تعد ظاهرة التباين على التأثير في المجال الديني وتنظيمه في إندونيسيا إحدى أغرب الظواهر في عالمنا الإسلامي، ويكتسب بعداً خاصاً لاعتبار أن الدولة المسلمة هي الأكبر في العالم من حيث عدد المسلمين؛ ما ينعكس أحياناً على شهر رمضان وعيد الفطر، رغم تمذهب الأغلبية العظمى من السكان بالمذهب السُّني.
فالإندونيسيون من الناحية الدينية إما «نهضويون»؛ أي أتباع لجمعية نهضة العلماء ذات المنهج المتصوف، أو «محمديون»؛ أي أتباع للجمعية المحمدية التي تعرف نفسها بأنها على منهج أهل السُّنة والجماعة، وبين الجماعتين تباين تاريخي في عديد الأمور الفقهية، بما فيها تلك المتعلقة بتحديد موعد شهر رمضان وعيد الفطر.
ولا تختلف الجماعتان في تحديد تواريخ رمضان والأعياد الدينية فقط، بل حتى في عدد ركعات التراويح، فبينما تقيم المساجد المحمدية 11 ركعة، يصلي النهضويون 21 ركعة، بحسب «الجزيرة نت».
لكن الاختلاف حول عدد ركعات التراويح يظل اختلافاً فرعياً بالقياس إلى انقسام أبناء البلد الواحد على موعد شهر رمضان أو عيد الفطر مثلاً؛ الأمر الذي يثير بلبلة واسعة بين المواطنين، إذ لا يمكن علمياً أو منطقياً أن يكون كلا الفريقين على صواب.
ويعود هذا التباين إلى منطلق الجماعتين، فالمحمديون يعتمدون الحساب الفلكي مرجعية نهائية لتحديد الشهور القمرية، بينما يتمسك النهضويون بحرفية الحديث النبوي: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، باعتباره نصاً عابراً للزمن وليس اجتهاداً نبوياً محصوراً بزمنه.
وبناء على هذين المنطلقين، يحدد المحمديون بداية رمضان ونهايته وفقاً للحساب الفلكي دون اعتبار لرؤية الهلال من عدمه، التي قد تؤثر عليها عوامل خاصة بالطقس والمناخ، لا علاقة لها بـ«حتمية» تشكل هلال الشهر الجديد من عدمه من الناحية العلمية، بينما يتمسك النهضويون بتحديد موعد الشهور القمرية وفقاً لـ«الرؤية» وإن عارضت الحساب الفلكي.
ولحسن الحظ، لم تمثل بداية رمضان لهذا العام إشكالاً عند المحمديين والنهضويين، إذ اعتبرت الجماعتان بداية رمضان في نفس اليوم، وهو الثلاثاء 12 مارس الجاري، إلا أن احتمال ألا يحتفلا معاً بعيد الفطر يبقى وارداً، إذ يحدده المحمديون من الآن بيوم الأربعاء 10 أبريل المقبل، بينما ينتظر النهضويون دائماً «الرؤية الشرعية».
غير أن موقف الحكومة الإندونيسية الرسمي غالباً ما يميل إلى اختيار النهضويين، إذ تعد جمعية نهضة العلماء أقدم تيار إسلامي في البلاد والأكثر تأثيراً فيها، ويعتبرها البعض صوت الحكومة في الشؤون الدينية.
وتعلن الحكومة الإندونيسية عن اليوم الأول من رمضان بعد جلسة تشاور يعقدها وزير الشؤون الدينية مع هيئة مجلس العلماء، وفقاً للتنظيم المعتمد من الدولة.
طقوس خاصة
طقوس استقبال رمضان، لها نكهة خاصة في إندونيسيا، وأهم ما يميزها «الزيارة الكبرى»، وهي زيارة قبور الأقارب والأصدقاء، حيث يسير الأهل في مسيرة جماعية نحو المقبرة، وينوون التصدق عن الميت.
لكن الأغرب من ذلك هو النزول في الأنهار بعدد من مقاطعات وأقاليم البلاد، بدعوى التطهر؛ جسدياً وروحياً، عبر الاستحمام بالماء والليمون استقبالاً لشهر رمضان المبارك.
وهناك أيضاً عادة «نيوروج»؛ وتعني توزيع الطعام على الأقارب والجيران، بينما يلجأ البعض إلى ما يعرف باسم «الهاشا»؛ وهي كلمة إندونيسية تعني بالعربية «العامرة»؛ وهي قاعة نظيفة يقدم فيها الطعام والشراب لكل من يمر عليها ولا تُفتح إلا في شهر رمضان.
«البدوق» و«موديك»
ولا يختلف الإندونيسيون، أياً كانت انتماءاتهم، على تعظيم الشهر الكريم عبر مظاهر عدة، منها تزيين المساجد والمنازل، ودق «البدوق»، وهي الطبول الإندونيسية التقليدية كبيرة الحجم التي توضع فوق شاحنات صغيرة، ويجوب بها الشباب الشوارع والميادين احتفاءً بقدوم رمضان، كما يقرعونها أيضًا في وقت الفطور والسحور، وهي من الطقوس الشعبية ذات البعد الديني.
ومن الإندونيسيين من يحرص على زيارة دور الأيتام، وتناول الإفطار مع اليتامى؛ جبراً لخواطرهم، بينما يحرص الكثيرون على فتح بيوتهم للإفطار الجماعي في رمضان.
ويكثر في البلاد ما يعرف بـ«إفطار التسامح»، حيث تتم دعوة المتخاصمين لتصفية النفوس والتسامح، إذ لا يغادر المفطرون منزل صاحب الإفطار إلا بعد أن يقولوا له: إنهم قد سامحوه وغفروا له ما قد يكون بدر منهم.
ولا يتم تنظيم «إفطار التسامح» هذا في البيوت فقط، ولكن أيضًا في المساجد، وهو تقليد يعد تأثراً بالمدرسة الصوفية المنتشرة بشكل كبير في إندونيسيا.
كما أن الاعتكاف ظاهرة منتشرة في إندونيسيا بين الشباب المثقف، وكذلك الاحتفال بنزول القرآن خلال شهر رمضان، حيث يقام احتفال مهيب يحرص المسؤولون الكبار على إحيائه، وبرلمانها، ووزراؤها، وأعضاء السلك الدبلوماسي.
وفي العيد، تشهد إندونيسيا ظاهرة «موديك»؛ وهي موجة نزوح محلية، حيث يعود الإندونيسيون إلى مسقط رأسهم، في الريف أو المدن، للاحتفال بعيد الفطر.
ويحرص الإندونيسيون، كغالبية المسلمين، على شراء الملابس الجديدة للعيد، والتكبير في الشوارع وهم يقرعون على الطبول في الأحياء والشوارع، ومنح الصغار «سلام تيمبل»، المعروفة شعبياً بـ«العيدية»، وإضافة إلى النقود، يتم التهادي بالفواكه والأطعمة والمشروبات المعلبة وغيرها.