واضح أن الروس وغيرهم يراهنون على شق صف المعارضة السورية، وجعلهم فرقاً وشيع وجماعات، في مواجهة الاستحقاقات بكل ألوانها وأشكالها، من أجل ضمان استمرار عملية التفاوض، التي يريد رسم مسارها الروس، وبالطريقة التي يشتهون، والخطة التي يرغبون، وهذا الأمر الذي يدقون على وتره، ليس أمراً شكلياً، ولا قصة عارضة، بل هو طَرْق على الوتر الحساس، ويلامسون به لب أصل من أصول العمل، وجذر مشكلة من المشكلات المعقدة.
ذلك أن الفرقة شر، بكل ما في حزمتها من كوارث ومصائب، وصناعة شقوق الفتنة التي من خلالها يتسلل شيطان الضلال، وأبالسة الويل، حتى يزرعوا الفتن، ويغرسوا معالم السوء، فالصف إذا تخلخل دس الشيطان أنفه في ثنايا فرجه المصنعة على عين الشيطان، وبدقة تتبع منهج الخطوات، وبناء أدراج الفساد، ولكن بلغة سيئة، ومخططات خبيثة.
ولا يوجد في عالم الحياة أخطر من الشتات، والفرقة، والمنازعة، لأنها السبيل إلى ذهاب الريح، وتؤدي حتماً إلى الفشل المريع: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال:46).
كم من خطة خير، فشلت بسبب التنازع، وكم من بنيان هدم بفعل التنافس المر، وكم من طريق منير، ودرب أخضر، خرب بفعل الفرقة، فكيف إذا كان في أصل البناء ضعف، فهذا يحتم علينا مضاعفة الالتفات إلى المخاطر، والنقاط الرخوة التي تنذر بانهيارات.
إن أخطر ما يواجه أي حركة، أو تجمع، أو ثورة، إنما هو فرقة أصحابها، واختلاف قلوب روادها، وتفتت صفها، من هنا تجد العدو يزرع هذه الألغام في أوساط من يستهدفهم، حتى يحقق هذه النتيجة، وبهذا يسيطر على الموقف، وينتصر على الخصم، لذا يراهن العدو على هذا.
واليوم الروس ودي مستورا يراهنون على شق صف المعارضة المهلهل، فالأمر جد خطير، ويحتاج إلى وعي وفهم واستيعاب، وإدراك لأدوات العدو وأساليبه وألاعيبه وأجنداته الضالة.
وينبغي أن نعلم أن اجتماع الكلمة، ورص الصف، فيه خير عميم، وفضل كبير، وله آثار طيبة، لا تعد ولا تحصى، ولو لم يكن فيه إلا خاصية سد الخلل، وردم الفجوات لكفى، فوحدة الصف، واجتماع الكلمة من أسباب النجاح، وعلامات الفوز والفلاح، وهي مسؤولية كبيرة في عالم السياسة الشرعية.
ففي هذا الوقت العصيب، رحم الله من عمل على لم الشمل، ووحدة الكلمة، وتجنب كل سبل الفرقة، ورب كلمة يلقيها المرء، لا يلقي لها بالاً تحدث من الخير الشيء الكثير، والعكس بالعكس يذكر.
نريد في هذه الأيام من يستشعر عظم المسؤولية، وخطر الموقف، وهو يكتب، وعندما يغرد، وهو يناقش، وعندما يحاور، وهو يجتمع بالآخرين، وعندما يحضر الملتقيات العامة والخاصة.
المطلوب من جميع الأطراف، السياسية والفكرية والثورية والعسكرية والمدنية، وفي مقدمة كل هؤلاء العلماء أن يخططوا لوحدة الصف، ونبذ كل ما يشتت الأمة، ويزرع الشتات، وصناعة منظومات التوافق، ورسم لوحات التفاهم، وصناعة جبهة قوية متراصة، من كل الثوريين السوريين، فهذا واجب الساعة، وفرض الوقت، وهو رأسمال أبناء الثورة، الذي يرجع على سورية والثورة، بالخير الوفير، والكسب العظيم، والنصر المبين.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ {4}) (الصف).