في مشهد لم يكن يتوقعه الكثيرون، أعلنت السلطات المصرية حبس رجل الأعمال صلاح دياب، في قضية اتهامه بحيازة بندقيتين آلي و7 طلقات داخل فيلته بمنيل شيحة في الجيزة، 15 يومًا على ذمة التحقيق.
وحضر صلاح دياب لمقر المحكمة وسط إجراءات أمنية مشددة، ومنعت قوات الأمن تصويره، وبدا مرتدياً بدلة رمادية، وهي ذات الملابس التي كان يرتديها في الصور التي تم تسريبها لحظة القبض عليه، ولم تستغرق الجلسة أكثر من 5 دقائق وحضرها المحامي فريد الديب للدفاع عن دياب.
وكان خبر القبض على صلاح دياب (رجل الأعمال متعدد الاستثمارات ومؤسس صحيفة “المصري اليوم” القاهرية) قد هوى على رأس مجتمع المال والأعمال كالصاعقة قبل يومين، لاسيما وأن الاتهامات الموجهة له بالاستيلاء والتربح دون حق من أراضي الدولة، تطال آخرين لايزالون محصنين بما يقدمونه من فروض الولاء والطاعة عبر وسائل إعلامهم ومساندتهم للسلطة بكل أشكال المساندة وعلى رأسهم “محمد ابوالعينين” الذي صدرت ضده أحكام نهائية، وكذلك “أحمد بهجت” في قضية البنك الأهلي، وهما من أصحاب الاستثمارات والقنوات، لتطل الأسئلة الكبرى برأسها:
لماذا “دياب” تحديداً دون الآخرين الذي يتم القبض عليه فجراً في فيلته؟ ولماذا جرى تجريسه بهذا الشكل المهين لدرجة تصويره هو وابنه وهو بالقيود بجوار سيارة الترحيلات، وهو الذي تبرع لصندوق “تحيا مصر” ببضع ملايين من الجنيهات؟ وهل هناك رعب أكبر من هذا سوف يجيء على أهل المال والأعمال الذين يعانون الركود والتردي؟
محاولة للإجابة
في محاولة اجتهادية للإجابة على الأسئلة الشائكة، تداول المهتمون بالشأنين السياسي والاقتصادي تفسيرين، أحدهما يقول بأن المسألة لا تعدو كونها “قرصة أذن” بهدف الاتعاظ، لاسيما وأنه لم يستجب للقرصة الأولى التي لقنها له المحامي المقرّب من السلطة “مرتضى منصور” والذي أذاع أمام جمع من الإعلاميين مكالمة سجلها له يسبه فيه بأمه كما يسب “السيسي” كذلك، وفق ادعاء “مرتضى”، ثم جاء الإعلامي المعتمد لدى جهات “سيادية” توفيق عكاشة ليوجه لـ”دياب” قبل أيام تحذيراً مباشراً وحاداً.
أما التفسير الثاني، فيتعلق بأزمة النظام مع الإعلام، خاصة وأن رأس النظام الحاكم “عبدالفتاح” السيسي كان قد عبّر عن استيائه مؤخراً من الخطاب الإعلامي، حيث تعد صحيفة المصري اليوم المملوكة لـ”دياب” من أكثر وسائل الإعلام المقروءة شهرة وتأثيراً، ويعدها البعض عصية على الإملاءات السلطوية، رغم تجنبها الصدام المباشر مع السلطة.
