خمسون عاماً.. وأية أعوام هي هذه؟ إنها – والحق يقال – رحلة صعبة.. رحلة جبلية، إذا استعرنا عنوان مذكرات الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان
خمسون عاماً.. وأية أعوام هي هذه؟ إنها – والحق يقال – رحلة صعبة.. رحلة جبلية، إذا استعرنا عنوان مذكرات الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان مع الفارق الكبير بين الرحلتين! رحلة مترعة بالمتاعب والتحديات والجهد الشاق الموصول الذي لا يعرف القائمون عليه تعباً ولا نصباً.. وإنما هم ماضون لتقديم عطائهم الخصب الواعد لأبناء هذه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.. رافعون شعارهم الأصيل الذي قامت جمعيتهم المباركة لتلبية ندائه «الإصلاح».
ويتذكر الإنسان وهو يتابع مفردات هذه الكلمة المتحققة على الأرض، على مدى خمسين عاماً، خطاب النبي شعيب عليه السلام لقومه الذين صدّوا عن دعوته وألحقوا بها وبه المتاعب والمنغصات؛ (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {88}) (هود)، الإصلاح على مداه وفي كل اتجاه.
الإصلاح بما أنه تأسيس لمشروع حضاري أريد لهذه الأمة أن تحمله وتنوء بهمّه، وتعد به الدنيا الشقية المعذبة المترعة بالشروخ والمظالم والعذابات، من أجل أن تنقلها من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور المذاهب والأديان إلى عدل الإسلام.
فوالله لن تتحقق سعادة الإنسان في هذه الدنيا السريعة، المنصرمة، الفانية، إلاّ بأن يحمل هماً كبيراً يسعى لأن يؤمم حياته كلها من أجل تنفيذه في الأرض حيث الحرية، والسعة، والعدل، والتمرّد على كل الطاغوتيات التي بمجرد غياب المشروع التحريري قبالتها، استطالت وانتفشت واستعبدت الإنسان وأوردته موارد التعاسة والضيق والشقاء: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126}) (طه).
ها هي ذي جمعية الإصلاح تمضي عبر الشوط الطويل، فتقطع رحلة الخمسين عاماً، والتي نرجو أن تمتد وتمتد حتى يتحقق لها ما تبشر به وتعد به وتنهض به مبتغية وجه الله وخلاص الإنسان.
وها هي ذي مجلتها المكافحة «المجتمع» توشك هي الأخرى أن تقطع المسافة نفسها، ماضية بخطابها المؤثر.. بموضوعاتها المنتقاة بعناية.. بمساسها لهموم الأمة في كل شبر من جغرافيتها الواسعة.. بتنويعها الجميل.. وبمعالجاتها السخية التي تعرف كيف تضرب على الوتر الحساس في وجدان الأمة، فتجعل من «المجتمع» سفيراً للكلمة الهادفة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث يتهافت القراء عليها، ويتلقونها بشوق عارم، شهراً بعد شهر وأسبوعاً بعد أسبوع.
فما الذي يستطيع المرء أن يقوله بعد هذا كله سوى أن يهنئ نفسه أولاً ويهنئ القائمين على الجمعية والمجلة ثانياً وثالثاً ورابعاً.. ويدعو لهم بأن يوفقهم الله لمواصلة الطريق.
لتقديم شيء من الضماد لجراحات هذه الأمة، وما أكثرها، وأمرّها، وأقساها!