أكد د. محمد فريد الشيخ أحمد، رئيس منظمة إكرام ماليزيا، أن الشعب الماليزي المكون من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة يتعايش على أرضية متساوية من التعاون والتسامح؛ نتيجة للتعايش السلمي القائم بينهم منذ الصغر، جاء ذلك في حواره مع رئيس تحرير «المجتمع»، حيث أكد أن ماليزيا دولة مدنية تحكمها قوانين مدنية بتشريع من قبل برلمان اختاره الشعب، وأن تعداد سكان ماليزيا يبلغ 30 مليون نسمة، نسبة المسلمين منهم نحو 62%.
وحول أبرز التحديات التي تواجههم كجمعية دعوية ذكر منها الارتقاء الروحي والفكري والسلوكي بأنفسهم، وبناء الاحتكاكات البناءة مع أطياف الشعب، مؤكداً سمو وعمق علاقتهم ببقية الجمعيات الإسلامية الأخرى.
* نود منكم التعرف في لمحات سريعة على جماعتكم وتأسيسها ورموزها وأهدافها؟
– جماعتنا هي «منظمة إكرام ماليزيا» (إكرام)، تأسست عام 2009م، أما رموزها فهم أبناء الدعوة الإسلامية، وهم جيل النخبة خريجو الجامعات، ذوو التخصصات العالية في العلوم، وأساتذة الجامعات في مجالات مختلفة.
أما أهم أهدافها فهو بناء مجتمع ودولة راقية ومتحضرة ومتقدمة، دولة تعم الدنيا وتفيض عليها بتوجيهات الإسلام ورحمته.
* نريد التعرف على خريطة الأحزاب والجماعات الإسلامية في ماليزيا وعلاقتكم بها؟
– يوجد في ماليزيا عدة أحزاب، أبرزها: تحالف الأحزاب الحاكمة، وتحالف أحزاب المعارضة، والحزب الإسلامي، بالنسبة لتحالف الأحزاب الحاكمة فهو مكون من 14 حزباً تمثل العرقيات المختلفة الموجودة في البلاد.
أما تحالف أحزاب المعارضة فيتألف من 3 أحزاب، هي: حزب الأمانة الوطني الذي يمثل التيار الإسلامي، وحزب العدالة الذي يمثل مكونات الشعب الماليزي المتعددة، وحزب العمل الديمقراطي DAP، وهو حزب علماني ليبرالي أغلبية أعضائه من العرق الصيني.
وأما الحزب الإسلامي الماليزي فقد انفرد بموقف مستقل، واعتبر نفسه حزباً معارضاً للحكومة، إلا أنه لم يدخل مع تحالف أحزاب المعارضة لأسباب خاصة به.
أما علاقتنا بالأحزاب المعارضة فهي طيبة، خاصة مع حزب الأمانة الوطني، وحزب العدالة، أما علاقتنا بالحزب الإسلامي الماليزي فهي قديمة، وهي في الوقت الحاضر في طور التقييم من جديد بعد التغير الكبير في صف قياداته، وتبنيه سياسة الانسحاب من التحالف مع أحزاب المعارضة.
وأما علاقتنا مع حزب العمل الديمقراطي فعلاقة دعوية قائمة على الانفتاح والاحتكاك البناء، ومع تحالف الأحزاب الحاكمة علاقة طيبة ناصحة تجاهه لحثه على تبني سياسة حكيمة في جميع شؤون الدولة والرعية.
* ما علاقتكم بالحكومة؟ وهل أنتم مشاركون في السلطة أو البرلمان؟
– علاقة تتسم بالعقلانية؛ تارة نساندها، وأخرى نعارضها، حسب سياساتها تجاه مختلف قضايا الدولة والرعية، وحسب سلوكياتها تجاه الرعية بجميع أطيافها، ولسنا مشاركين في الحكم أو السلطة، ولنا حضور برلماني لا بأس به من خلال عدد من أعضائنا بالبرلمان.
