في مثل هذا اليوم 18/ 4/ 1996م ارتكب الكيان الصهيوني مجزرة مروعة في مدينة قانا اللبنانية، وحتى لا ننسى مجازر هذا الكيان تعيد «المجتمع» نشر هذا المقال الذي كتبه د. صلاح الدين أرقه دان، وتم نشره في العدد (1714)، بتاريخ 12/ 8/ 2006م.
رغم المجازر ودماء للبنانيين لن يجني الصهاينة سوى الرعب والفشل السياسي الذي بات يهدد حكومة أولمرت
قانا، بلدة لبنانية جنوبية هادئة تحتضن آثاراً تعود إلى ما قبل كتابة التاريخ بالإضافة إلى ما سجله الإنجيل عن معجزة اجترحها السيد المسيح عليه السلام في عرس كان هناك، وزوارها يرون بوضوح رسوماً محفورة في الصخر يعتقد أنها لحواريي السيد المسيح عليه السلام الذين شهدوا معجزته المذكورة.
في عام 1996م أطلق العدو الصهيوني صواريخه الأمريكية الصنع، وتحت غطاء كثيف من التحركات والمواقف الدبلوماسية الأمريكية التي استخدمت حق النقض للوقوف في وجه أية محاولة لإدانة العدوان الذي سماه الصهاينة يومها عناقيد الغضب، وجهت هذه الصواريخ عامدة متعمدة على تجمع لأهالي قانا على أبواب أحد مراكز قوة المراقبة التابعة للأمم المتحدة راح ضحيتها 110 من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين دفنوا في مقبرة واحدة أصبحت مزاراً لمن يريد الاعتبار ومعرفة حقيقة الصهيونية.
وعاد الأمن الحذر إلى لبنان بعد الانسحاب الصهيوني من الجنوب اللبناني في عام 2000م ولم تبق سوى مزارع شبعا التي أرادها الصهاينة ذريعة لتهديد وتحرش دائمين بلبنان كما استمر العدو الصهيوني في اعتقال مجموعة من اللبنانيين يعود تاريخ احتجاز بعضهم إلى سبعينيات القرن الماضي، وبقيت قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالانسحاب التام وإعادة الأسرى حبراً على ورق.
عنصرية صهيونية بغطاء أمريكي
انتهت مذبحة قانا الأولى بدفن الضحايا، ولكن قضية قانا وتداعياتها ورمزيتها بقيت عالقة داخل أروقة الأمم المتحدة من خلال الوثائق ونداءات الاحتجاج اللبناني على استمرار الاحتلال وعدم الإفراج عن الأسرى، بالإضافة إلى استمرارها في ذاكرة اللبنانيين، إذ لم يغير الانسحاب الصهيوني من رمزيتها شيئاً، فهي الشاهد الحي على عقيدة الصهاينة وسبل تعاملهم مع غيرهم وهي المثل الملموس للشعار الصهيوني الصادق الوحيد: «العربي الجيد هو العربي الميت».
ومنذ عام 1936م واللبنانيون يعانون بشكل دائم ومستمر من العنف الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر، ويتجرعون الصعاب أيضاً من الموقف الأمريكي المتبني للسياسة الصهيونية على طول الخط فالأمريكيون لا يرون أية حقوق لأي طرف آخر غير الصهاينة في المنطقة.
وهنا تكمن مشكلة العرب وغير العرب في التصور العقدي الصهيوني الذي يرى الأمم غير اليهودية مخلوقات جعلها الله على هيئة إنسان لخدمته، ليس لها حقوق في شيء والفتات الذي يلقى إليها منة يجب شكرهم عليها.
تطبيق عقيدة الصهاينة في العراق
ولعلكم تذكرون أن الأمريكيين ارتؤوا قبل أن يوجهوا طلائع قواتهم المحتلة إلى العراق أن يأخذوا دروساً في كبت الضمير من الصهاينة، وكان سؤالهم الذي نشرته وسائل الإعلام وقتها كيف يتمكن القادة الإسرائيليون الميدانيون من توجيه أوامرهم إلى عناصرهم في تدمير البيوت على رؤوس أصحابها دون أن يخشوا عصيان الأوامر؟!
ولعلكم تذكرون أن الأمريكيين كانوا طلاباً نابهين، وبعض قصص معتقل أبو غريب دليل دامغ على ذلك، وما زال خبراء كبت الفطرة والضمير الإنساني الصهاينة مرابطين فوق أرض العراق المحتلة ومستعدين في كل لحظة لنقل تجاربهم في جنين وقانا لجيش الاحتلال الأمريكي.