صدى الصدمة
النبأ تردد صداه سريعاً في البورصة المصرية، لتتهاوى مؤشراتها يوم الأحد بنحو جماعي في ختام تعاملات، وبأعلى وتيرة خلال الشهرين الأخيرين، ليخسر رأس المال السوقي نحو 8.5 مليار جنيه (1.1 مليار دولار) بضغط من مبيعات المؤسسات المحلية والأجنبية، فيما كانت لا تزال النيابة العامة تواصل تحقيقاتها تحت إشراف النائب العام في واقعة الفساد المنسوبة لصلاح دياب بتهمة استيلائه وآخرين من رجال الأعمال على أراض شاسعة بالتواطؤ مع مسؤولين في محافظة الجيزة، وذلك بعد أن أمر النائب العام بالتحفظ على أموالهم ومن بينهم زوجته عنايات الطويل، ومحمود الجمال وزوجته منال أحمد كمال، ومدحت جاد الحق علي جاد الحق نجل شيخ الأزهر الأسبق وزوجته سوسن ونجلته القاصر آية، ووفاء كامل عبد الحميد صميدة وعمر المختار حسن عمر صميدة ومحمد عبد المنعم صميدة، وفتحي السيد إبراهيم سعد حسن وزوجته ابتسام محمد أحمد ومحمود علي محمود حسين .
ملابسات الواقعة مثيرة للجدل، وترجع إلى بلاغ مقدم بشأن تلك القضية عام 2011 متهماً أصحاب 6 شركات بالحصول في عهد محافظ الجيزة الأسبق فتحي سعد على قطع أراض بمساحات شاسعة بطريق مصر ـ الإسكندرية الصحراوي بأسعار زهيدة بنحو 300 جنيه للفدان، وباعوها بأسعار مرتفعة بعد تحويلها إلى منتجعات سياحية بسعر من 7 إلى 9 آلاف جنيه للفدان، وتربحوا من وراء ذلك مليارات الجنيهات، فيما تنظر محكمة جنايات القاهرة بعد غد طعن رجلي الأعمال دياب والجمال وآخرين على قرار التحفظ على أموالهم.
الغريب أن التهمة الأولية التي جرى توقيفه بموجبها في فيلته بالجيزة وتصويره ونجله مقيدين بالأصفاد الحديدية هي “حيازة سلاح غير مرخص”، عبارة عن ثلاث بنادق آلية، مما يستدعي للأذهان تلك القضية الشهيرة قبل سنوات والتي اتُهم فيها رجل الأعمال “حسام أبوالفتوح” بتهمة حيازة أسلحة وخمور في منزله، بينما قيل وقتها أن القضية جاءت تصفية لحسابات بينه وبين أحد كبار المسئولين المهمين وقتها، والذي استاء من تشهير “أبو الفتوح” بزوجته طليقة أبو الفتوح.
الأمر المثير الآخر هو ما تردد بأن دياب هو الوحيد الذي تم إلقاء القبض عليه بين ثمانية عشر شخصاً من رجال الأعمال، أصدر النائب العام – قبل يومين – قرارًا بالتحفظ على أموالهم بنفس الاتهام.
الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة، يتابعه البعض بجدية نظراً لأنهم يعتبرونه وثيق الصلة بإحدى الأجهزة النافذة في الدولة، والتي تعطيه معلومات حول ما سيتحقق بالفعل، تماماً كما كان هيكل في الستينيات هو لسان حال النظام، لذلك انتبه الكثيرون للحلقة المذاعة على قناته “الفراعين” مؤخراً، واجتروا مجدداً تفاصيلها التي يحذر فيها “دياباً” من عواقب مانشيت الجريدة الصادر عقب نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، والقائل بأن المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان الجديد أفرزت بضعاً وثمانين عضواً بمجلس الشعب من الحزب الوطني التي صنع “دياب” ثروته في عهده وفق “عكاشة”.
وحذّره عكاشة من الصحفيين المحسوبين على تيار الاشتراكيين الثوريين الموجودين بجريدته “المصري اليوم”، وكذلك من الصحفيين المنتمين لجماعة “الإخوان المسلمين”، مطالباً إياه باتخاذ إجراءات بحقهم، وإلا فإنه سيتعرّض لهجوم وبالمستندات، مؤكداً أن صلاح دياب يحتمي وراء حصانته، وأن جريدته تحرق البلد وتهدم الدولة، وأنه وابنه توفيق هما من أغنى 7 أغنياء بمصر صنعهم “مبارك” و”الحزب الوطني”، ويفترض به تبعاً لذلك أن يساعد على إحداث استقرار الدولة من أجل الحفاظ على استقرار استثماراته، وإلا…. فهل وقع ما حذّر منه “عكاشة” بعدما لم يستجب “دياب”.
