يُعتبر جيل زد «Generation Z» أحد أبرز الأجيال التي نشأت في ظل تحولات تقنية وثقافية غير مسبوقة، إذ وُلدوا في عصر العولمة والرقمنة المتسارعة؛ مما جعلهم أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا وأكثر انفتاحاً على العالم الخارجي.
ومع ذلك، يواجه هذا الجيل تحديات معقدة تتراوح بين ضغوط التكيف مع التغيرات السريعة وفقدان الهوية التقليدية أمام ثقافة العولمة الطاغية.
وبين من يرى فيهم رواداً للتغيير والإبداع، ومن يعتبرهم ضحايا لسياسات السوق والثقافة العالمية، يقف جيل «زد» عند مفترق طرق؛ مما يتطلب منا فهمًا معمقًا لدورهم الفعلي في بناء المستقبل، فهل هم قادة التحول القادم، أم أن العولمة قد وضعتهم في موقف المتلقي الضعيف؟
جيل «زد».، من هم؟
يُعد جيل «زد» (Z) أول جيل لم يعرف العالم من دون الإنترنت أو الهواتف الذكية، حيث نشأ في بيئة رقمية منذ الطفولة؛ ما جعله الأكثر تكيفًا مع التقنيات الحديثة، هذا الجيل يشمل الأفراد المولودين بين عامي 1997 و2012م تقريباً، ويتمتعون بمهارات رقمية متقدمة وعلاقة وثيقة بالتكنولوجيا، وفقًا لتحليل صادر عن شركة «McKinsey & Company» في عام 2020م، يشكل جيل «زد» غالبية سكان أفريقيا، ومن المتوقع أن يشكل ربع سكان منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2025م، وفي كندا، يمثل هذا الجيل 17.6% من إجمالي السكان، بينما في الولايات المتحدة، يشكّل حوالي ربع السكان اعتبارًا من عام 2015م.
وبحلول عام 2030م، من المتوقع أن يشكل جيل «زد» ثلث القوى العاملة العالمية، مع زيادة الإنفاق الاستهلاكي ليصل إلى 3 تريليونات دولار، كما يُعد هذا الجيل أكثر كفاءة بنسبة 2.5% من جيل الألفية، و8% أكثر من جيل «X»، ويتسم جيل «زد» بتفضيله للشركات التي تتبنى رؤية بيئية ومجتمعية، حيث تشير الدراسات إلى أن 73% منهم يفضلون الشراء من شركات تدعم القضايا البيئية وتساهم في الابتكار.
إضافة إلى ذلك، نشأ جيل «زد» في عالم شديد التغير بفعل العولمة، حيث تداخلت الثقافات واندمجت الأسواق على مستوى عالمي، هذا الجيل لم يشهد فقط الثورة الرقمية، بل عاصر التحولات العميقة التي أحدثتها العولمة في التواصل، العمل، والتعليم، وفي ظل هذه البيئة المترابطة، باتت المعلومات متاحة على مدار الساعة؛ مما منح جيل «زد» فرصة غير مسبوقة للتفاعل مع ثقافات متعددة، ومع ذلك، فرضت العولمة تحديات جديدة تتعلق بالهوية والتكيف مع التغيرات السريعة في المجالات الاقتصادية والثقافية.
جيل «زد» والثورة الرقمية
تداخلت حياة جيل زد مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ سنواتهم الأولى؛ ما جعل التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من شخصيتهم وتفكيرهم، كما تطورت علاقة هذا الجيل مع التكنولوجيا إلى حدّ أن العديد من أنشطتهم اليومية، من التعلم والترفيه إلى العمل والتواصل الاجتماعي، تعتمد بشكل كامل على الأدوات الرقمية.
وقد سمحت التكنولوجيا لهذا الجيل بالوصول إلى مصادر متنوعة للمعلومات والتعلم؛ ما جعلهم أكثر استقلالية في اكتساب المعرفة وتكوين الآراء، كما أنها أدت دوراً في تشكيل اهتماماتهم، حيث منحتهم التكنولوجيا الفرصة لاختيار ما يتابعونه ويتعلمونه بناءً على اهتماماتهم الفردية، بعيداً عن تأثير الإعلام التقليدي.