ضوء رايس الأخضر
من منكم لم يسمع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وهي تقول فوق أرض المعاناة بيروت وقبيل ساعات من مجزرة قانا: إن «الإسرائيليين» غير مضطرين لوقف فوري لإطلاق النار قبل أن يحققوا الأهداف الأمنية لحملتهم العسكرية!
نعم وقفت رايس فوق جثث أمهاتنا وأبنائنا لتوجه أقسى أنواع التقريع لمستمعيها من النخبة اللبنانية الحاكمة؛ لأنها أي هذه النخبة اضطرت الأمريكيين للتدخل بشكل مباشر للقضاء على قوى الأصولية والتشدد بحسبها ذلك لأن الحكومة اللبنانية لم تقم بهذا الواجب لصالح الأمريكيين، وكانت أمنية واشنطن أن تتولى الحكومات العربية القيام بالمجزرة والانتهاء من فصائل مقاومة السياسة الأمريكية والاحتلال الصهيوني، وبذلك توفر على الصهاينة العناء، وعلى الإدارة الأمريكية الانشغال بتنظيف وجه الصهاينة الملوث بدماء الأطفال والنساء والشيوخ اللبنانيين في أروقة الأمم المتحدة وخارجها.
وقد أعطى تصريح رايس الضوء الأخضر لمجزرة قانا الأخيرة، كما أطلقت تصريحات سابقة مذبحة قانا الأولى وأخواتها.. فلـ«قانا» عائلة كبيرة ممتدة من بحر البقر في أرض الكنانة.. وحتى حدود الشمال اللبناني، مروراً بأكثر من 400 مدينة وقرية فلسطينية على شاكلة قانا ودير ياسين.
فشل صهيوني
ولكن ما هو الحصاد الصهيوني في لبنان؟ وماذا حقق الصهاينة حتى الآن من مطالبهم المعلنة؟!
فالأرقام وحقائق الأرض تقول: «زرعوا الريح وحصدوا الهواء»، أي لا شيء.
فالموقف اللبناني الحكومي والشعبي بات أكثر تلاحماً وصلابة في وجه العنف الصهيوني.
وتراجعت شعبية جيش الاحتلال داخل الكيان الصهيوني وخارجه، بعدما عجز بامتياز عن مواجهة مليشيا شعبية يعتبر صمودها بكل المعايير انتصاراً لها وهزيمة للصهاينة.
بل الأهم من ذلك، أدخلت عمليات المقاومة اللبنانية المستهدفة العمق الصهيوني لأول مرة في تاريخ الصراع الرعب في قلوب الصهاينة وعطلت الإنتاج وفرغت ميناء حيفا من سفنه، ودفعت بمئات الألوف من الصهاينة إلى ملازمة الملاجئ والمخابئ خوفاً من صواريخ المقاومة.
ولم يعد في جعبة الصهاينة أكثر مما رأينا، ولكن في جعبة المقاومين للمشروع الصهيو أمريكي الكثير مما لم يتم استخدامه بعد وستنتهي الحرب الحالية طالت أم قصرت، وسيكون على الصهاينة أن يختاروا قيادة أكثر واقعية لتخرج بهم بالحد الأدنى من خسائر الرمال المتحركة اللبنانية.
وليت المسؤولين العرب يعيدون النظر مرة أخرى في تحليلهم للأزمة وسبل حلها وحفظ النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
وليت الإدارة الأمريكية الحالية المنشغلة بإشعال الفتن في مشارق الأرض ومغاربها أن تنظر إلى أسطورة «هرمجدون» من زاوية مختلفة، فالمسيح صلوات الله عليه كان فلسطينياً، وحواريوه كانوا فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وأردنيين، وليتهم ينتبهون ولو لمرة واحدة أن الصهاينة يتتبعون كل أرض خطا فوقها السيد المسيح عليه السلام بالتدمير والتخريب. وعلى الأمريكيين والصهاينة الغارقين في قراءة الرموز التوراتية الانتباه إلى أن لعنة قانا، حاضرة مجربة ملموسة أصابت القيادة الصهيونية السابقة في عام 1996م.
ولا يشك عاقل أنها أصابت القيادة الحالية في شعبيتها وثقة الشارع الصهيوني في جيشها ليتهم يحذرون هم وحواريوهم من لعنة قانا أينما كانوا!