* كيف تنظرون للأوضاع السياسية في البلاد باعتباركم مكوناً من مكوناته الدعوية؟
– ننظر إلى أوضاع ماليزيا السياسية بقلق, لأنها تتدهور إلى الأسوأ مع مرور الوقت، فمسارات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى إصلاحات واسعة وواعية ومتدرجة ومتصاعدة على أيادي أمناء أكْفاء، فماليزيا بحاجة ماسة لنظام سياسي رشيد، نظام انتخابي نزيه، شفاف وعادل، ونظام برلمان ثنائي قوي وفعال حتى يتصدر الحكم من يترسخ في نفسه مآثر الحكام العدول.
وقد قمنا بأنشطة سياسية لتوعية الأمة سياسياً ورفع مشاركتهم في الاهتمام بشؤون البلاد والرعية، ورفع شأنها بين الأمم لموقع السياسة في ديننا، وأنه جزء لا يتجزأ من إسلامنا بل جزء مهم جداً.
* ما أبرز الإنجازات التي قدمتموها للمجتمع خلال السنوات الماضية؟
– قدمنا خلال السنوات الماضية القريبة كوادر بشرية متربية ومدربة من عدة أجيال، وصفوفاً من الدعاة والقادة وطلائع الفتيان والشباب الذين يتطلعون إلى رفع شأن الأمة من جديد على مصاف خير أمة أخرجت للناس.
ومن الإنجازات أيضاً هذه المنظمة القائمة (منظمة إكرام) كهيئة جامعة للإسلام الشامل ذات المشروعية التي تعمل جاهدة وبصورة مستمرة لنصرة الأمة وقضاياها داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى مؤسساتنا الدعوية والاقتصادية والطبية والتعليمية والاجتماعية والإغاثية في طول البلاد وعرضها.
* هل تجدون صعوبات في ممارسة نشاطاتكم كجمعية؟ وهل التشريعات داخل الدولة تتيح لكم ممارسة نشاطاتكم بحرية؟
– لم نجد صعوبات غير طبيعية في ممارسة نشاطاتنا كجمعية غير حكومية، وإن وجدت فهي جزء من التحديات الطبيعية التي لا بد منها لإتمام المهام الموكولة إلينا كواجهة عمل دعوي إسلامي جامع.
والتشريعات داخل الدولة تتيح لنا ممارسة نشاطاتنا بحرية؛ لأن ماليزيا دولة مدنية تحكمها قوانين مدنية بتشريع من قبل برلمان اختاره الشعب.
* حدِّثنا عن الخريطة الدينية في ماليزيا وعلاقتكم بأصحاب الديانات الأخرى؟
– تعداد سكان ماليزيا يبلغ 30 مليون نسمة، يشكل المسلمون 62%، والبوذيون 19%، والمسيحيون 9%، والهندوسيون 6%، والبقية 4%.. علاقتنا مع الجميع علاقة طيبة، ولنا احتكاكات مختلفة معهم، من بينها التشاور معهم فيما يهم الدولة والرعية والأمن الاجتماعي والتعايش السلمي وتبادل الزيارات، كما أن لنا أنشطة دعوية في صفوفهم على شكل التعريف بالإسلام ومواقفه تجاه قضايا عدة والتي تهم الجميع.
* تتكون ماليزيا من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة ومنتشرة، وعرقية «ملايو» هي أكبر إثنية في البلاد وترفع شعار «الوحدة والتنوع».. كيف تتعايش هذه العرقيات المختلفة؟ وما ملاحظاتكم على تجربة الوحدة والتنوع؟
– يتعايش الشعب الماليزي المكون من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة على أرضية متساوية من التعاون والتسامح كنتيجة للتعايش السلمي القائم بينهم منذ الصغر، وفي جميع مراحل حياتهم داخل الدولة الواحدة، يواجه نفس المصير.
«ملايو» أكبر إثنية في البلاد، تقود الدولة منذ الاستقلال من الاحتلال الإنجليزي إلى الآن، وهي إثنية محببة تميل إلى الهدوء، والتعايش السلمي وعدم الاعتداء على الغير إلا في حالة الاعتداء الكاسح عليهم، هنا فقط يكون الرد عنيفاً وطاغياً، ودولة ماليزيا ناجحة إلى الآن في الحفاظ على شعار «الوحدة والتنوع» للمحافظة على وحدتها وسلامة أراضيها متحدة نتيجة لمساندة رعيتها هذا الشعار.
* كيف تقيِّمون تجربة التيار الإسلامي في دول شرق آسيا؟
– ننظر إليها بنظرات متنوعة؛ بعضها نظرة خوف والآخر نظرة أمل؛ فنظرتنا تجاه تجربة الإسلام السياسي في إندونيسيا هي نظرة أمل لأسباب كثيرة، منها: أن التجربة هناك تطورت كثيراً نحو النضوج والمتانة أكثر مع مرور السنين، فهيأت لإندونيسيا وشعبها مناخاً سياسياً صحياً للتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي تجربة قديمة بدأت قبل الاستقلال واستمرت بعده، ومرت بأوضاع مختلفة ومتغايرة ومتعارضة؛ فتكون لدى القادة الإندونيسيين والشعب نفسه رصيد ثري من التجارب السياسية التي دفعتهم إلى الاستفادة القصوى من تلك التجارب في بناء نظام سياسي أفضل، ووفرت رموزاً وكوادر سياسية إسلامية في البلاد شاركت في الحكم على فترات من الزمن.
أما ماليزيا، فتجربة التيار الإسلامي فيها أقل، من خلال حزب إسلامي وحيد فيها أو حزب آخر منشق منه, وفاز بعدد قليل من المقاعد البرلمانية إلى أن تحالف مع بقية أحزاب المعارضة منذ عام 1998م؛ إلى أن حصلت في الانتخابات الأخيرة على 88 مقعداً برلمانياً من 222 مقعداً.
وقد شارك هذا الحزب مرة واحدة في تاريخه في حكم البلاد من خلال حكومة ائتلافية مع تحالف الأحزاب الحاكمة في السبعينيات من القرن الماضي، إلا أنها لم تدم طويلاً.
والآن، اتجه الحزب إلى الوراء، وانسحب من التحالف مع أحزاب المعارضة وتحرك منفرداً، رغم أن البلاد مقبلة على انتخابات مهمة هذا العام، ويتوقع تغيير الحكومة لو استمر تحالف أحزاب المعارضة على تماسكه.
هذا التطور الأخير يجعلنا ننظر إلى تجربة التيار الإسلامي في ماليزيا بشيء من القلق والخوف؛ لأنه مخالف لتجارب وممارسات التيار الإسلامي الناضج الحكيم الذي سيُحدث الإصلاح والتغيير المطلوب لرفع شأنها، فالنهج السياسي المفروض والمختار عند الوصول إلى الحكم هو النهج التوافقي لا الإقصائي؛ حتى نحمل الجميع على المشاركة الفعالة في بناء دولة جديدة ناجحة.
وأما بقية الدول في شرق آسيا فهي دول أغلبية سكانها غير مسلمين، إلا دولة بروناي فإنها دولة ملكية يحكمها سلطان عن وراثة لا باختيار شعبه.
* ما أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجهكم في ممارسة أعمالكم كجمعية إسلامية؟ وما علاقاتكم بالجمعيات الإسلامية الأخرى؟
– أبرز هذه الصعوبات والتحديات الارتقاء بأنفسنا روحياً وفكرياً وسلوكياً، والتوسع العمودي والأفقي المتوازنان مع مقتضيات المرحلة التي نمر بها كي نتجاوب مع متطلبات المهام المطلوبة منا في كل مرحلة بجدارة، والمحافظة على ذلك التوازن على امتداد مسارات عملنا الإسلامي المديد لصالح البلاد والعباد، والعمل الجاد الناجح في تخطي الصعاب والعراقيل حتى يتسنى لنا الوصول إلى تحقيق كل الأهداف والآمال بسلام.
وأمر آخر وهو بناء الاحتكاكات البناءة مع جميع أطياف الشعب الماليزي والحكومة، ومد جسور التعاون معهم لإصلاح شؤون البلاد، وتقوية اهتمامات الجميع؛ حكومة وشعباً، تجاه تلك المهام حتى يتسنى لدولة ماليزيا أن تتقدم وتقوى وتسمو.
وأما علاقاتنا مع الجمعيات الإسلامية الأخرى فهي طيبة، وتقوم على التعاون المتبادل لمن يمد إلينا يد الصداقة الحقة، وعلاقة تناصح لمن يتنافس معنا في الميدان ليكون التنافس شريفاً ولصالح الإسلام ومستقبل الأمة.