في أحد اللقاءات مع نخب من الحركة الإسلامية، قال أحدهم: لماذا دخلت «حماس» عش الدبابير؟ وبرر ذلك قائلًا: إن «حماس» لا تمتلك الأدوات والإمكانيات التي يمتلكها الاحتلال الصهيوني، وقال آخر: إن «حماس» حولت موقفها من خطر أمني على «إسرائيل» إلى خطر وجودي! وبغض النظر عن نفسية المغلوب وإن أخفاها، والرغبة في الانبطاح واستسهال الاستسلام عن المقاومة أو في حده الأدنى محاولة إظهار التعقل والحكمة! رغم أن حربنا مع «إسرائيل» حرب وجود في الأساس، وأن ضريبة المقاومة أقل من ضريبة الخنوع والقبول بالمذلة، وهذا ما نستقرئه من التاريخ، إلا إني أود أن أركز على الأسباب التي دفعت المقاومة لبدء الحرب، وأركز فيما يلي على 5 أسباب رئيسة:
أولًا: تشكيل حكومة نتنياهو الأخيرة التي وصفها الإعلام الغربي نفسه أنها حكومة حرب، حيث تم تشكيلها من متطرفي اليمين «الإسرائيلي» التي كان من المتوقع ألا تنتهي مدة هذه الحكومة إلا وقد أعلنت حرباً، سواء كانت في غزة أو في جنوب لبنان، وحسب الخبراء، فإن الخيار الأنسب لشن هذه الحرب كان من المتوقع أن يكون غزة.
ثانيًا: انتهاك قواعد الاشتباك الخاصة بالمسجد الأقصى من طرف متطرفي الحكومة «الإسرائيلية» التي تم التفاوض والاتفاق عليها بعد معركة «سيف القدس»، ومحاولة تغيير هوية القدس وزيادة الاستيطان، وقد حذرت المقاومة عدة مرات من هذه الانتهاكات، ولم تلق «إسرائيل» لهذه التحذيرات بالًا، ولم تستطع الدول الوسيطة بما فيها أمريكا -التي تدعم الكيان ولا تريد أن تتصاعد الحرب لاعتبارات تخص الإستراتيجية الأمريكية- أن تضغط على «إسرائيل» وتحترم قواعد الاشتباك المتفق عليها.
ثالثًا: ملف الأسرى ملف رئيس، خاصة مع ازدياد حملات الاعتقال في الضفة والقدس، وزاد في الأمر اعتقال النساء، وهذا عهد بين المقاومين وإخوانهم في السجون، ألا يهنؤوا بعيش دونهم، وظهر عدم جدوى الحلول الدبلوماسية جليًا بعد الصفعة التي أعطتها «إسرائيل» لوفد السلطة الفلسطينية -الذي حضر اجتماع العقبة الأمني- برفضها الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين تم أسرهم قبل «أوسلو» ورفضها تقديم أي تنازلات للسلطة في مسار التسوية!
رابعًا: حصار غزة الذي أصبح من الأخبار التي اعتادها الناس رغم مرارتها، فهذا الحصار الذي زاد على 17 سنة، شارك فيه بشكل مباشر الكيان الصهيوني ومصر، وشارك فيه العالم بأسره بعدم السعي لإنهائه، حتى أصبح قطاع غزة أكبر سجن في العالم.
خامسًا: القرار «الإسرائيلي» بخلق وضع أمني جديد لا توجد فيه «حماس»، وظهر هذا جليًا بعد اجتماع العقبة الأمني الذي حضرته السلطة الفلسطينية على غير رغبة باقي الفصائل الفلسطينية، وحضرته «إسرائيل» والولايات المتحدة ومصر والأردن، وترتب على هذا القرار تحضيرات على المستوى المحلي باستعداد «إسرائيل» لشن حرب على غزة لها سببان رئيسيان؛ أولهما: اغتيال قادة «حماس» وإنهاء وجود الحركة في القطاع، وثانيهما: إيصال رسالة ردع لإيران، ووفق ما وصل من معلومات لـ«حماس» ولـ«القسام» من عدة مصادر، فإن هذه الحرب كان مقدرًا لها أن تكون في بداية نوفمبر 2023م، كما ترتب عليها اتفاقات إقليمية مع مصر والأردن، بغض النظر عن المواقف المعلنة -كما يسميها السيسي- من الحرب، إلا أن الاتفاقات تمت بالفعل وما يحدث من معارضة من أنظمة اجتماع العقبة ما هو إلا محاولة لاستيعاب ضغط الشعوب، خاصة ما يقوم به الملك عبدالله من إظهار معارضة شديدة معلنة لأهداف الحرب.
ولوحظت أيضًا الاستعدادات المصرية من تجهيز مطار العريش للعمل والمباني والمصانع التي أنشئت التي كان من المفترض أن تستوعب جزءاً من سكان غزة، وكان رد السلطات التعمية على الهدف من هذه الاستعدادات، ولا داعي لتحليل أكبر لسلوك النظام المصري لمعرفة موقفه، فيكفي أن تشاهد خطابات رأس النظام خاصة التي يتحدث فيها بعفوية ودون ورقة لكي تعرف ما تم الاتفاق عليه.
وبناءً على ما تقدم، كان قرار المقاومة بأن «تدخل عليهم الباب»، وهذه الإستراتيجية يتم الإعداد لها منذ حرب «الفرقان» عام 2008م، وذلك لتقديم نموذج لكيفية كسر قوى الاستكبار في العالم وخسف صورة الجندي الذي لا يقهر وإظهار هشاشة دولة الاحتلال.
ولا يمكن نقاش هذا الموضوع بعيدًا عن توصيف «إسرائيل» أنها احتلال في الأساس، والفطرة أن تظل الجهود في إنهائه مستمرة ومتصاعدة وألا تتوقف، فهذا جهاد دفع لا جهاد طلب، وإن توقفت المقاومة أو عجزت أو تم إنهاؤها، فيلزم الأمة كلها أن تجاهد هذا العدو الذي غزا أرض الإسلام.
ومما يلخص هدف الحرب ما قاله أحد قادة المجاهدين بأن هذه ليست حرب تحرير، لكنها حرب تحريك للوضع الداخلي في فلسطين وللأمة كلها، حرب لبثّ الأمل بأن ما يراه بعض المنهزمين مستحيلاً، يمكن تحقيقه بجهد قليل، لكن بسواعد فتية وعقول ذكية ونفوس خالصة، هي حرب رأوا فيها مدد السماء وفتوحات ربانية فاقت توقعاتهم، وبإذن الله لها ما بعدها.