أحمد أبو فريد
أزمة المسلمين الروهنجيا تُعد واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث يتعرض هذا الشعب لأبشع أنواع الاضطهاد الممنهج والعنف المنظم على يد السلطات في ميانمار، تعاني هذه الأقلية المسلمة من التمييز والتطهير العرقي المستمر، إذ تشن الدولة ومليشيات مدعومة من بعض البوذيين المحليين حملات عنف قاسية تستهدف إبادة الروهنجيا أو تهجيرهم قسرًا من مناطقهم التاريخية في ولاية أراكان، ومع فرار مئات الآلاف منهم إلى الدول المجاورة، يعيش من تبقى تحت وطأة ظروف غير إنسانية، أشبه بالسجون أو المعازل الجماعية، محرومين من أبسط حقوقهم الأساسية.
ورغم هذه المحنة المستمرة، لم تحظ القضية بالاهتمام الكافي إقليميًا أو دوليًا، ما يزيد الوضع تعقيدًا هو غياب قيادة تمثيلية قوية تنظم مطالبهم وتدافع عنهم أمام المحافل الدولية، هذا الفراغ القيادي ترك الروهنجيا في وضع حرج، غير قادرين على صياغة رؤية موحدة لحقوقهم ومستقبلهم؛ ما أضعف قدرتهم على التفاوض مع الحكومات والمنظمات الدولية، وبدلًا من دعمهم، نأت معظم الدول الإقليمية بنفسها عن القضية، مكتفية بالحد الأدنى من المساعدات، دون التزام فعلي بجهود الحلول المستدامة.
أهمية القيادة الموحدة
إن وجود قيادة موحدة ذات رؤية واضحة أساس نجاح أي حركة تحررية أو مجتمع يعاني من الاضطهاد، في حالة الروهنجيا، يعاني المسلمون من غياب هذه القيادة؛ ما جعل قضيتهم تتراجع دوليًا وإعلاميًا، وفتح المجال أمام تجاهلهم والتقليل من أهمية معاناتهم، القيادة ليست مجرد مناصب وأشخاص؛ بل ضرورة إستراتيجية لإدارة جهود الضغط السياسي والدبلوماسي، والتفاوض على حقوق العودة الكريمة إلى أراضيهم، وضمان العدالة والتعويض عن الجرائم المرتكبة بحقهم من قبل الدولة الغاشمة.
غياب القيادة السياسية المنظمة أدى إلى تشتت الجهود الفردية، وأفقد المجتمع الروهنجي القدرة على تنظيم الحركات والأنشطة الشعبية التي يمكن أن تزيد من فاعلية حملاتهم الدولية، ومع أن بعض الأفراد والجماعات حاولوا سد هذا الفراغ، فإن غياب رؤية متماسكة حال دون تحقيق نتائج ملموسة، من الضروري وجود قيادة توحد جهود الروهنجيا وتضع إستراتيجيات محكمة تضمن استدامة دعم الدول الإسلامية والمنظمات الإقليمية والمجتمع الدولي لقضيتهم.
دور العلماء والدعاة في تعزيز الصمود الداخلي
مع غياب القيادة السياسية، يبرز دور العلماء والدعاة في دعم الروهنجيا نفسيًا وروحيًا، يعيش هؤلاء المسلمون في ظروف صعبة داخل المخيمات، حيث الحاجة ملحة لتعزيز الأمل والصبر في نفوسهم، يمكن للعلماء والدعاة ممارسة دور حيوي في تقديم الدعم الروحي وتنظيم برامج دينية تبث الطمأنينة في القلوب؛ ما يساعد في الحفاظ على وحدة المجتمع الروهنجي وتماسكه، كما يمكنهم التعاون مع منظمات إغاثية لتقديم الخدمات الضرورية، وتعزيز الصمود في مواجهة هذه الظروف القاسية.
أهمية التعليم لتمكين الأجيال القادمة
التعليم إحدى أهم الركائز التي يمكن من خلالها النهوض بمستقبل الروهنجيا، لكن الأطفال والشباب في المخيمات يعانون من غياب الفرص التعليمية المناسبة؛ ما يهددهم بمستقبل مظلم واستمرار دوامة الفقر والجهل.
