شهدت الكويت، يوم الأحد الماضي، أعمال مؤتمر مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي نظمه بنك الكويت المركزي.
وقد تحدث في هذا المؤتمر مدير مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية في إدارة الخزانة الأمريكية ريتشارد نيوكومب، وألقى بالتساؤلات عن العمل الخيري وجمعيات النفع العام، داعياً الحكومات إلى تشديد المراقبة عليها.
وقال أمام المؤتمر: هناك جمعيات خيرية في الخليج تم اختراقها من قبل إرهابيين، وهذه الجمعيات لديها ميزانيات مالية تعمل كغطاء للعمليات الإرهابية.
وأضاف: إن إغلاق الجمعيات الخيرية الفاسدة وإعادة ترتيبها ثم تنظيمها عنصر حاسم في الحرب ضد الإمبراطورية المالية
للإرهاب.
هذه التساؤلات والتخوفات التي طرحها المسؤول الأمريكي تكون مشروعة إذا كان هناك دليل يدعمها، ونحن نقف معه في هذه الحالة إذا كان هناك دليل يدين أي جمعية من الجمعيات، ولكن ما نعرفه أن تلك الجمعيات وضعت حساباتها ومشروعاتها بشفافية مطلقة وعرضت حساباتها على مكاتب تدقيق عالمية.
كما أن البنوك المركزية على علم ودراية بتحركات أموالها، وإذا كان لدى أي من الجهات الرسمية دليل على وجود تجاوز فينبغي أن تقدمه فوراً حماية للعمل الخيري.
وعلى تلك الجهات ألا تصغي إلى الاتهامات المغرضة التي لا دليل عليها، ولا حجة تدعمها.
إن حسابات وسجلات وبيانات وأنشطة العمل الخيري الكويتي واضحة، ولقد شهد لها من راجعوها واطلعوا عليها بالنظافة والدقة.
كما أننا أكدنا في هذا المكان من قبل أن الكويت بلد نظيف من الإرهاب، وحكومته تحارب الإرهاب، والشعب يمقته، وما يثير الدهشة والتساؤل أن التخوفات والاتهامات والشكوك توجه فقط للعمل الخيري الإسلامي دون غيره بينما تلقى المؤسسات الكنسية واليهودية والصهيونية الدعم والتشجيع فهل المقصود إزاحة العمل الخيري الإسلامي من الساحة، خاصة بعد أن حقق نجاحات كبرى وتمكن من احتضان ذوي الحاجات من المسلمين وتحصينهم ضد الغزو الفكري والثقافي، وحماهم -بفضل الله- من التسيب والتشرد والإرهاب.
وحتى يكون كلامنا مقروناً بالدليل، فإن آخر الإحصاءات بالولايات المتحدة الأمريكية تكشف أن عدد المنظمات غير الربحية التطوعية أو الخيرية بلغ مليون ونصف المليون جمعية ومنظمة ولها حق الحصول على نسبة كبيرة من الضرائب المستحقة على الأفراد والشركات والمنشآت وكثير منها له الحق القانوني في العمل خارج الولايات المتحدة في ساحات النزاع والصراع وتؤكد الإحصاءات أن 47% من هذه المنظمات يقوم على أساس ديني.
بل إن البيت الأبيض يقدم مكافئات سنوية للمتميز من هذه الجمعيات، ومن أبرزها مؤسسة (ملية التبارك الدولية) التي يرأسها المتطرف بات روبرتسون المشهور بسبابه الهابط للرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر كتاب «عطاء أمريكا» الذي يصدر دورياً أن ثلاثة متبرعين فقط قدموا لهذه الجمعيات المسيحية أحد عشر مليار دولار تبرعات في عام 2000 وحده، وتسعة مليارات دولار في عام 2001م.
أما في الكيان الصهيوني، فإن مركز دراسات القطاع الثالث في «إسرائيل» يذكر أن القطاع الثالث والمقصود به العمل الخيري، أنجز مشروعات عام 1995م وحده بلغت قيمتها 11 مليار دولار، وظل هذا القطاع محافظاً على ذلك الإنجاز حتى نهاية عام 2002م.
ويقدر بعض المصادر أن الكيان الصهيوني يحصل سنوياً على مساعدات وهبات مالية تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار.
هذه أمثلة سريعة عن العمل الخيري في الولايات المتحدة وداخل الكيان الصهيوني الذي يمارس نشاطه في العالم ويسرح ويمرح في كل البقاع، دون أن ينطق أحد عنه بكلمة واحدة، بينما الحرب مصوبة بكل ثقلها نحو العمل الخيري الإسلامي.
إن حديث الإفك الدائر -ودون توقف- عن علاقة العمل الخيري بالإرهاب مصدره دوائر تفتقر إلى الدليل، ويأتي في إطار الحملة الدولية على الإسلام والمسلمين والتي ترمي إلى تجريد الأمة من مقوماتها الخيرية والثقافية والحضارية والاقتصادية، فهي حملة على العقيدة، وحملة على التعليم، وحملة على الثروات، وحملة على كل نواحي حياتنا، إنها الاستعمار بعينه يطل من جديد على الأمة.
هذه الحرب المتواصلة على العمل الخيري إن كتب لها النجاح -لا قدر الله- فلا شك أنها ستفتح أبواباً واسعة للإرهاب، لأن غياب العمل الخيري الإسلامي معناه تغييب المئات المشاريع التعليمية والإغاثية والطبية والإنتاجية التي تنتشل البؤساء من بين أنياب الفقر والجهل والمرض وهو الثالوث الذي يمثل أخطر قنبلة إرهابية يمكن أن تصيب المجتمعات.
إننا ما زلنا نلح في مناشدة الحكومات العربية والإسلامية عدم الرضوخ للضغوط الغربية لتحجيم العمل الخيري، وندعوها للوقوف وقفة صادقة مع الله لحماية ذلك العمل الإنساني الجليل، فسقوط العمل الخيري يمثل سقوطاً للسيادة على أراضينا، ثم إن الرضوخ اليوم للضغوط بشأن العمل الخيري يمثل مقدمة لسلسلة من الضغوط الأخرى التي تستهدف نقض عرى الإسلام عروة عروة، وذلك مكمن الخطر.
فالمستهدف في النهاية هو الإسلام، ومن هنا يجب على الجميع أن يدركوا هول الخطر، وأن يقفوا وقفة واحدة دفاعاً عن دينهم وعقيدتهم وعن العمل الخيري الذي هو صمام أمن للمجتمعات الإسلامية وحصن منيع ضد الإرهاب(1).
_____________________________
(1) نُشر في العدد (1586)، 2 ذي الحجة 1424هـ/ 24 يناير 2004م.