تفرض قضية الإباحية نفسها على طاولة الأسرة في جميع المجتمعات، العربية والغربية وغيرهما، وسط تنام مقلق في معدلات المواد التي يتم بثها عبر وسائل الإعلام والتواصل، بشكل يمثل خطراً متزايداً على التماسك الأسري والأخلاقي حول العالم.
يؤخذ في الاعتبار تحول الإباحية إلى صناعة وتجارة عالمية تدر مليارات الدولارات على دول وشركات تتربح من إفشاء هذا النمط من الانحلال الأخلاقي، دون تقدير للعواقب والتداعيات، وارتفاع معدلات الخلافات الزوجية والطلاق والتفكك الأسري.
يقول الخبراء: إن مشاهدة المقاطع الإباحية تتحول إلى عملية إدمان، شأنها شأن تعاطي المواد المخدرة، والمشروبات الكحولية، الأمر الذي يتطلب شهوراً للتعافي والنجاة من هذا المرض.
المقلق أن هذا الإدمان يسبب آثاراً ضارة على المصاب به، وعلى المجتمع كذلك، نوجزها فيما يلي:
أولها: تدهور العلاقة الزوجية، وعدم الرضا عن الشريك، وفقدان الرغبة في التواصل معه؛ نتيجة الانخداع بصور ومقاطع تحوي مبالغات ومعايير جسدية وجمالية فائقة، ما يدخل المريض في أجواء من المقارنة مع زوجه أو زوجته.
في هذا السياق، يحذر الخبراء من السيناريوهات الخيالية التي تتضمنها الأفلام الإباحية، وأن مقدمات العملية الجنسية المعروضة في الأفلام أو في المقاطع الإباحية لا تمت إلى الجنس الحقيقي بصلة.
وتقول دراسة طبية: إن مدمني الأفلام الإباحية ساءت علاقتهم الجنسية مع أزواجهم، لكن بعد 8 أشهر من توقف المريض عن مشاهدة الأفلام الإباحية تحسنت الحالة الجنسية للمريض، وعادت إليه صحته الطبيعية، وتوازنه النفسي مع زوجته.
ثانياً: يتسبب إدمان الأفلام الإباحية في ارتفاع معدلات الطلاق والنفور الزوجي، حيث تؤدي مشاهدة الصور المثيرة إلى النظر بدونية إلى شريك الحياة، وافتعال المشكلات معه، وربما العنف، وصولاً إلى الانفصال والطلاق، وهو ما حذرت منه دراسة علمية بعنوان «أثر الأفلام الإباحية على الرضا الجنسي»، أفادت بأن مشاهدة محتوى إباحي على مدار 6 أسابيع فقط، تسبب في توليد مشاعر النفور من المشاهد تجاه شريكه في الحياة، واستياء من مظهره الجسماني وأدائه الجنسي.
ثالثاً: يمتد التأثير السلبي لإدمان المقاطع الإباحية إلى تضرر الصحة العامة والحالة النفسية والبدنية، وربما الدخول في عزلة واكتئاب، وفقدان التركيز وعدم القدرة على إنجاز المهام، ما قد يذهب بالمدمن إلى إدمان العادة السرية، وضعف الانتصاب، وتأخر القذف، وخمود الرغبة الجنسية، بحسب دراسة صادرة حديثاً بعنوان «هل تتسبب الأفلام الإباحية في أمراض جنسية؟».
رابعاً: يمتد التأثير السلبي إلى أضرار دماغية، حيث أظهرت دراسة ألمانية صادرة عن معهد ماكس بلانك في برلين، أن الرجال الذين يمضون وقتاً طويلاً في مشاهدة الأفلام الإباحية على الإنترنت تتراجع كثافة المادة الرمادية في بعض أجزاء المخ لديهم، وتتراجع وظائفهم الدماغية، وقال العلماء الذين قاموا بتصوير أدمغة المشاركين ضمن عينة البحث، ورصد كيفية تفاعلها مع الصور الإباحية: إن الأكثر مشاهدة منهم لهذه الأفلام تقلصت لديهم البنية العصبية تحت القشرة الدماغية.
خامساً: تفيد دراسة بأن مشاهدة الأفلام الإباحية تعطي شعوراً زائفاً بالراحة، لكن مع تكرار الأمر، يصاب المدمن بدرجة من التحفيز فوق الطبيعي؛ أي الحاجة لاستثارة زائدة عن المعدل الطبيعي؛ ما يعني أن الجرعة المعتادة للإباحية لن تعطي المشاهد شعوراً بالسعادة، وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد ممارسة الجنس حتى يصل الشخص إلى ذروة المتعة.
سادساً: يرفع إدمان الإباحية من معدلات العنف ضد النساء، خاصة أن حوالي 50% من المشاهد في الأفلام الإباحية تتضمن عنفاً لفظياً، مثل الإهانات والشتائم والتهديد بالأذى الجسدي، بحسب دراسة شملت 304 أفلام إباحية، وتؤكد الدراسة أن هذه المشاهد تضمنت بنسبة 90% عنفاً جسدياً تجاه المرأة بمتوسط 11 فعلاً عنيفاً في المشهد الواحد؛ ما يرفع من وتيرة العنف ضد المرأة بشكل عام.
سابعاً: تؤكد أبحاث الجريمة أن الرجال الذين يشاهدون الكثير من المواد الإباحية أكثر عرضة لارتكاب أعمال عدائية جنسية، وأكثر احتمالية للتورط في ارتكاب جرائم التحرش والاغتصاب والعنف الجنسي، وهو ما يبدو جلياً في ارتفاع معدلات التحرش والاغتصاب في دول كثيرة حول العالم، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى تعرض ما يقارب من 120 مليون أنثى تحت سن العشرين لأشكال مختلفة من الاتصال الجنسي القسري في كافة أنحاء العالم.
ثامناً: يرفع هذا النوع من الإدمان من الضغوط الاقتصادية على الشخص المصاب به، مع سعيه الدائم للحصول على الأفلام والمواد الإباحية وإنفاق أمواله على باقات الإنترنت والاتصالات، وشراء المنشطات الجنسية، وغير ذلك، إضافة إلى تأثره وظيفياً جراء الغياب عن العمل، وتراجع الكفاءة في أداء المهام الوظيفية الموكلة إليه؛ الأمر الذي يهدد بفقدانه فرصة عمله.
تاسعاً: يتسبب إدمان الإباحية في خسائر اقتصادية كبيرة؛ نتيجة إنفاق الكثير من الأموال على متابعة المواقع الإباحية، والاشتراك في القنوات الخليعة، والذهاب إلى دور السينما، ودفع ثمن المكالمات الجنسية، وربما لاحقاً الخضوع لعمليات ابتزاز إلكتروني.
عاشراً: تراجع المستوى الأخلاقي لمدمن الأفلام الإباحية، وتدهور علاقته بالله تعالى، وربما تقصيره في أداء الفرائض مثل الصلاة والصوم وغيره، ومن ثم قسوة قلبه، وإقدامه على الذنوب والمعاصي، وربما ارتكاب الزنى والفواحش غير ذلك؛ فيزيد إقبالاً على ارتكاب المحرمات، ما يستلزم توبة صادقة إلى المولى عز وجل؛ لإنقاذ نفسه وأسرته ومجتمعه من هذا الخطر.