الكلمة أمانة ضخمة، فهي إما أن ترفع قائلها إلى معية الشهداء، أو تهوي به في النار، وهي فضيلة عظيمة لا يتحلى بها إلا كرام الخلق، ولا يحوزها المهازيل من الناس ممن يستغلون الكلمة لضغينة في نفس مريضة أو هوى متبع أو حقد وحسد من عند أنفسهم أو عمالة لطرف خارجي.
وكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت بسبب استهانة البعض بأمانة الكلمة، ولكن هذا لا يهم عندهم، فقد مات الضمير وفقدوا الشعور والمهم تحقيق المصلحة الذاتية.
وهكذا يستغل بعض النفر الحملة الأمريكية على ما تسميه بالإرهاب ومحاولات تجفيف منابعه المالية، لخلط الأوراق وتلبيس الحق بالباطل والتحريض على العمل الإسلامي الأصيل والعمل الخيري النافع المفيد ولا تقتصر هذه الحملة على الكويت وحدها، بل تنتشر للأسف في أكثر من دولة.
وبعد أن أصبح أولئك النفر والتيارات التي يعبرون عنها عاجزين عن مجاراة العمل الإسلامي ورجاله فيما يحققون من نجاحات وإنجازات وعطاءات، وبعد أن تكشفت حقيقة ما يدعون له من مبادئ هدامة وأفكار بغيضة أفلست وفشلت في أن تجد لها قاعدة أو قبولاً بين الناس.
بعد أن أصبحوا على تلك الحال المزرية صرفوا همهم، وجل عملهم للنيل من الآخرين، وتلك حيلة العجزة المفلسين الموتورين.
وهكذا نجدهم تارة يزرعون الفتنة بتطاولهم على مقدسات الإسلام، وتارة يحاولون هدم تاريخ الإسلام الناصع المنير، وتارة يجترئون على علماء أهل السُنَّة والجماعة أو يحاولون تغييب عقل الأمة في تهويمات أفكارهم الشاذة وخيالاتهم المريضة.
وهم بذلك يجرون الأمة إلى معارك جانبية ويشغلونها عن قضاياها الرئيسة، وفي أثناء ذلك وقبله وبعده يمارسون الإرهاب الفكري فينتقصون من عداهم ويتهمونهم بالجهل والتخلف، ويزعمون لأنفسهم -وحسب- معرفة الحقيقة والتبصر بالواقع وإدراك المصلحة العليا للبلاد والعباد.
إن العمل الدعوي والخيري جزء من رسالة الإسلام العالمية، فالخيرية جزء من عقيدة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وهي ليست خيرية خاصة بفئة معينة من الناس وإنما يسعى المسلمون لأن تصل للبشر كافة، لذا نجد المؤسسات الدعوية ومؤسسات العمل الخيري تنتشر في كل مكان من الأرض لتوصيل رسالة الإسلام بيد ولتقديم العون والمساعدة للمحتاجين بيد أخرى، فما يضير أولئك الموتورين من مثل ذلك العمل؟ هل يريدون أن تفرغ الساحة لأولئك الذين يصرفون الناس عن العقيدة السمحة ويجرونهم إلى غيابات الشرك والخرافة والدجل.
وهي خيرية تدعو للسلام والأمن للبشرية جمعاء، لأن أجواء السلام والأمن هي التي تفتح الأبواب للدعوة، والعقول للاستماع والقلوب للتقبل.
ومن هنا، فإن العمل الإسلامي أكثر من يتضرر من أجواء العنف والعداوة وأول من يسعى لمكافحة الإرهاب والتطرف واجتثاث أسبابهما ودواعيهما، بما يقدمه من عون وتعليم ورعاية صحية وثقافية، وتلك من أهم رسائل مكافحة الإرهاب والتطرف، ولا يصح بعد ذلك أن يسعى بعض الموتورين لاختلاق الروابط الواهية بين الإسلام والعمل الإسلامي، وبين بعض الحوادث الجارية والغريب أنه في الوقت الذي نجد فيه كتاباً أمريكيين ووسائل إعلام واستطلاعات للرأي تعود باللائمة على أمريكا لدعمها للكيان الصهيوني ضد حقوق الفلسطينيين، ولدعمها نظم حكم ديكتاتورية مستبدة، في العالم العربي والإسلامي قتلت وسجنت وعذبت وانتهكت الحرمات، فأفرزت عناصر تثور على الحكومات ومن ساندها -في الوقت الذي تظهر فيه مثل تلك الاقتراحات- وإن جاءت متأخرة – نجد أن بعض الشراذم من بني جلدتنا يحاول إلصاق التهم بالإسلام والعمل الإسلامي والدعاة للإسلام والإسلام من ذلك براء كله.
فإلى أولئك الذين أدمنوا الغمز واللمز والاتهام والتجريح نقول: نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم إلى طريق الخير وخدمة الإسلام والعمل الإسلامي لما فيه مرضاة الله جل جلاله وسعادة المجتمعات(1).
___________________
(1) منشور في العدد (1472)، 4 شعبان 1422هـ/ 20 أكتوبر 2001م.