الثورة الفلسطينية ليست حدثًا عابرًا أو مجرد حراك سياسي مؤقت، بل هي حكاية شعب تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ الفلسطيني، حيث تقف الإنسانية جمعاء شاهدة على تضحيات أجيال فلسطينية متعاقبة قدمت أغلى ما تملك دفاعًا عن الوطن والأرض والكرامة.
إن هذا الشعب، الذي ناضل ضد الاستعمار البريطاني سابقًا وضد المشروع الصهيوني الاستيطاني لاحقًا، يواصل اليوم مسيرته الثورية في إطار نضال مستمر لا يعرف التوقف أو الاستسلام، هذه الثورة لا تعني فقط النضال المسلح أو الاحتجاجات الجماهيرية، بل تمثل التجسيد العملي لتضحيات يومية يقوم بها الفلسطينيون في كل زاوية من زوايا فلسطين التاريخية.
تمتد التضحيات الفلسطينية عبر مختلف المدن والمخيمات في الداخل والشتات، ومن جنين في الشمال إلى الخليل في الجنوب، مرورًا بغزة والقدس، وكل شبر من هذه الأرض له حكاية خاصة تنسجها دماء الشهداء وآلام الأسرى، ورغم تعدد أدوات النضال، فإن الشعب الفلسطيني يواصل الكفاح على جبهات متعددة، بدءًا من المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والقدس، إلى المقاومة المسلحة في قطاع غزة، التي تشكل نموذجًا حيًا للمقاومة المنظمة والممنهجة ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، ورغم تعدد الأدوات، فإن الهدف يظل واحدًا وهو تحرير الأرض واستعادة الحقوق الوطنية.
لا يمكن إغفال دور الحركة الأسيرة الفلسطينية، التي تعتبر جبهة أخرى من جبهات النضال المستمرة، الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يخوضون معارك يومية لتحقيق الكرامة الإنسانية، حيث تشكل إضراباتهم عن الطعام وتحركاتهم الاحتجاجية صورة من صور النضال الذي لا يقل أهمية عن الكفاح في الميدان، الحركة الأسيرة قدمت على مدى سنوات رموزًا من الصمود والثبات، وأصبحت تمثل محورًا مهمًا في معركة الفلسطينيين ضد الاحتلال، حيث يعتبر الأسرى قادة حقيقيين يوجهون دفة النضال من خلف القضبان.
على المستوى السياسي، تظل القضية الفلسطينية في قلب التفاعلات الإقليمية والدولية، ورغم المحاولات «الإسرائيلية» لطمس الهوية الفلسطينية وإبعاد القضية عن الأجندة الدولية من خلال اتفاقيات التطبيع مع بعض الأنظمة العربية، فإن المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها قادرة على قلب الطاولة وإعادة القضية إلى صدارة المشهد الدولي.
إن الاستعمار الصهيوني، الذي يسعى جاهدًا لتفكيك الوحدة الوطنية الفلسطينية وبث الفتنة، لم ينجح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي يقف صفًا واحدًا في وجه المخططات التصفوية، ورغم الظروف السياسية المعقدة، فإن الفلسطينيين مستمرون في تأكيد حضورهم على الساحة الدولية من خلال مقاومة الاحتلال بكل السبل المتاحة.
الإستراتيجية الفلسطينية الثورية في مواجهة المشروع الصهيوني تتطلب صمودًا لا محدودًا وتفانيًا يتجاوز كل التحديات، ومنذ نكبة عام 1948م، حينما اقتلع مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، وحتى نكسة عام 1967م، التي شهدت احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، لم تهدأ المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال، الثورة الفلسطينية ليست وليدة حدث عابر، بل جاءت كتتويج لتراكم طويل من النضال والمقاومة، وقد أخذت الثورة أشكالًا متعددة، بدءًا من الانتفاضة الأولى في عام 1987م، التي كشفت عن قوة الإرادة الشعبية في مواجهة الاحتلال، وصولًا إلى الانتفاضة الثانية عام 2000م، التي أثبتت أن الدم الفلسطيني قادر على إفشال كل المخططات «الإسرائيلية» الرامية إلى إخضاع الشعب وكسر إرادته.
إلى جانب ذلك، تؤدي الفصائل الفلسطينية المسلحة دورًا محوريًا في مقاومة الاحتلال، فالمقاومة المسلحة هي السيف الذي يحمي الأرض والشعب في مواجهة الاستيطان والعدوان «الإسرائيلي» المتكرر، خصوصًا في قطاع غزة، الذي أصبح رمزًا للصمود والتحدي، ورغم الحصار الخانق المفروض عليه منذ أكثر من 15 عامًا، فإن غزة لم تتوقف يومًا عن تقديم أرواح أبنائها فداءً للحرية والكرامة، غزة تعتبر مثالًا حيًا على أن المقاومة هي الخيار الإستراتيجي للفلسطينيين في ظل استمرار الاحتلال وممارساته القمعية.
