– أعلنت اللغة بجميع مكوناتها حركة تمرد وعصيان ورفض واسعة النطاق لهذه الحركة الانقلابية الفاشلة منذ الدقائق الأولى ووظفت طاقاتها للتعبير عن هذا التوجه
– حشد منشئ النص في الخطابات السياسية التي عنيت بالحدث والتي واكبت تحرك الانقلابيين مجموعة من الألفاظ عبرت عن عدة معان قصد إيصالها إلى جمهور المتلقين عبر وسائل اتصالية حديثة في بثها صوتاً وصورة.
– عمد المرسل إلى انتقاء مجموعة الألفاظ والتعابير التي لها في العقل الجمعي التركي والعربي والإسلامي وكذا الإنساني ما لها من معان ودلالات متجذرة يصعب محوها أو حتى تغيير دلالاتها لتحقيق ما هدف إليه
– كانت اللغة بألفاظها وتعبيراتها وجملها عاملاً لا يستهان به في إيصال رسالة من القائمين على الأمر في الجمهورية التركية للشعب التركي وكانت حاضرة في دحر الانقلاب وانتصار الشرعية
– لم تكن اللغة يوماً ما منعزلة عن المجتمع بل كانت منغمسة في أحداثه أتراحه وأفراحه ذلك أنها منه وإليه حياتها في حياته وموتها في إعراض هذا المجتمع عنها
لقد واكبت اللغة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى في المجتمع وما تخلت يوماً عنه، ويشهد التاريخ كيف كانت اللغة عوناً وسنداً للساسة والقادة في دحر الخصوم، وشحذ همم الشعوب واستنهاضها، وتحفيزها على المقاومة والصمود والاستبسال في مواجهة الأعداء، ولعل في خطبة والي العراق من قبل بني أمية الحجاج بن يوسف الثقفي من شواهد التوظيف السياسي للغة يؤكد إدراك منشئ نصها ما لها من فعل القوة ما يعادل فعل السلاح إن لم يفُقه، كما أن هذا الوعي بدور اللغة تشهد له خطب القادة في التاريخ الإسلامي قبيل لقاء العدو والتي حفلت بالعديد من المكونات اللغوية والمضامين والقيم التي تنبع مما استقر في العقل الجمعي العربي الإسلامي حول مفهومات الشجاعة والجهاد والشهادة والنصر، وروافد كل ذلك من كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فليس هناك من انفكاك بين الخطاب السياسي مكتوبًا أو منطوقًا، والمجتمع الذي ينشأ فيه، فمكوناته ما هي إلا مواريث المجتمع الذي يستخدم اللغة في التعبير عن نفسه(1).
وقد تصدت اللغة بكل ما أوتيت من قوة لحركة الانقلاب الفاشل الذي وقع مؤخرًا في الجمهورية التركية، فأعلنت بجميع مكوناتها حركة تمرد وعصيان ورفض واسعة النطاق لهذه الحركة الانقلابية الفاشلة منذ الدقائق الأولى، ووظفت طاقاتها للتعبير عن هذا التوجه، كما وُظفت اللغة لاستنهاض جمهور المتلقين في الجمهورية التركية، وحثها على الاستجابة الفورية لنداء القيادة الشرعية للنزول في الشوارع للتصدي للانقلابيين ودحرهم، وكانت الرسالة واضحة من مرسلها عبر وسائل الاتصال الحديثة، وسرعان ما تلقف المتلقون الرسالة، وقد تخطت محيطها الجغرافي لتصل المحيط التركي بمحيطه العربي والإسلامي والعالمي.
وسنحاول في هذه السطور دراسة المفردات التي تم انتقاؤها من المعجم العربي والتي تتلاقى في المضمون مع ما يعبر عنه الخطاب السياسي التركي، وتصنيفها وفقًا للحقول الدلالية التي انتظمت فيها، كما ستتعرض الدراسة لبعض التعابير اللغوية ودلالاتها عند المتلقين.
أما مادة الدراسة فهي التصريحات والخطب الرسمية التركية، ونخص منها تصريح الرئيس التركي لقناة “الخبر” التركية الذي جاء عقب إعلان الانقلاب عبر الهاتف، ثم تصريحات الرئيس نفسه في مطار إسطنبول فجر يوم 16/ 7/ 2016م، ثم كلمة رئيس الوزراء التركي أمام البرلمان في مساء يوم 16/ 7/ 2016م(2).
أولاً: المفردات في الخطاب السياسي المتصدي للانقلاب:
حشد منشئ النص في الخطابات السياسية التي عنيت بالحدث والتي واكبت تحرك الانقلابيين مجموعة من الألفاظ عبرت عن عدة معان قصد إيصالها إلى جمهور المتلقين عبر وسائل اتصالية حديثة في بثها صوتاً وصورة.