على قادة المجتمع المحلي والمعلمين بذل جهود إضافية لإيجاد حلول مبتكرة، مثل بناء مدارس متنقلة أو اعتماد برامج تعليمية عن بُعد، لضمان حصول جميع الأطفال على حقهم في التعليم، التعليم هو الاستثمار الأهم في المستقبل، ومن خلاله يمكن للشباب الروهنجي المساهمة في إعادة بناء مجتمعهم واستعادة حقوقهم الضائعة.
تنظيم الجهود الشعبية وبناء التضامن الدولي
يعمل نشطاء الروهنجيا على بناء تضامن دولي لدعم قضيتهم، لكن غياب القيادة الموحدة يعوق هذه الجهود ويحد من فعاليتها، التنظيم الجيد للحملات الشعبية وزيادة التعاون مع نشطاء من دول الجوار يمكن أن يخلق جبهة تضامن إقليمية قوية، استثمار وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات في نشر الوعي وتقديم رواية دقيقة عن معاناة الروهنجيا قد يساعد في كسب تعاطف الرأي العام العالمي، مثل هذه الجهود، إذا وجهت بشكل صحيح، يمكن أن تمارس ضغطًا أكبر على الحكومات المتورطة في انتهاك حقوق الروهنجيا.
الفن والإعلام أدوات توجيه الرأي العام العالمي
يؤدي الإعلام والفن دورًا محوريًا في إيصال معاناة الروهنجيا إلى العالم، الأفلام الوثائقية والمقالات والقصص يمكن أن تنقل صوت الروهنجيا إلى المحافل الدولية وتكشف مدى الظلم الذي يتعرضون له، لكن هذه الجهود تحتاج إلى قيادة تنظمها وتوجهها نحو أهداف واضحة، يمكن الاستفادة من تجارب نضالية ناجحة في التاريخ الحديث، مثل حملة جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، لتحقيق أقصى تأثير ممكن، بناء تحالفات دولية تستفيد من الزخم الإعلامي يمكن أن يعزز الضغط السياسي لتحقيق العدالة للروهنجيا.
الشباب الروهنجيا أمل المستقبل
الشباب في أي مجتمع هم أمل المستقبل، ويشكلون قوة دافعة للتغيير، ينبغي توجيه طاقة الشباب الروهنجي نحو مشاريع تعليمية وتنموية تعزز من قدرتهم على إعادة بناء مجتمعهم، تدريبهم وتأهيلهم ليصبحوا قادة المستقبل استثمار ضروري لمواجهة التحديات الراهنة، وتحقيق الاستقلال والكرامة لمجتمعهم في المستقبل.
الضغط السياسي والدبلوماسي ضرورة لا غنى عنها
غياب القيادة السياسية الفاعلة حرم الروهنجيا من أداة ضغط مهمة في مواجهة المجتمع الدولي، يجب أن تكون هناك قيادة قادرة على وضع خطة تفاوضية تضمن حقوق العودة الكريمة للاجئين، وتطالب بتعويضات عادلة عن الخسائر التي تعرضوا لها وضمان الحقوق المسلوبة منهم منذ عقود، كما يجب على الدول الإسلامية أن تمارس دورًا أكبر في دعم القضية، سواء من خلال تقديم الإغاثة أو ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي الفعّال على المنظمات الدولية التي تربطهم بعلاقات مع النظام البورمي.
رغم الجهود المبذولة من العلماء والدعاة، والنشطاء الشباب، فإن غياب قيادة توجه هذه الطاقات يجعل الحل بعيد المنال، الحل يكمن في تكاتف هذه الفئات، وتوحيد جهودهم تحت مظلة قيادة واعية تُوجِد مسارات عملية لتحقيق العدالة، وضمان حصول الروهنجيا على حقوقهم المسلوبة، مع هذا التكامل في الأدوار، يمكن وضع أمل جديد في بناء مستقبل أفضل لهذا الشعب الذي طال انتظاره لتحقيق العدالة.