التعليم في الجزائر مجاني في جميع مراحله، من التحضيري وحتى الجامعة، وتنتشر المدارس والمؤسسات والجامعات في جميع ربوع الوطن، وهي تستوعب أعداد الطلاب في جميع مراحلهم ومستوياتهم، ولا تجد اكتظاظًا في غالب الأحوال.
ورغم ذلك فقد بدأ يظهر التعليم الخاص في الجزائر، ويبدو أنه عنوان من عناوين التحول التدريجي إلى الرأسمالية، وفسح بعض المجال للقطاع الخاص ليسهم في العملية التعليمية في الدولة الجزائرية.
ولم ينتشر التعليم الخاص في الجزائر الانتشار الواسع بعد، بل إنه قد يعتبر في مراحله الأولى؛ إذ إن المدارس الخاصة تمثل 5% من المؤسسات التربوية في البلاد(1).
وما سمحت به الدولة إلى الآن في التعليم الخاص هو التعليم الأساسي (الابتدائي، والمتوسط)، وكذلك التعليم الثانوي، أما التعليم العالي فلم يتم فتحه أو الاستثمار فيه، فالجامعات الخاصة غير موجودة في الجزائر، فقط الجامعات الرسمية التابعة لوزارة التعليم العالي.
لكن هناك بعض المعاهد والمدارس العليا الخاصة، مثل: المدرسة العليا للفندقة والإطعام بالجزائر، والمعهد العالي للغات الأجنبية بالبليدة، ومعهد المناجمانت بالجزائر (سعيد حمدين)، ومعهد التكوين في التأمينات والتسيير، ومدرسة إدارة الأعمال بتيزي وزو، ومعهد البصريات ببرج بوعريريج، ومعهد التكنولوجيا (نوميديا) سيدي عبدالله بالجزائر.. إلخ(2).
وفي تلك المقالة، سوف نلقي الضوء على بعض الفروقات التي وقفنا عليها بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص.
تكثيف المناهج لإظهار الفارق
الأصل أن المدارس الخاصة تدرِّس لتلاميذها مقرَّرات ومناهج وزارة التربية الوطنية، فلا فارق بينهما في المناهج، إلا أن المدارس الخاصة قد تسعى لتكثيف البرامج الدراسية، وتكليف التلاميذ بواجبات إضافية كثيرة في المنزل، في الوقت الذي تميل فيه طرق التعليم الحديثة في العالم إلى تخفيف الواجبات المدرسية، والاهتمام بطرق التعليم الحديثة(3).
وهذا الأمر له آثاره السلبية على الأطفال في مراحلهم التعليمية الأولى، وكذلك يزيد من الأعباء على الوالدين في المنازل أثناء متابعة أولادهم والمذاكرة لهم.
شكل من أشكال الطبقية
الفكر الطبقي غير منتشر من الأساس، وهذا تلمسه من خلال عدم غلبة الألقاب أثناء التعاملات فيما بينهم، فلا يضر الطبيب أو المهندس أن تناديه باسمه مجردًا.
لكن هذا لا ينفي أن هناك بعض أشكال الطبقية في المجتمع، وقد تعبر المدارس الخاصة عن هذا الشكل من أشكال الطبقية؛ فيرى المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم أن بعض الأولياء يحرصون على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة من باب أن هذا الانتساب التعليمي دليل على انتمائهم إلى فئة مجتمعية معينة يخص الطبقة البرجوازية، رغم إقراره أن الإقبال على هذه المدارس المنتشرة بكثرة في المدن الكبرى يخص -أيضًا- فئة الموظفين ذوي الرواتب المرتفعة(4).
رفع المعدلات والنتائج والتلاعب فيها
بعض ذوي اليسار والغنى عندما يفشل أولادهم في التعليم الحكومي، فإنهم يلجؤون إلى بعض المدارس الخاصة التي قد تتلاعب في النتائج، متخلية عن المصداقية والنزاهة، فتظهر نتائجها مرتفعة مقارنة بغيرها من المدارس الحكومية، وتظهر نتائج الطلاب على غير الحقيقة، ويحدث غش في مستويات الطلاب، وكل هذا من أجل استقطاب الأموال التي قد يبذلها ذوو الغنى واليسار لتجاوز أولادهم تلك المراحل التعليمية.