رعب
وفور اندلاع نبأ القبض على رجل الأعمال الشهير، أصدر اتحاد الصناعات المصرية برئاسة محمد السويدي اليوم بياناً قلقاً حول الواقعة.
جاء في البيان الذي حصلت “المجتمع” على نسخة منه: إنه في ظل الظروف التي تمر بها البلاد من تحديات اقتصادية وأمنية، يلزم تضافر كافة أطراف المجتمع المصري للوقوف صفاً واحداً في مجابهة تلك التحديات والنهوض بمصر، وهي ضرورة ملحة لتشجيع وخلق مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية والعربية والمصرية لزيادة الناتج القومي ورفع معيشة المواطن المصري.
وأضاف البيان: “إن اتحاد الصناعات المصرية على ثقة في القانون المصري ومنظومة الإجراءات القضائية والتي تحفظ حق كل مواطن أياً كان شأنه”.
وأهاب الاتحاد في بيانه بوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المعنية الحفاظ على الواجهة الحضارية لمصر، بما لا يتعارض مع أمن واستقرار مصر والمواطن المصري الذي يأتي في مقدمة كل الأولويات، ولن تقوم قائمة للاستثمار في مصر دون تحقيق أمن واحترام المواطن المصري .
ويرى الاتحاد ـ وفق البيان نفسه ـ “أن ما تم من إجراءات القبض على صلاح دياب إلى جانب ما نشر من صور للحظة القبض عليه، تعكس صورة سلبية تؤثر بالقطع على مناخ الاستثمار، كما يسيء إلى كل مواطن مصري، ويفتح باباً للأقاويل وللمشككين الذين لا يبغون أي صالح لمصرنا الحبيبة”.
من جانبه، أكد “أحمد الوكيل” رئيس اتحاد الغرف التجارية المصرية واتحاد الغرف الإفريقية للتجارة والصناعة والزراعة، والذي تلقى الصدمة أثناء مشاركته في ملتقى مصر الدولي للخدمات اللوجيستية المنعقد اليوم، بأن “قرار إلقاء القبض على رجل الأعمال صلاح دياب ونجله خطير جداً، موضحاً أن هذا القرار سوف يؤثر على الاقتصاد المصري”.
وقال محمد مشهور، رئيس جمعية شباب رجال الأعمال: إن قرارات التحفظ على الأموال، وعودة زوّار الفجر، والتشهير برجال الأعمال تُعد إجراءات “مدمرة للاقتصاد”.
وقالت الدكتورة يمنى الشريدي، رئيسة جمعية سيدات الأعمال: إن قضية رجل الأعمال صلاح دياب من المعروف عنها أنها قضية مالية وليست جنائية، وهو ما يخلق حالة من الغموض حول القبض عليه بهذه الطريقة، والتشهير به إلى هذا الحد.
فيما أعلن المهندس نجيب ساويرس رجل الأعمال البارز ومؤسس حزب المصريين الأحرار خلال برنامج “هنا العاصمة” مع الإعلامية لميس الحديدي عرض حصته في جريدة “المصري اليوم” و التي تقارب 20% للبيع.
وعلق “أبوالسعود محمد” عضو مجلس نقابة الصحفيين وأحد الذين يقودون المعارضة ضد سياسات “دياب ” في جريدة المصري اليوم التي يعمل بها: “وقفت ضد المهندس صلاح دياب وابنه المهندس توفيق دياب وغيرهما في عز جبروتهم وأنا أعمل في مؤسسة يملكونها.. لكنني الآن أقول ـ وليس دفاعاً عن صلاح دياب، ولكن دفاعاً عن دولة القانون ـ إن تصويره بهذه الصورة وتسريبها عمل في قمة السفالة والوضاعة.. وليس هكذا يطبق القانون بإذلال الناس، فأنا أعرف الرجل واعتزازه بنفسه، وأشعر بمدى تأثير هذه الصورة عليه وعلى أهله.. كما أنني متأكد أنها لن تفيد في سير القضية شيئاً.