مؤسسة عريقة في أبيدجان تقدّم تعليماً شرعياً أثمر عن ظهور كوادر دينية ومسؤولين في العديد من المناصب
نظرات ثابتة تتابع الدروس الدينية بانتباه بالغ، وابتسامة تعلو محيا مئات الطلبة الذين يرتادون المركز الإسلامي “ويليامزفيل” في قلب أبيدجان العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار، هذه المؤسسة التي أنشئت قبل 41 عاماً، واستطاعت، على مرّ السنين، أن تتحوّل إلى مرجعية دينية لمسلمي البلاد، وذلك بفضل التكوين الفقهي والفكري الذي تقدّمه لطلاّبها.
مبنى المركز ينتصب على جانب تلّة في بلدة “أدجامي” التابعة لمدينة أبيدجان الإيفوارية، وقد بني قبل أكثر من نصف قرن بفضل تاجر ثري يدعى الحاج محمد سانوغو، قدم قبل عقود من منطقة “كونغ” شمالي البلاد.
3 طوابق تستقبل نحو 650 طالباً من جميع الأعمار، موزّعين على 20 فصلاً، مقسّمة هي الأخرى بحسب سنّ الطلاب، بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة حتى المرحلة الثانوية.
منارة معرفية استقطبت، منذ نشأتها الأولى، اهتمام سكان أبيدجان قبل أن تصل شهرتها إلى باقي المدن والمناطق، لتكتسب شهرة وطنية واسعة، ولبلوغها يتعيّن على المرء أن يسلك ممرّاً وعراً، مباشرة عقب اجتيازه مسجد “ويليامزفيل”، محلاّت تجارية منتصبة على جانبي الممرّ بشكل عشوائي، تمنح انطباعاً بأنّ المرء مقبل على إحدى الأسواق الشعبية المتناثرة في تلك الأنحاء، غير أن أصوات الطلبة وهي تعلو مرتّلة بعض الآيات القرآنية، أو مردّدة إحدى الأدعية، سرعان ما تحسم الجدل المعتمل داخل المرء، لتضعه مباشرة على عتبة المركز الإسلامي.
أما الدروس فيؤمّنها حوالي 10 أساتذة، وتجري، من الإثنين إلى الجمعة، انطلاقاً من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء، وجميعها يبدأ بتلاوة سورة “الفاتحة”، وتختتم بسورة “العصر”، إيقاع متناغم لأصوات تنساب يومياً منسجمة تتلو السورتين في خشوع وانضباط.
وفيما يتعلّق بالزي المدرسي، فإن جميع الفتيات اللاتي يرتدن هذا المركز الإسلامي محجّبات، أما الذكور، فيرتدون أزياء موحّدة، ترفع عوامل التمييز الاجتماعي بينهم.
الحسن سانوغو، أحد أبناء مؤسس المركز، والذي تقلّد، منذ وفاة والده في عام 1982م، منصب نائب المدير، قال في تعقيب عن الجزئية الأخيرة: قرّرنا أن تكون ملابس الطلاب موحّدة وبألوان هادئة، حتى يشعروا بالارتياح، ونعفيهم حرج الشعور بالفوارق الاجتماعية فيما بينهم، مضيفاً أنّ المدرسة القرآنية تشكّل، في معظم الأحيان، الملاذ الأخير للأطفال المتقدّمين في السن، والباحثين عن المعرفة والتعليم الإسلامي.
ومع أنّ المركز متخصّص في تعليم الفقه الإسلامي لطلاّبه، إلا أنه يقدّم أيضاً دروساً وفقاً للمناهج الغربية، وهذا ما يمنحه ميزة من النادر أن تتواجد في مثل هذه المؤسسات الدينية، وعلاوة على ذلك، يضطلع المركز بتعريف الطلاب قواعد الدين الإسلامي، والسيرة النبوية الشريفة، كما يعلّمهم الصلاة والصيام وغيرها من أركان الدين الحنيف، وجميع هذه الدروس تقدّم، في الآن نفسه، بالفرنسية والإنجليزية والعربية.
وبالنسبة لحسن سانوغو، فإن الهدف من هذه الدروس هو انتشال الأطفال من الأمية التي تتهدّدهم، وتجنيبهم الوقوع في التطرّف الديني، وحمايتهم من التيارات التي تشوّه الدين، والتصدّي بطريقة غير مباشرة لأولئك الذين يجعلون من إله الرحمة إله العقاب.
وعلاوة على قاعات الدروس، يضم المركز أيضاً قاعة للمؤتمرات ومسجداً داخل المدرسة نفسها، واللافت هو أنّ المركز يقبل حتى الأطفال من غير المسلمين، ممن يتطلعون إلى الالتحاق بالدروس التي يقدمها.
ومن بين المؤسسات الإسلامية الـ209 المدمجة ضمن النظام التعليمي الرسمي في كوت ديفوار، يعتبر مركز “ويليامزفيل” ضماناً للحصول على تعليم ديني جيّد بالنسبة لمن هم لا يزالون في طور تلقي الدروس، ومرجعية فقهية بالنسبة لمن أنهى تعليمه فيه.
دفعات عديدة تخرّجت في هذه المؤسسة الدينية على مر السنين، طلبة كانوا بالأمس يتابعون الدروس الدينية بالمركز، ليتقلّدوا اليوم مسؤوليات ومواقع مختلفة في البلاد، من بينهم الرئيس الحالي للرابطة الإسلامية لدعاة كوت ديفوار، الحاج أبوبكر الصديق سيسي، والصحفي ومقدّم المجلة الإسلامية “الله أكبر”، لمين كابا، والذي يعتبر من أبرز الدعاة في كوت ديفوار، بحسب المصدر نفسه.
لكن، ومع أنّ هذا المركز الإسلامي يعدّ من أبرز وأفضل المؤسسات الدينية في أبيدجان، إلا أنه يعاني من بعض النقائص.
سانوغو أشار، في هذا الشأن، إلى أن المبنى أضحى قديماً؛ ما تسبب في تصدّع الجدران من الخارج، إضافة إلى أنّ انسياب الزمن ترك بصماته بوضوح على الدرج، ولذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى الدعم المالي؛ لأن ما نقوم به هنا يعتبر نشاطاً اجتماعياً.
وتابع: أسعار التسجيل رمزية تقريباً؛ ما يعني أن المركز لا يمتلك إيرادات، ومع ذلك، نتطلع إلى المحافظة على طابعه الاجتماعي ليتمكن الأطفال من الحصول على تعليم جيد، ولهذا، نحن في حاجة إلى المساعدة نظراً للنفقات الباهظة التي نواجهها.
ورغم الصعوبات فإن المسؤول أعرب عن رغبته في تطوير المركز، ضمن نظرة مستقبلية مفعمة بالتفاؤل.
“نتطلع إلى توسيع المركز في المستقبل”، يضيف سانوغو، قبل أن يتوجه بدعوة إلى جميع أصحاب النوايا الحسنة من أجل إعادة بناء وتطوير هذه الوجهة الفكرية والدينية في كوت ديفوار.