الهياكل التربوية والإدارية
إن بعض المدارس لا تملك الهياكل التي تسير العملية التعليمية كاملة، فتقوم باستعارة بعض الأساتذة من المدارس الحكومية لإعطاء بعض الحصص، وتحاسبهم على تلك الحصص بمبلغ معين متفق عليه فيما بينهم، فلا يكون المدرس موظفًا عندهم توظيفًا كاملاً.
وقد تتم الاستعانة ببعض المدرسين الذين أحيلوا إلى التقاعد، فيعملون في تلك المدارس للاستفادة من خبرتهم التربوية والتعليمية الطويلة في مجال التدريس في المدارس الحكومية، إلا أن هؤلاء نادراً ما يخضعون للمراقبة الأكاديمية من طرف مفتشي وزارة التربية مما قد يتسبب بالاستهانة واللامبالاة في تقديم المادة العلمية.
الغلاء الفاحش للمصروفات المدرسية
الفئات الغنية لا تنظر كثيرًا إلى قيمة المصروفات؛ لأن مدخولاتها مرتفعة، وإنما يقع الإشكال في الأسر المتوسطة التي تحاول أن توفر لأبنائها فرصة أفضل في التعليم؛ إذ يجمع أرباب الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة على ارتفاع الأسعار التي تفرضها المدارس الخاصة كل سنة.
وأكدت مديرة مدرسة خاصة أنها حرصت على رفع تكلفة التمدرس نظرًا لارتفاع الوجبات الغذائية وزيادة أجور الأساتذة، مضيفة أنَّ ذلك تم مع مراعاة القدرة الشرائية للعائلات.
وتشير إلى أن تكاليف الكراء والصيانة وسلم الأجور تزداد سنويًا، إلا أنها تحرص، حسب زعمها، أن تكون الأسعار معقولة، وتضع تسهيلات في طريقة الدفع بالتقسيط شهريًّا، ولا تفرض الدفع السنوي(5).
الدروس التدعيمية
لم تتمكن المدارس الحكومية والخاصة من تلبية احتياجات الطلاب التعليمية تلبية تامة، فطفا إلى السطح ظاهرة الدروس التدعيمية (الدروس الخصوصية)، التي تستنزف الأسرة الجزائرية؛ إذ إن الحصة الواحدة قد تصل إلى ما يعادل 20 أورو، وهي لم تصبح ظاهرة عامة متفشية، لكنها في طريقها إلى التنامي والتعاظم.
صور مشرقة
ليس معنى هذا أن المدارس الخاصة لا تسهم في تطوير وترقية العملية التعليمية، بل هي سلبيات سلطنا عليها الضوء ليتم التنبه لها ومعالجتها، لتتكامل المؤسسات الحكومية والخاصة لإنشاء جيل قادر على بناء دولته والسعي بها قدمًا نحو التقدم والنهضة.
وقد يلجأ بعض الآباء لإدخال أولادهم في المدارس الخاصة عندما يلاحظون تراجعًا في مستوى أولادهم الدراسي، ليكون الاهتمام أكبر، والرعاية أوفر.
وهناك بعض المدارس التي تكون نتائجها نتائج مشرقة، ولها موقع متقدم بين سائر المدارس في الولايات التابعة عليها.
وأخيرًا، فإن المدارس الخاصة أصبحت سمة من سمات هذا العصر الذي نعيش فيها، لكن يمكن لها بالتعاون مع المدارس الحكومية وتحت إشراف وزارة التربية الوطنية أن تقدم البيئة المناسبة العلمية والتربوية والثقافية والإيمانية لإنشاء جيل يحمل هم أمته، ويكون لبنة في نهضة الدولة.
______________________
(1) الجزائر تقرر إنهاء العمل بالنظام التعليمي المزدوج في المدارس الخاصة، فرانس 24، 30/ 9/ 2023م.
(2) المؤسسات خارج قطاع التعليم العالي، المؤسسات الخاصة للتكوين العالي المعترف بها من قبل وزارة التعليم العالي، موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
(3) عبدالحفيظ سجال: المدارس الخاصة في الجزائر.. بين الهدف التجاري ورفع مستوى التعليم، جزائر ULTRA، 1/ 9/ 2023م.
(4) المرجع السابق.
(5) عمار لشموت: المدارس الخاصة في الجزائر.. جدل التكاليف والتحصيل العلمي، جزائر ULTRA، 15/ 9/ 2021م.