ولم تكن الهوية الرقمية لجيل «زد» مجرد امتداد لحياتهم الواقعية، بل هي في بعض الأحيان تعتبر أكثر أهمية، فهذا الجيل نشأ مع الهويات الافتراضية، حيث يمكنهم التعبير عن أنفسهم بحرية وتكوين مجتمعاتهم الخاصة على منصات رقمية؛ ما أعطاهم مساحة أكبر للتعبير عن الرأي والتفاعل الاجتماعي، ومع ذلك، فإن هذا الارتباط الوثيق بالتكنولوجيا أوجد تحديات تتعلق بالخصوصية، والهوية، والاستقرار النفسي.
صراع بين الهوية والاندماج
لقد كان للعولمة تأثيرٌ سلبيٌ على الهوية الثقافية لجيل «زد»؛ إذ أدت إلى تراجع الخصوصيات الثقافية وتفكيك القيم والتقاليد الراسخة في المجتمعات الإسلامية، وفتحت العولمة الأبواب أمام تدفق الأفكار والممارسات من مختلف أنحاء العالم، وغزت الثقافات الغربية الهوية الإسلامية التقليدية؛ ما أدى إلى تشتت الهوية واندثار الكثير من القيم التي تمثل ركائز مهمة في البناء الأخلاقي والاجتماعي لهذا الجيل.
لقد أصبحت الموسيقى، والأفلام، والأزياء، والأفكار الفلسفية الغربية في متناول اليد؛ مما أتاح لجيل «زد» تبني أساليب حياة وسلوكيات لا تتوافق بالضرورة مع الثقافة الإسلامية، وفي الوقت الذي يُروّج للعولمة بأنها تزيد من الانفتاح والتنوع، فإنها في الواقع تُغرق الشباب في مستنقعٍ من الهويات المختلطة؛ مما يؤدي إلى تآكل الولاء للهوية الإسلامية الأصيلة ويشجع على تبني أنماط حياة منفصلة عن القيم والمبادئ المحلية.
وعمقت العولمة الصراع النفسي لهذا الجيل بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والانجراف نحو العولمة وقيمها، حيث يشعر أفراد جيل «زد» غالبًا بأنهم ممزقون بين التزامهم بعادات وتقاليد أمتهم الإسلامية، والانجذاب إلى قيم العولمة التي تشجع على الفردية والابتعاد عن القيم الجماعية والمبادئ الأخلاقية، ويتجلى هذا الصراع بوضوح في مواقفهم تجاه قضايا الهوية والثقافة، حيث يقف العديد منهم على مفترق طرق بين تبني قيم الغرب السطحية والتمسك بجذورهم الإيمانية.
ويواجه بعض أفراد هذا الجيل ضغوطًا من العائلة والمجتمع للمحافظة على تقاليدهم الإسلامية التي تمثل حصنًا ضد الانهيار الأخلاقي، ولكنهم يشعرون في الوقت ذاته بأن تلك القيم تُقيد حريتهم الشخصية وتتعارض مع الحداثة المادية التي تقدمها العولمة، وتشير الدراسات إلى أن هذا الصراع الداخلي قد يؤدي إلى فقدان الشعور بالانتماء والتشتت بين الهوية الإسلامية وقيم العولمة؛ لذا، هناك ضرورة لإعادة ترسيخ القيم الإسلامية وتفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية لمساعدة جيل «زد» على مقاومة هذه التحديات الثقافية التي تهدد استقرار هويتهم الإسلامية.
لقد أظهرت العولمة تأثيرًا عميقًا على هوية جيل «زد»، محدثة تذبذبًا بين التمسك بالأصول الإسلامية والتأثر بالثقافات العالمية، وهو تحدٍّ تتطلب مواجهته تعزيز الوعي بالهوية الإسلامية وإعادة ترسيخ القيم الدينية؛ مما يحصن الأجيال القادمة من الانجراف نحو التبعية الثقافية.
___________________________
أحمد، & عمر عبدالجبار محمد، (2023)، الجيل «Z»: شريحة اجتماعية جديدة بخصائص جديدة وتحديات نظرية ومنهجية جديدة، مجلة مستقبل العلوم الاجتماعية، 12(1)، 85-95.