عبر مكالمة هاتفية قال في نبرة يَغْلب عليها الآلام والحسرات
عبر مكالمة هاتفية قال في نبرة يَغْلب عليها الآلام والحسرات: أنا رجل أبلغ من العمر خمساً وثلاثين سنة، متزوج منذ سبع سنوات، ورزقني الله ببنتين وولد، لم أكن في يوم من الأيام أتوقع الخيانة من زوجتي، فقد تزوجتها عن حبٍّ، ودامت الحياة بيننا في عزّ وسعادة ورغد من العيش طوال السنوات السبع، إلى أن فوجئت بالكارثة المذهلة!
وأضاف الرجل: أنا أعمل في وظيفة مرموقة، وطبيعة عملي تقتضي أن أسافر كثيراً لأداء مهام تكلفني إياها الشركة التي أعمل بها، وقد أغدق الله عليَّ من رزقه ونعمائه، فأنا والحمد لله أعيش وزوجتي وأولادي في مستوى معيشة مرتفع، وأمتلك في البلد الذي أقيم فيه إقامة دائمة «فيلا» للسكن، ومنذ ثلاث سنوات اشتريت لزوجتي سيارة جديدة، لتيسر لها الحركة، حيث إنها تدرس القرآن الكريم في مؤسسة محترمة تُعْنَى بذلك.
وأردف الرجل قائلاً: ذات يوم كنت في طريقي إلى بيتي، فاتصلت هاتفياً بزوجتي لأخبرها بأنني في طريقي إليها، وسألتها: أين أنت؟ فأخبرتني بأنها في السيارة وأمامها إشارة حمراء تنتظر الإشارة الخضراء لتنطلق بسيارتها، لكنني أحسست بأنها في بيتٍ وليست في السيارة، حيث لم أسمع أي أصوات تشير إلى أنها خارج البيت، فأخبرتها قائلاً: أشعر بأنك لست في السيارة، أنت في مكان مغلق! فأكدت أنها في السيارة، فقلت لها: إذن أسمعيني صوت أداة التنبيه من سيارتك ما دمت فيها! وهنالك شعرت بارتباك شديد أصابها، وتلعثمت في حديثها واضطربت وتلجلجت، فقلت لها: إذن قابليني على البيت!
واستمر الرجل في حديثه معي قائلاً: شعرت وقتئذ بغليان في عروقي، وسيطر الشك والتوتر عليّ، وخشيت أن أتهور ساعة أن أراها، وأيقنت أن الأمر خطير، وأنها خانتني، فسارعت بالاتصال على أحد جيراني – وهو صديق معروف بحكمته وهدوئه – فطلبت منه أن ينتظرني في مدخل البيت الذي أسكنه، وسارعت حتى وصلت البيت، والتقيت بزوجتي، وأخذت هاتفها، وطلبت منها أن تصارحني: أين كانت؟ وما زلت أتحاور معها حتى اعترفت لي بأنها على علاقة مع رجل آخر، وأنها كانت معه في سكنه!
لا أستطيع أن أصف لك حالي ساعتها، والصدمة التي أصابتني، شعرت بأن زلزالاً أصابني، وكدت أفقد عقلي من هول الفاجعة والصدمة المفاجئة!
لكن الزلزال تبعته زلازل أشد وأعنف، ذلك عندما قلبت في هاتفها فوجدت ما جعل الدنيا تظلم في وجهي وتَسْوَدّ، حيث رأيت رسائل من عشاقها تتضمن كلمات يخجل الزوج أن يتلفظ بها لزوجته في فراش الزوجية، نعم.. ألفاظ جاوزت كل معايير الحياء، ورأيت بنفسي أن العاشق ليس عاشقاً واحداً، وإنما وصلوا إلى عدة رجال، واعترفت هي بذلك، وصارحتني بأن اثنين منهما خانتني معهما في فراشي وبيتي!
أشعر بالموت البطيء، وأعيش زلزالاً يهز كل كياني، وأحس بحسرات ومرارة تجعل الحياة لا طعم لها، ليس حزناً ولا أسفاً على زوجتي، نعم كنت أحبها، ولا أنكر أنني صُدمت بخيانتها، ولكنها لا تستحق حبي، ولا حتى الحزن والأسف عليها، لكن ما يؤلمني كرامتي التي أهانتها، وخوفي على أولادي منها، لأن أولادي لا يزالون صغاراً، وقد تؤول حضانتهم إليها، كما أخشى التأثير النفسي على أولادي فيما بعد، حيث إن صورها ربما يراها أولادي بعد أن يكبروا على مواقع الإنترنت، وأخشى على نفسي صحياً، فامرأة كهذه اتصل بها عدة رجال اتصالاً جنسياً لا أضمن سلامتهم، ومن ثم فربما أصيبت هي، وربما انتقلت الإصابة إلي وإلى أولادي.
