السياسي والإعلامي، وفي المربعات التنظيمية وفي كثير من الخطوط الظاهرة والخلفية.
وقال: هناك تغييرات كبيرة ستحصل بعد هذا الحدث الكبير، فهذا الحدث الذي نراه اليوم هو عملية إستراتيجية، وليس عملية استعراضية أو تكتيكية، وليس تسجيلاً للحضور أو رغبة في إظهار موقف على حساب موقف آخر، وليس مزاحمة للفصائل وللقوة، بل هو عمل كبير ضخم، وستكون بعده ولادة هائلة وكبيرة تستحق التضحيات التي بذلت.
واستطرد د. الأشقر في الحديث عن فلسطين الماضي والحاضر، وصولاً إلى جملة من الأهداف الرئيسة التي يرى أنها لا بد أن تكون ثمرة هذه المعركة:
– أولاً: يجب أن تُبيض جميع السجون لا يبقى فيها أي أسير، وهذا أمر يأخذه الشباب على عاتقهم، فلا مجال للتنازل عنه أبداً، كل هذه النفوس وكل هذه التضحيات وكل هذا الإعداد لا بد أن يُثمر عن شيء كبير.
– ثانياً: يجب أن يتوقف تهويد المسجد الأقصى، فلا بد أن تتوقف عصابات هذه القطعان عن الدخول في هذا المسجد المبارك، وأن تتوقف جميع إجراءات تهويد المدينة المقدسة، وأن تكون هذه الحرب رسالة أولية، فهذه الحرب يمكن أن تشتعل في أي مكان إذا تم المساس بالمسجد الأقصى مرة أخرى، وبالتالي هذه واحدة من المفاصل التي لا يمكن تجاوزها عند التعاطي مع ثمرات هذه الحرب في مرحلة لاحقة.
– ثالثاً: يجب أن يرفع الحصار عن قطاع غزة، هذا القطاع لا يمكن أن يحتمل أكثر من ذلك، ولا يمكن أن يبقى نحو مليونين من الشعب الفلسطيني تحت الحصار أكثر من ذلك، هذه أمانة في أعناقنا جميعاً، ويجب أن نفك هذا الحصار، ويجب أن يستمع الجميع، الأقطار العربية والجامعة العربية وجميع المنظومات الحاكمة في العالم أننا لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الحصار على القطاع.
تحرير البلاد الإسلامية لا يبدأ إلا بتحرير فلسطين
وقدم الناشط السياسي البارز علي حمد مداخلة عبَّر فيها عن دعم الحركة الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين لقضية فلسطين منذ نشأتها، ووقوفهم بقوة إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني.
وذكر ما قاله الإمام حسن البنا في عام 1947م في المؤتمر الحاشد الذي دعا إليه مع كافة الرموز العربية والإسلامية: «إن الإخوان المسلمين سيتبرعون إلى فلسطين بدماء 10 آلاف من أبنائها»، إذا كان الإخوان المسلمون الآن موجودين في مصر ما الذي كانوا سيدفعونه؟!
مضيفاً: أن البنا كان له كلمة تقول: «إن تحرير الأنظمة أو تحرير البلاد الإسلامية والبلاد العربية من ربقة المحتل -عندما كان هناك استعمار، والآن يوجد استعمار وظيفي من كل الأنظمة المستبدة- لا يبدأ إلا بعد تحرير فلسطين والقدس، ولم يعز المسلمون إلا والقدس بين أيديهم، ولم يذل المسلمون إلا والقدس في يدي عدوها».
و«المنتدي العالمي للفكر والثقافة» كيان أهلي يهدف إلى توثيق الروابط وتعميق التواصل بين المؤسسات والمراكز البحثية في مجال الفكر والثقافة من أجل الحفاظ علي هوية الأمة وريادتها، والتعريف بفكر الأمة وثقافتها النابعة من عقيدتها وهويتها.