الثورة الفلسطينية تميزت بطابعها الشبابي المستمر، حيث يشكل الشباب الفلسطيني العمود الفقري لأي حركة نضالية، هؤلاء الشباب، الذين لم يعيشوا سوى في ظل الاحتلال والحصار والقمع، يرسمون اليوم مستقبل فلسطين من خلال تضحياتهم اليومية، من جنين إلى نابلس، ومن غزة إلى القدس، ترى جيلًا فلسطينيًا جديدًا يشق طريقه نحو الحرية، رافضًا كل أشكال التخاذل أو الاستسلام، هذا الجيل، الذي نشأ على رؤية الطائرات «الإسرائيلية» وهي تقصف المنازل، والمستوطنين يقتحمون «الأقصى»، والشهداء يُحملون على الأكتاف، يدرك أن لا حرية دون ثمن، ولا كرامة دون نضال، ولذلك، لا تجد شارعًا أو زقاقًا في فلسطين إلا وتسمع فيه قصصًا عن شباب ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم، أو أسرى يقبعون في السجون «الإسرائيلية»، إن إصرار الشباب الفلسطيني على مواصلة النضال يمثل ضمانة لاستمرار الثورة الفلسطينية وتطورها.
وفي الحديث عن الثورة الفلسطينية، لا يمكن تجاهل القدس، التي تمثل قلب فلسطين وروح الهوية الوطنية الفلسطينية، هذه المدينة المقدسة، التي تتعرض لأبشع أشكال التهويد والتهجير القسري، تبقى رمزًا للمقاومة والثبات في وجه المشروع الصهيوني، ففي القدس، تتجسد معركة الهوية بشكل يومي، حيث يحاول الاحتلال تهويد المدينة وتغيير معالمها الديموغرافية والتاريخية، لكن أهلها يقفون سدًا منيعًا أمام هذه المخططات، المقدسيون، الذين يتعرضون لسياسات الهدم والاعتقال والإبعاد، يشكلون خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى وعن هوية المدينة، ورغم قسوة الظروف، فإن صمودهم يمثل رسالة واضحة للعالم بأسره: القدس ستبقى عربية إسلامية، ولن تفلح محاولات الاحتلال في تغيير طابعها أو تهجير أهلها.
الثورة الفلسطينية ليست فقط ثورة الرجال، بل هي أيضًا ثورة النساء اللواتي مارسن دورًا محوريًا في النضال، المرأة الفلسطينية كانت وما زالت ركنًا أساسيًا في مسيرة الثورة، حيث شاركت في الكفاح المسلح، وقادت المظاهرات، وتولت أدوارًا قيادية في العمل الوطني، ورغم كل التحديات التي واجهتها المرأة الفلسطينية، سواء من الاحتلال أو من الواقع الاجتماعي والاقتصادي، فإنها تواصل اليوم دورها الريادي في بناء المجتمع الفلسطيني والمشاركة في كافة مجالات الحياة، إن التضحية التي تقدمها المرأة الفلسطينية، سواء من خلال تقديم أبنائها شهداء أو من خلال صمودها في وجه الاحتلال، تؤكد أن المرأة هي شريك حقيقي في مسيرة التحرير.
الثورة الفلسطينية ليست مجرد بنادق وأسلحة، بل هي أيضًا معركة وعي وثقافة، المثقف الفلسطيني يمارس دورًا محوريًا في تشكيل الرؤية السياسية والثقافية للنضال الفلسطيني، فمن خلال الكتابة والشعر والفن والمسرح، يعبر المثقف الفلسطيني عن آلام الشعب وتطلعاته، ويشارك في بناء الوعي الوطني الذي يرفض الاحتلال والاستسلام، الثقافة الوطنية الفلسطينية تشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثورية للشعب الفلسطيني، ورغم كل محاولات الاحتلال لطمس هذه الثقافة، فإن الفلسطينيين يواصلون الحفاظ عليها ونشرها في العالم، اليوم، يشهد العالم اهتمامًا متزايدًا بالقضية الفلسطينية من خلال الإنتاجات الثقافية والفنية التي تروي حكاية الصمود والتحدي.
إن الثورة الفلسطينية ليست مجرد ذكرى تاريخية أو مرحلة عابرة، بل هي روح متجددة في كل جيل، ورغم كل التحديات التي واجهتها، تظل الثورة الفلسطينية حية في قلوب أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يواصلون تقديم التضحيات من أجل الحرية والاستقلال.