ما زالت سلوى تبحث بين جثامين الشهداء تارة، وبين ملامح الأحياء مرة أخرى لعلها تجد في أحدهم ملامح نجلها أحمد الذي فقدته خلال الحرب على غزة منذ أكثر من 3 شهور.
خرج من البيت على دراجته الهوائية وانتظرت عودته، إلا أن الساعات أخذت تمر سريعاً بدون عودة، غابت شمس اليوم الأول والثاني والأيام تسارعت في رحيلها لكن بدون جدوى.
لم تترك مستشفى أو حياً من الأحياء المدمرة في مدينة غزة إلا وبحثت عنه كثيراً، حتى أنهكها التعب وبدأت ملامح الحزن واضحة من بعيد على خطوط وجهها المنهكة.
أخاف أن يجوع
كثيراً ما تتحدث بقلب أمومتها بخوفها وقلقها على نجلها الذي فقدت كل محاولاتها في البحث عنه، خاصة أنه يوم خروجه كان قد اشتد القصف بالعديد من المناطق المختلفة بمدينة غزة.
وتتسأل إن كان نجلها ما زال على قيد الحياة ربما كان جائعاً ولا يجد طعاماً يأكله، فهذا الأمر كان يجعل قلبها يتآكل وجعاً.
وأوقات أخرى من تعب بحثها الذي لم يجد نفعاً تحدث من حولها: «إن كان شهيداً فأنا راضية»، فهي تريد معرفة مصيره المغيب عنها.
فما زالت تنتظر أي اتصال يخبرها بأي شيء عن نجلها بعد أن علقت صورته مرفقة بهاتفها النقال في أنحاء غزة، لعل أحداً لمح ملامحه يرشدها إليه.
وكلما اشتد القصف زاد وجعها، فهي تخشى أن يكون نجلها لا يجد مكاناً يحتمي به فيشعر بالخوف بوحدته.
شهيد مجهول الهوية
حال الأم الغزية سلوى تشابهت بها حال المئات من الأمهات المكلومات اللاتي فجعت قلوبهن بفقد أبنائهن دون معرفة مصيرهم إن كانوا مع الأحياء، أو بين جثامين الشهداء، أو في زنازين الاعتقال!
الكثير من الشهداء لم يعرف لهم هوية، فقد دفنت جثامينهم في غياب عائلاتهم، خاصة من أصبحت جثامينهم أشلاء فقدت من خلالها كل الملامح التي أصبح من المحال التعرف عليها.
فمنهم من دفن في الطرقات وكتب على قبره «شهيد مجهول الهوية»، وآخر دفن في مقبرة جماعية، والبعض منهم كتب على قبره «الشهيد كان يلبس قميصاً أزرق»!
كل شهيد إن كان مجهول الهوية إلا أنه بالحقيقة ليس مجهولاً، فهو يمتلك عائلة ما زالت تبحث عنه، يشفق الناظر على أفراد عائلته وهم يبحثون بكل الوسائل عن أي شيء يخبرهم إن كان على قيد الحياة أو أن شهيدهم دفن في هذا المكان.
مجزرة المواصي
ومنطقة المواصي في خان يونس كانت شاهدة على مجزرة أبيدت بها عائلات اختفت كل ملامح وجودهم بعد أن ابتلع الصاروخ أجسادهم في حفر عميقة جداً أخفت كل تواجدهم.
لم يعرف من استشهد ومن تبقى على قيد الحياة، لكن بعض قطع الملابس الملطخة بالدماء التي تناثرت بإحدى الأشجار القريبة من مكان الاستهداف كانت تؤكد بأن هنالك أطفالاً من ضمن الشهداء الذين اختفى وجودهم فلم تظهر لهم جثامين لتؤكد شهادتهم ولم يعثر عليهم بين الجرحى.
وما زال يجري البحث عنهم من قبل من تبقى من ذويهم على قيد الحياة وهم يحفرون بأيديهم لعلهم يعثرون على جثامينهم داخل الحفرة العميقة جداً.
معاناة مستمرة
من الصعب أن تعرف الأم المكلومة مصير ابنها حتى وإن بحثت بين القبور التي كتبت عليها «شهيد مجهول الهوية».
الأعداد كثيرة، ومناطق الدفن مختلفة فمنها في ملعب، والبعض منها في ساحة المستشفيات وكذلك في الطرقات، وغير ذلك، وزادت المعاناة بعد استهداف صواريخ الاحتلال للمناطق التي دفنت بها الشهداء، وبذلك لم تبق للعديد منهم قبور أو حتى لافتة مكتوب عليها «شهيد مجهول الهوية».