أما عن تصرفي أنا.. فأحمد الله تعالى على أن وفقني في دعوة صديقي وجاري الذي ساعدني وهدّأ من روعي، وأحمد الله تعالى على أن جعلني أضبط نفسي ولا أتهور، إلى أن طلبت أهلها ممن يسكنون معي في البلد الذي أعمل به، وأخبرتهم بما حدث، وطلبت منهم أن يأخذوها، وقد فعلوا.
ثم سألني الرجل: هل تصرفت تصرفاً سليماً؟ وماذا أقول لأولادي؟ هل أصارحهم بما حدث؟ أخشى ألا أصارحهم الآن ثم يأتي اليوم الذي يشاهدون فيه صور أمهم على مواقع الإنترنت فأكون بذلك قد كذبت عليهم.. وهل إذا آلت حضانتهم لي من الصواب أن أسمح لها برؤية أولادي؟ إني أخشى أن تفسدهم.. وما التصرف السليم إزاء هؤلاء الرجال الذين انتهكوا كرامتي وخانتني زوجتي معهم؟
ولصاحب الرسالة ولكل من ابُتلي مثله أقول: إنك تصرفت تصرفاً سليماً، ولقد وفقك الله تعالى في هذا التصرف الحكيم، وسأفصل ذلك لاحقاً بأدلة شرعية.
أما عن أولادك الذين لا يزالون أطفالاً لم يتجاوز أكبرهم الست سنوات، فأنصحك بألا تفتح معهم الموضوع، فإن سألوك عن أمهم فأخبرهم بأنكما على خلاف، وأنها لن تعود إلى البيت، لكنه سوف يتصرف ويدبر لهم رؤيتهم لها، واترك أسرار زوجتك للزمن، فإن علم أولادك بعد ذلك من غيرك فهذا لا يضرك، ويمكنك الرد عليهم بأنك لم تكذب عليهم، لأنك لم تغير حقائق، ولكنك سترت عليها من أجلهم وحفاظاً عليهم وعلى شعورهم وهم أطفال، وربما يعيشون حياتهم دون أن يعلموا بهذه الفاجعة، فيكون ذلك من لطف الله بهم، فلا داعي إذن أن تصيبهم باضطراب نفسي عندما تخبرهم بسوء أخلاق أمهم، وتحدثهم في أمور لا يدركونها الآن.
أما عن خوفك من اطلاعهم على صور أمهم على الإنتر نت، فقد يلطف الله بخلقه، وتحذف هذه الصور، وربما في السنوات القادمة تجد وسائل أحدث من مواقع الإنترنت، فيهجر الناس التواصل عبر المواقع إلى مواقع ووسائل اتصال أخرى، وإذا حدث ورأوا فساعتها يمكن أن تستخدم المعاريض كما بينت لنا السُّنة المطهرة؛ «لكم في المعاريض مندوحة عن الكذب»، أي بديل عن الكذب، كأن تقول لهم: «يخلق من الشبه أربعين»، أي ربما يكون ذلك تشابهاً في الشكل، فأنت عندما تقول ذلك لا يعد ذلك كذباً، لأنك لم تنف ولم تثبت.
أما عن سؤالك عن سماحك لأم أولادك برؤيتهم.. فهذا حقها شرعاً وقانوناً، ولكني أنصح بأن تكون هذه الرؤية وفق ضوابط، تضمن تأمين اللقاء ضد أي أضرار يتوقع أن تصيب أولادك، كأن يكون هذا اللقاء في وجود أختك أو والدتك أو إحدى قريباتك ممن عُرفن بدينهن والتزامهن وحكمتهن، فتكون بذلك حققت صلة الرحم بين أولادك وأمهم، وفي الوقت ذاته أمَّنت أولادك من أي ضرر أخلاقي أو مادي قد يصيبهم.
أما عن هؤلاء الذين خانتك زوجتك معهم فأقترح أن تتخذ إجراء قانونياً أو رادعاً على الأقل – عن طريق مَنْ عُرفوا بالإصلاح بين الناس وإحقاق الحق – من باب الإيجابية التي تردع هؤلاء حتى لا يسلكوا ذلك مع بنات الآخرين ونسائهم، وأرى أن يقتصر ذلك فقط على من تملك عليهم أدلة قاطعة ثابتة، حتى لا يرتع هؤلاء في مراتع الفساد، ويستحلوا لأنفسهم أعراض الناس، وأن تتجنب من لم تملك عليهم أدلة لكثرة أعداد هؤلاء المجرمين، وأن تسلم شكواك منهم إلى المنتقم الجبار، حتى لا تخوض معهم صراعات خاسرة ترهقك، وفي النهاية يتصنعون الشرف ويدعونه، ويفجرون في خصوماتهم، فتنشغل بهم، وتترك أولادك وعملك، فتخسر كل شيء، وكم من مظلوم شكا إلى ربه شكواه عندما عجز عن أخذ حقه من البشر، فعجل الله له براحة البال وشفاء الصدر (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14}) (الفجر)، (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42}) (إبراهيم).
