استبعد سياسيون وخبراء سودانيون، تطبيع العلاقات مع الكيان “الإسرائيلي”، بعد بروز بعض الأصوات المؤيدة للخطوة، قائلين إنها لا يمكن أن تتم بمعزل عن قرار مجمع عليه، وفقاً لمبادرة السلام العربية.
وصعدت قضية التطبيع مع “إسرائيل” إلى الواجهة، عندما نسبت وسائل إعلام محلية منتصف الشهر الماضي، لوزير الخارجية إبراهيم غندور، قوله: إن حكومته يمكن أن “تدرس” التطبيع مع “إسرائيل”، بوصفه مدخل لتطبيع العلاقات مع واشنطن، التي تفرض عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد.
ورغم أن الخارجية السودانية نفت ما نسب إلى وزيرها، إلا أن الجدل حولها استمر عندما جاهر حزب سوداني بالدعوة إلى التطبيع، خلال مداولات مؤتمر الحوار الوطني، المنعقد منذ أكتوبر الماضي بدعوة من الرئيس عمر البشير، وتقاطعه غالبية فصائل المعارضة الرئيسية.
وفي لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الذي يشمل 6 لجان، دعا ممثل حزب المستقلين، وهو حزب غير مؤثر ولم يمثل من قبل في البرلمان إلى التطبيع مع “إسرائيل”، لكن الأحزاب الرئيسة المشاركة رفضت الخطوة، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
رفض حزبي
ورفض الخطوة أيضاً الحزب الاتحادي الأصل، وهو أكبر حليف للحزب الحاكم، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، وهو حزب المعارضة الوحيد الذي يتمتع بشعبية وقبل دعوة الحوار.
وخلال الفترة الماضية نفى مسؤولون كبار في الحكومة، أي نية لهم في التطبيع مع “إسرائيل” بمن فيهم نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن.
وفي ثلاث مناسبات مختلفة، الأسبوع الماضي فقط، وجه الرئيس السوداني انتقادات قاسية درج عليها لإسرائيل والولايات المتحدة.
وخلال مخاطبته حشد من أنصاره الأحد الماضي، وصف البشير قادة المعارضة الذين رفضوا دعوته للحوار بأنهم “مرتزقة تمولهم المخابرات الأمريكية والإسرائيلية“.
وعادة ما يتباهى القادة الحكوميون بدعمهم للقضية الفلسطينية، ومنذ العام 2009 قصفت إسرائيل أكثر من مرة أهدافًا على الأراضي السودانية، بحجة تهريب حكومة الخرطوم أسلحة إيرانية إلى حركة حماس في غزة، مروراً بصحراء سيناء المصرية.
“إسرائيل” عدو
وكان أضخم إعتداء، عندما قصف سلاح الجو “الإسرائيلي”، مصنعاً حربياً بالخرطوم في 2012، لكن تل أبيب لم تعلق حتى الآن رسمياً، على اتهام السودان لها بتنفيذ الهجوم.
ولا يقتصر العداء المعلن مع “إسرائيل” على الحزب الحاكم، بل تتفق معه كل أحزاب المعارضة على تصنيف الدولة العبرية كـ “عدو”، ولم يدع قط أي من الأحزاب الرئيسة في البلاد، إلى التطبيع مع “إسرائيل”.
وقال فضل الله برمة، نائب رئيس حزب الأمة القومي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، إن “إسرائيل دولة معتدية ومحتلة، ولا يمكن أن نعترف بها“.
واستبعد برمة أن يجاهر أي حزب سوداني، بما في ذلك الحزب الحاكم بالدعوة للتطبيع مع “إسرائيل”، لأن ذلك “سيضعه في مواجهة مع الشعب“.
وأضاف المعارض السوداني لـ “الأناضول”: “يمكن أن يكون هناك بعض الأفراد داخل الحزب الحاكم، يريدون التطبيع مع “إسرائيل” لمصالحهم الذاتية، لكن لا أتوقع حدوث هذا“.
ويؤيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الطيب زين العابدين، ما ذهب إليه برمة قائلاً ” قرار مثل هذا سيجلب سخط الشعب على الحكومة، ولا أعتقد أنها يمكن أن تفعل ذلك“.
وأضاف زين العابدين: “دعوة التطبيع لا تلقى دعماً من أي تنظيم مؤثر، لكن غرابة الفكرة على المجتمع السوداني أعطاها هذا الزخم الإعلامي“.
ويقلل الخبير السوداني من زعم البعض أن تطبيع العلاقات مع “اسرائيل”، يمكن أن يحسن الوضع الاقتصادي قائلاً، “موريتانيا طبعت من قبل العلاقات مع تل أبيب، لأنها كانت تريد تحسين وضعها الاقتصادي، ولم يحدث هذا، وقامت نفس الحكومة التي تبنت التطبيع بقطع العلاقات لاحقا“.
ويتساءل أستاذ العلوم السياسية “ما المصلحة في التطبيع مع إسرائيل؟” قبل أن يستطرد مجيباً “لا مصلحة بتاتاً ، حتى مصر والأردن اللتان طبعتا مع “إسرائيل”، لم يكن الأمر يعني أكثر من وقف الحرب، ولا يوجد تعاون ولا تواصل شعبي لأن كل الشعوب العربية ترفض ذلك“.
ورغم أن الحكومة عادة ما تتهم قادة حركات متمردة، بتلقي دعم من “إسرائيل” والولايات المتحدة، إلا أنهم درجوا على النفي بما في ذلك حركة تحرير السودان، بزعامة عبد الواحد نور، التي أقرت رسمياً بفتح مكتب لها في “إسرائيل”، لكنها تقول أن الهدف منه رعاية مصالح السودانيين المتواجدين هناك، وليس تلقي دعم عسكري.
وحركة نور، واحدة من ثلاث حركات تحارب الحكومة في إقليم دارفور غربي البلاد منذ 2003، وتسببت الحرب في لجوء الآلاف من أبناء الإقليم إلى إسرائيل.
وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة السودانية حاج حمد، “حتى لو كانت الحركات المسلحة تتلقى دعماً من إسرائيل، فإنها لن تجرؤ على الاعتراف به“.
وأضاف حمد: “لم تدع أية حركة مسلحة للتطبيع مع “إسرائيل”، وليس بإمكانهم فعل ذلك لأنه يضعهم في مواجهة الرأي العام“.