تعليقاً على مقال: (حقيقة قمع مسلمي الصين) المنشور في صحيفة الوطن 15/7/2016 للكاتب فهد عريشي
لقد منح الكاتب صك البراءة للصين صاحبة السجل السيئ لحقوق الإنسان من بداية مقاله، مؤكداً على توافر الحريّة الدينيّة الكاملة لمسلمي الصين، بإقامة الصلاة، وبناء المساجد، وحمايتها – وربما مراقبتها يا سيد: فهد – وأنه لا يوجد ما يسمّى بالقمع الديني لحرية مسلمي الصين، وأن ما يحدث من مشكلات في تركستان سببه وجود مطالب بانفصال الإقليم عن الصين.
وفى الواقع، فإن أحد أسس التعامل أحادي الرؤية والديكتاتوري مع المشكلات والحقائق والوقائع المزعجة هو إنكارها، وليس التعامل العلمي معها بمعرفة تفاصيلها وأسبابها وحجمها وتقديم الدراسات والحلول.
والسيد فهد عاش في وسط الصين، وأظنه لم يزر منطقة شينجيانج – ينطقها الصينيون شنجان كما كتبت في المقال – كما يبدو أنه يرى من خلال نظارة صينية.
بداية لابد من التفرقة بين عدة حقائق وهي : إن المسلمين في الصين ينقسمون من حيث أصولهم العرقية إلى أقسام عديدة، فمنهم الهوي أو الخوي، وهم من المسلمين ذوي الأصول الصينيّة، وينتشرون في مختلف أرجاء الصين، ويتشابهون كثيراً مع معظم سكان الصين من حيث اللغة والمظهر؛ وهؤلاء لا يعانون من التمييز والقمع الديني، وإن كانت ممارستهم للشعائر الدينية تخضع للرقابة الحكومية – الحماية – والتي تختلف حدتها من منطقة لأخرى، كما أن قواعد التعليم الديني في عموم الصين، توضع من قِبل مجلس الدولة وحده بصفة منفردة طبقا لنص المادة (82) من قانون التعليم.
المسلمون الأويغور – وليس الأيجور- وغيرهم من الأعراق التركيّة كالقازاق والأوزبك والقرغيز والطاجيك، ويمثل الأويغور غالبيتهم، ويتركّزون في مقاطعة شينجيانج الأويغورية ذاتية الحكم، وهم أكثر الأعراق المسلمة معاناة من كافة أنواع الاضطهاد وقمع الحريات الدينية، والتهميش الاقتصادي والسياسي، ولا داعي لذكر تفاصيل وتقارير إخبارية متواترة، ولكن أرجو مراجعة التقارير الدولية حول حالة حقوق الإنسان والحريات الدينية في إقليم شينجيانج: الأمم المتحدة، العفو الدولية، مراقبة حقوق الإنسان، الخارجية الأمريكية؛ وكلها بلا استثناء تؤكد على وجود انتهاكات واسعة النطاق لحق الأويغور فى ممارسة شعائرهم الدينية وحرياتهم الثقافية، ولن تجمع كل هذه المنظمات على خطأ، كما أن لديها قدرات واسعة على جمع المعلومات بالتأكيد لا تتوافر لديك.
ويمكنكم التثبّت من ذلك عملياً إما داخل الإقليم، أو القيام بمغامرة صحفية لمحاولة مقابلة حجاج بعثة الحج الرسمية الصينية من داخل تركستان ومراقبة حالهم. وحتى لا تجهد نفسك فستجدهم في مبان منعزلة في أطراف مكة المكرمة، تحت الرقابة الصارمة في التحرك والصلاة والذهاب للحرم الشريف أو التجول في مكة، بشرط أن يتم ذلك دون ترتيب مسبق، حتى لا ترى وتسمع ما تريد الصين أن يراه ويسمعه الجميع.
يا أخي العزيز: إن الإقليم يعانى من اضطهاد وقمع واسع النطاق على كافة الأصعدة، وعمليات الاعتقال والقتل خارج إطار القانون من الممارسات المعتادة للسلطات الصينية في الإقليم الذي يعاني سكانه من الأويغور من تدني مستوى المعيشة، وتمييز اقتصادي، وتهميش سياسي، رغم أنه نظرياً يتمتع بالحكم الذاتي.
ألم تسمع عن عمليات تهجير الهان العرق الأكبر والمسيطر داخل الصين إلى تركستان؟ وهؤلاء يحظون بأفضل فرص العمل والسكن والتعليم، ويتزامن ذلك مع دفع أعداد كبيرة من فتيات وشباب الأويغور للهجرة القسريّة من وطنهم تحت مختلف الضغوط الأمنية والاقتصادية، كما يتم هدم أحياء الأويغور التاريخية القديمة فى كاشغر وغيرها من المدن التي بها عبق التاريخ والحضارة الأويغورية، ويعاد توزيع سكانها لمناطق أخرى، بهدف تقليل كثافتهم في مناطق معينة.
هل تعلم شيئاً عن كبت الحريات وقمع الرأي الآخر في الصين الشيوعية؟
إقرأ عن د.إلهام توختي الأكاديمي الأويغوري المسلم، سجين الرأي وعدالة الصين. وأرجو أن لا تنكر بل وتسخر من أحداث لم تتثبّت أنت من أدلتها رغم ثبوتها فقد تصيبك دعوة مظلوم.
إن الصين وبعد تاريخ طويل من الظلم والقهر، تتحدّث عن رغبات انفصالية لدى الأويغور وتتهمهم بالإرهاب، لماذا لا تتعامل الصين مع سكان الإقليم – المحتل – بطريقة جيدة، تجعلهم يتقبّلون الاستمرار مع الصين؟ أليس الانتماء يتطلب العطاء والرعاية والاحترام المتبادل؟ ووطن لا يحميني لا أنتمي إليه.
وهذه سنن الاجتماع والعمران الإنساني.
حاول أن ترى الحقيقة بإنصاف، ولكن بعد أن تخلع النظارة الصينيّة، فسترى أشياءً لم ترها من قبل.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
وعين السخط تبدي المساويا
لكن للإنصاف عين إذا رنت
تبدت لها الأشياء حقاً كما هي