على هامش الصدمة
مفهوم الخيانة الزوجية الشائع بين الناس هو في الحقيقة مفهوم ليس شاملاً، إذ تعارف كثير من الناس أن الخيانة الزوجية لا تحدث إلا بالوقوع في الزنا بين رجل وامرأة غير زوجته، أو امرأة ورجل غير زوجها!
لكن الخيانة الزوجية – في حقيقتها – تقع بصور أخرى غير الزنا، فهي تشمل كل علاقة غير شرعية تنشأ بين الزوج وامرأة أخرى غير زوجته، أو بين الزوجة ورجل آخر غير زوجها، فتلك علاقة محرمة، سواء وصلت إلى حد الزنا أم لم تصل، ويشمل ذلك: المواعدات، وأحاديث الغرام والجنس في الهاتف، أو من خلال وسائل الإنترنت، والمواعدات للقاءات بين الزوج وعشيقته، أو بين الزوجة وعشيقها لتضييع الوقت في أحاديث غرامية، ولذلك لم يحرم الله تعالى الزنا فحسب، بل حرم ما يقرب إليه؛ قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {32}) (الإسراء). هذا المفهوم الدقيق الشامل للخيانة الزوجية يعيننا على العلاج قبل أن يستفحل الداء، فالمريض الذي يكتشف مرضه في مرحلة باكرة تكون فرصة شفائه منه أفضل بكثير مما لو اكتشف مرضه متأخراً، ولذلك فإن الشرع الحنيف لم يحرم الزنا فحسب، بل حرم المقدمات والطرق التي تؤدي إليه، من باب سد الذرائع حيث حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والنظرة غير المشروعة، وكشف العورات.. وغير ذلك مما قد يؤدي في النهاية إلى جريمة الزنا.
بيد أن الناس تعارفوا على أن الخيانة الزوجية تعني الزنا، وذلك لأن الزنا هو الجريمة التي تستحق إقامة الحد الشرعي، وهو من أكبر المحرمات، وكبيرة من الكبائر، وإحدى السبع الموبقات، وهي خيانة للأمانة، والميثاق الغليظ الذي أبرمه الشرع بين الزوج وزوجته.
خيانة الزوجة أم خيانة الزوج؟
إن الزوجة عندما تخون زوجها تدنس فراشه بالزنا، وتخلط ماءه بماء رجل آخر نجسٍ خبيث، وتكون الزوجة بذلك سبباً في اختلاط الأنساب، لذا كان زناها أخطر إضراراً بالفرد والمجتمع، وليس هذا تقليلاً من جرم الرجل إذا زنا، فعقوبة كل منهما متساوية في الشرع، مائة جلدة لكل منهما إن كان غير متزوجين، قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2}) (النور).
أما عقوبة الزوج الزاني – وكذلك الزوجة الزانية – فهي الرجم بالحجارة حتى الموت.
فالعقوبة – بالنسبة للرجل والمرأة – هنا متساوية، ولكن الضرر الواقع من خطأ المرأة أكبر وأخطر، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «الزنا من المرأة أقبح منه بالرجل، لأنها تزيد على هتك حق الله: إفساد فراش بعلها، وتعليق نسب من غيره عليه، وفضيحة أهلها وأقاربها، والجناية على محض حق الزوج، وخيانته فيه، وإسقاط حرمته عند الناس، وتعييره بإمساك البغي، وغير ذلك من مفاسد زناها» (زاد المعاد: 5/377).
لقد استقر في الفطرة السليمة نفور الرجل الحر الأبي المسلم من أن يتزوج بامرأة زانية، أو أن يستمر معها كزوج لها إن اكتشف خيانتها له بعد الزواج، وهي في عش الزوجية، ولأجل ذلك حرم الشرع نكاح الزانية حتى تتوب من زناها، لأن الإسلام دين الفطرة، جاء في الإقناع وشرحه: «وَتَحْرُم الزانية إذا عُلِمَ زناها على الزاني وغيره، حتى تتوب، لأن في إمساك الزوج لزوجته الزانية دياثة يأنف منها كل مسلم حر ذو كرامة».
ولقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمَّن وجد عند امرأته رجلاً أجنبياً فوفَّاها حقها وطلَّقها، ثم رجع وصالحها، وسمع أنها وُجِدَت بِجَنْبِ أجنبي؟ فأجاب قائلاً: في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الجنة قال: وعزتي وجلالي لا يدخلك بخيل ولا كذاب ولا ديوث»، والديوث: هو الرجل الذي لا غيرة له، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن يغار، وإن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حُرِّمَ عليه»، وقد قال تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {3}) (النور).
ولهذا كان الصحيح من قول العلماء: أن الزانية لا يجوز تزوجها إلا بعد التوبة، وكذلك إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يُمْسكها على تلك الحال، بل يفارقها، وإلا كان ديوثاً»(مجموع الفتاوى: 32/141).
*أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية