مجزرة مدرسة الزهراء ومدارس الوسطى في غزة تأتي كجزء من سلسلة المجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وهي لا تخرج عن سياق العنف الممنهج الذي يستهدف قتل الأبرياء العزل وتفكيك نسيج المجتمع الفلسطيني. هذا الهجوم، الذي طال الأطفال والمعلمين والمدنيين داخل ما يُسمى بـ “المنطقة الآمنة”، يحمل دلالات عميقة على البعد السياسي والديموغرافي الذي يتحكم في عمليات القتل التي يقوم بها الكيان الصهيوني منذ نشأته. فالاستهداف المباشر للمدارس يُعد تجسيداً للعنف الأيدولوجي الصهيوني الذي يتعامل مع الوجود الفلسطيني كعقبة يجب إزالتها من على الأرض، سواء عبر القتل أو التهجير أو الحصار.
لا يمكن النظر إلى هذه الجريمة بمعزل عن تاريخ طويل من الاستعمار الصهيوني لفلسطين، الذي كان منذ البداية يهدف إلى إبادة الفلسطينيين وتفريغ الأرض منهم. منذ النكبة وحتى اليوم، اتخذ الاحتلال الصهيوني نهجاً قائماً على المجازر الجماعية والقتل الممنهج، متذرعاً بحجج واهية مثل “الأمن” و”الدفاع عن النفس”. إن استهداف المدارس في مناطق الوسطى يعكس استمرارية هذه السياسة الوحشية التي تسعى إلى ضرب كل مقومات الحياة الفلسطينية، بما فيها التعليم الذي يُعد ركيزة أساسية لبناء الأجيال القادمة.
لقد بات واضحاً أن الكيان الصهيوني يعتمد في استراتيجيته على تغيير الواقع الديموغرافي في فلسطين، خصوصاً في غزة التي تمثل رمزاً للمقاومة. من خلال قصف المدارس، يسعى الاحتلال إلى كسر إرادة الصمود والتحدي لدى الشعب الفلسطيني، مستهدفاً الأطفال والشباب الذين يمثلون أمل المستقبل. إن قتل الأطفال في مدارسهم هو محاولة لإيقاف دورة الحياة الطبيعية في فلسطين، وهو يندرج ضمن محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية والقضاء على كل ما يرمز إلى الاستمرارية والتمسك بالأرض.
إن هذه الجريمة البشعة تُظهر مرة أخرى أن الاحتلال الصهيوني لا يميز بين مدني ومقاتل، بين طفل وراشد، بين مدرسة وموقع عسكري. إنه يتعامل مع كل فلسطيني على أنه هدف مشروع للقتل، متجاوزاً بذلك كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية. إن قصف مدرسة الزهراء ومدارس الوسطى ليس سوى جزء من خطة أكبر تهدف إلى إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية في صفوف الفلسطينيين، بهدف فرض سياسة الأمر الواقع وتثبيت الاحتلال كحقيقة دائمة على الأرض.
مدرسة الزهراء كانت مكاناً لإيواء النازحين الذين فروا من جحيم الحرب المستمرة على قطاع غزة. هذه المأساة التي طالت من لجأوا إليها بحثاً عن الأمان، تبرز حقيقة أن لا مكان آمناً تحت سماء غزة. فالنازحون الذين لجأوا إلى المدرسة كانوا ضحايا لآلة القتل الصهيونية التي لا تتوقف عن استهداف كل ما يتحرك في قطاع غزة. إن قتل النازحين في أماكن الإيواء يعد جريمة حرب تستدعي محاسبة دولية صارمة.
لقد حاول الاحتلال مراراً وتكراراً القضاء على روح المقاومة في غزة عبر الحصار والقتل والدمار، لكنه فشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني. على العكس من ذلك، فإن كل جريمة يرتكبها الاحتلال تزيد من إصرار الفلسطينيين على التمسك بحقهم في العودة والتحرر. فغزة التي تحاصر من كل جانب، لا تزال ترسل رسائل للعالم بأن هذا الشعب لا يموت، وأنه قادر على الصمود والتحدي مهما كانت التضحيات.
إن قتل الأطفال في مدارسهم هو أحد أبشع أشكال العنف الذي يمكن أن يمارسه الاحتلال. فهؤلاء الأطفال الذين حملوا حقائبهم متجهين إلى مدارسهم، كانوا يعتقدون أنهم في مأمن من آلة الحرب الصهيونية، لكنهم كانوا على موعد مع الموت. هذا المشهد يعكس حجم الإجرام الذي تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، حيث لا يُعفى حتى الأطفال من القتل. إن استهداف المدارس يظهر أن الاحتلال يسعى لتدمير المستقبل الفلسطيني عبر قتل جيل كامل من الأبرياء، وهو ما يتطلب وقفة دولية جادة لمحاسبة هذا الكيان على جرائمه.
لكن، وعلى الرغم من كل هذه الجرائم، فإن الشعب الفلسطيني يواصل النضال. إن هذه المجازر، التي تهدف إلى زرع الخوف والرعب، تزيد من وحدة الصف الفلسطيني وتقوي عزيمة المقاومين. فدماء الأطفال والشهداء التي تسيل على أرض غزة لن تذهب سدى، بل ستظل شاهدة على جرائم الاحتلال وستشكل وقوداً لاستمرار المقاومة. فالاحتلال الذي يعتمد على القتل والإبادة كأساس لبقائه لن يفلح في القضاء على الشعب الفلسطيني، لأن هذا الشعب يحمل في قلبه إيماناً عميقاً بحقه في الأرض والحرية.
على العالم أن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث في فلسطين. إن التواطؤ الدولي المستمر، سواء من خلال الصمت أو من خلال تقديم دعم غير مشروط للاحتلال، يسهم في استمرار هذه الجرائم. لا يمكن للعالم أن يبقى صامتاً بينما يُقتل الأطفال في مدارسهم وتُقصف المنازل على رؤوس ساكنيها. إن الصمت الدولي هو بمثابة شراكة في هذه الجرائم، ويجب على كل من يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن يتحرك لوقف هذه المذابح ومحاسبة الاحتلال.
في النهاية، تبقى مجزرة مدرسة الزهراء ومدارس الوسطى شاهداً على وحشية الاحتلال، لكنها أيضاً تذكرنا بصمود الشعب الفلسطيني. فالمقاومة التي يقدمها هذا الشعب، على الرغم من كل المآسي التي يمر بها، هي دليل على أن الحق لا يموت وأن الحرية ستنتصر في النهاية. إن هذه الدماء التي سُفكت لن تضيع، بل ستظل تنبض في قلوب الأجيال القادمة التي ستواصل النضال حتى تحرير فلسطين.
(*) صحفي فلسطيني ـ نابلس.