تشغل المسألة النسائية موقعاً متقدماً ضمن الفتاوى الإسلامية المعاصرة، حيث تشير دار الإفتاء المصرية إلى أن «فتاوى المرأة» تمثل 25% من إجمالي موضوعات الفتاوى على مستوى العالم الإسلامي، وترتفع النسبة في البلدان العربية لتصل إلى 45%، ومعظمها يتعلق بالعلاقات الأسرية والمواريث وعمل المرأة وحقوقها وما إلى ذلك.
وفي السطور التالية، نتناول بعض الفتاوى الصادرة عن تيارات إسلامية مختلفة (سلفية، وسطية، تجديدية) لأجل رصد مدى الاتفاق أو الاختلاف في التعاطي مع الشأن الاجتماعي، ولنشرع بقضية المساواة بين الجنسين.
تجمع التيارات الإسلامية على رفض دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وتعد مصطلح المساواة بين الرجل والمرأة مصطلحاً مشبوهاً، يستعمله أعداء الإسلام ليضادوا به أحكام الله سبحانه، ويناقضوا به شرعه، كما يقول الداعية السعودي محمد صالح المنجد.
وهو يشدد على الاختلافات الجنسية ويدعي أنها «موجودة في تشريع رب العالمين، ولسنا نخجل من وجودها، بل نفخر بتشريعها وأن الله تعالى جعل للمرأة رسالة في حياتها تختلف عن الرجل؛ فالاختلافات في الخلقة والتكوين والصوت والهيئة لا يُنكر، وإذا ثبتت تلك الفروق في تلك الأشياء، فمن الطبيعي أن يترتب عليها بعض الاختلافات في الأحكام»، وهكذا ينتج عن الاختلافات البيولوجية التمايز في الوظائف والأدوار الإنسانية، فوظيفة المرأة الإنجاب وصيانة الحياة الأسرية، ووظيفة الرجل تأمين المعاش.
ويعضد الوسطيون فكرة الربط بين الاختلاف البيولوجي واختلاف أدوار الجنسين، ففي سؤال ورد لموقع «إسلام ويب» حول المساواة أجابت لجنة الفتوى بما نصه: «ومساواة الجنسين مساواة مطلقة هي الظلم لهما عند العقلاء وأصحاب الفطر السليمة.. والعقل والفطرة يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف».
لكن الفتوى تضيف بُعداً جديداً لمسألة الاختلاف البيولوجي، إذ تجعل منه سبباً لقوامة الرجل على المرأة، وتعللها بأنها ما شرعت إلا لتعين المرأة على التفرغ لأداء وظيفتها الكبرى؛ إذ لا يعقل أن يطلب منها رعاية مصالح البيت والأولاد والكد والعمل لإعالة أسرتها في آن.
وإذا كانت الآراء تتفق بشأن قضية المساواة بين الجنسين، فإن ثمة قضايا أخرى تتفاوت فيها الآراء، ومنها قضية عمل المرأة المأجور خارج منزلها، والفرضية التي ينطلق منها الخطاب الديني عموماً هي أن الأصل بقاء المرأة في بيتها، وهذا الرأي تتبناه هيئة الفتوى ولجانها بدولة الكويت التي ذهبت في فتوى لها حول حكم خروج المرأة من منزلها إلى أن «الأصل في حال المرأة القرار في البيت؛ لتربية الأولاد، والعناية بشؤون الزوج والأسرة؛ لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب: 33)، فإذا خرجت لمصلحة معتبرة جاز بإذن الزوج أو وليها»، مع مراعاتها للضوابط الشرعية.
وعلى الرغم من هذه الفرضية، يتبنى التيار الوسطي مرونة في مسألة عمل المرأة، يستشف هذا من فتوى قدمتها عاملة بالتمريض إلى موقع «إسلام ويب» وتسأل عن حكم عودتها متأخرة ليلاً، وترك العمل الذي يدر عليها دخلاً مناسباً، وجاء الجواب كالتالي: عودة المرأة من العمل في الليل لا يمنعها شرعًا من العمل إن كانت تأمن على نفسها في هذا الوقت، ومن الخطأ القول بأن المرأة ليس لها أن تكسب أموالاً كثيرة، أو ليس لها أن تتقدم علميًا، أو أن ذلك قد يسبب تأخير زواجها، بل قد يكون تعلم المرأة، وعملها من دواعي الزواج منها، ويرغب بعض الناس في مثلها، وخاصة في هذا الزمان الذي صعبت فيه أمور الحياة، ومعلوم أن المال مما يرغب الرجال في النساء، كما في الحديث النبوي: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ».
وفي ذات الاتجاه يذهب الشيخ يوسف القرضاوي في جوابه عن سؤال حول الحدود الشرعية لعمل المرأة إلى أن بقاء المرأة في بيتها ورعايتها لأسرتها هو الأصل، لكنه يستدرك مباشرة بالقول: «وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا، فليس لأحد أن يُحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم، وعلى هذا الأساس يقرر أن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة».
وعلى الجهة المقابلة، يتبنى التيار السلفي خطاباً متشدداً؛ إذ رغم إقرار دعاته أن عمل النساء المأجور جائز شرعاً، فإن هذا الجواز ليس له صدى في الفتاوى، ولنضرب مثالاً بفتوى عرضت على موقع «الإسلام سؤال وجواب»، وفيها تقول السائلة: إنها أستاذ للآداب والحضارة الأنجلوسكسونية بإحدى الجامعات، وتبتغي من وراء عملها كشف التحيزات في رؤية الحضارة الغربية للإسلام، وربط الطلاب بحضارتهم وبيان محاسنها، وتسأل عن جواز اشتغالها بالجامعة مع هذه النية.
وأجابها الشيخ صالح المنجد أن الأصل بقاء المرأة في بيتها، فإن كانت هناك حاجة مباحة أو منفعة لها أو للمجتمع المسلم فلا بأس من الخروج إذا التزمت بالضوابط الشرعية من حجاب وغض للبصر وعدم اختلاط بالرجال، لكنه لم يلبث أن ربط بين الخروج للعمل والفتنة، مستحضراً الأحاديث النبوية في ذلك -دون توضيح مدى مناسبتها للسياق- لينتهي إلى أن كل ما يؤدي إلى الفتنة يجب اجتنابه، وخلص منها إلى أن عمل السائلة لا يخرج عن حالتين:
الأولى: كون جميع طلابها نساء، وفي هذه الحالة يجوز قيامها بالتدريس لأن الأصل في الأشياء الإباحة.
والثانية: كون الطلاب خليطاً من النساء والرجال، وفي هذه الحالة يشوب العمل أمور محرمة كالاختلاط؛ وعليه، فإن المصلحة من العمل «قد تحصل وقد لا تحصل، ولا يجوز للمسلم أن يرتكب أمراً محرماً من أجل مصلحة مظنونة»، لينتهي إلى عدم جواز اشتغال المرأة في الجامعة المختلطة.
يفهم مما سبق أن ثمة مشتركات بين الخطابات الإسلامية بشأن المسألة النسائية من قبيل رفض فكرة المساواة وأولوية الأسرة بالنسبة للمرأة وغيرها، كما أن هناك تقاطعات لا ينبغي الغض عنها من مثل عمل المرأة وشروطه.