ويمكن تصنيف هذه المفردات في مجموعة من الحقول الدلالية كلها تصب في الشأن السياسي وتتعلق بحركة الانقلاب الفاشلة التي منيت بها الجمهورية التركية، وهاكم الحقول ومفرداتها التي عبرت عنها:
1- نعوت من قاموا بالانقلاب:
عبَّر الخطاب السياسي التركي عن نعوت مَنْ قاموا بالانقلاب بالألفاظ الآتية:
إرهابيون/ أقلية /انقلابيون/ أوامرهم من أمريكا/ أوامرها من الكيان الموازي/ باع ضميره/ خائنون/العصابة/ فاقدو الوعي/في حالة جنون/ لا يحترمون التراتبية/ لا يمثلون جنودنا/ لا يمثلون المؤسسة العسكرية/ مجموعة صغيرة/ محتلون/ يكرهون الشعب التركي.
2- نعوت الحركة الانقلابية:
وَصف الخطابُ السياسي التركي موضوعَ الحدث بالألفاظ الآتية:
انقلاب عسكري/ تمرد/ حركة خائنة/ محاولة/ محاولة آثمة.
3- أعمال الانقلابيين:
تعبيرًا عن أعمال الانقلابيين حشد الخطاب السياسي مجموعة الألفاظ الآتية:
اعتقلوا/ تحارب الحكومة/ خانوا شرفهم/ خانوا عهدهم/ استهدف/ تحرك/ سيطروا/ قصف/ منعوا/ النيل من شعبنا/ يحتل/ يمنعوا / يهددوا/ يهاجموا.
4- الجيش ومكوناته:
جاءت الألفاظ الآتية تعبيرًا عن حقل الجيش ومكوناتـــه:
جنرال/ الجنود/ الجيش/ الجيش التركي/ جيش محمد/ رؤساء الجيوش/ الضباط/ ضباط الصف/ القوات المسلحة التركية/ قوى الأمن الداخلي.
5- العتاد العسكري:
جاءت في هذا الحقل الألفاظ الآتية:
الأسلحة/ بنادق / الدبابات/ الطائرات/ طائرات إف 16.
6- من يقف وراء الانقلاب:
عبرت الألفاظ الآتية عن الداعمين للانقلاب:
التنظيمات الإرهابية/ الكيان/ كيان مسلح إرهابي/ الكيان الموازي/ المنظمات الإرهابية.
7- الأهداف الانقلابية:
جاءت الألفاظ الآتية تعبيرًا عن أهداف الانقلابيين:
الأتراك/ إرادة الشعب/ تماسكه/ تجربتنا الديمقراطية/ الجمهورية التركية/ الحكومة التركية المنتخبة/ الحكومة الشرعية/ رئاسة الجمهورية/ رئاسة الوزراء/ رئاسة المخابرات/ رئيس الأركان/ رئيس الجمهورية/ السكرتير العام/ وحدة تركيا/ وحدة الشعب التركي/ مبادئ الشعب/ مقدساته/ مبادئنا/ مجلس الأمة التركي/ مطار أتاتورك/ مقاليد الأمور/ المواطنين/ الوطن التركي.
8- ما ينوى فعله:
عما يُنوى فعله من القيادة التركية تجاه الانقلابيين جاءت الألفاظ الآتية:
اعتقالات/ إنهاء هذا الوضع/ أنا مع الشعب التركي/ تنظيف تركيا/ تنظيف الجيش/ الخروج إلى الشوارع/ الخروج إلى المطارات/ سنتعاون/ سنرد بقوة/ سنكون كلنا تركيا واحدة/ سنكون متحدين/ سيدفعون ثمناً كبيراً / لن نتنازل/ كلنا كتف بكتف/ معاقبتهم/ الوقوف بصلابة وشرف.
9- مَن يتصدى للانقلاب:
في هذا الحقل جاءت الألفاظ الآتية:
الأتراك/ الأحزاب/ أحفاد السلطان محمد الفاتح/ أحفاد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي/ البرلمان/ الجميع/ جميع أطياف الشعب/ زعماء الأحزاب/ السياسيون/ الشجاع / الشعب/ الشعب التركي/ شعبنا/ النواب/ المواطنون/ الملايين.
10- الموقف من الانقلاب:
أما عن الموقف من الانقلاب فقد عبرت عنه الألفاظ الآتية:
تلاحم/ التلاحم/ التلاحم التاريخي/ الجسد الواحد/ جنباً إلى جنب/ لا للانقلابات/ النزول إلى الشوارع/ نعم للتجربة الديمقراطية/ نعم للأخوة/ نعم للإرادة الوطنية/ نعم للشعب التركي/ الوقوف أمام هؤلاء/ يتلاحمون/ يداً بيد/ وقفتهم الشجاعة.
ويلاحظ من التصنيف السابق أن منشئ الخطاب السياسي في هذه الأزمة قصد إلى تعبئة الشارع التركي ضد الانقلاب رغبة في إفشاله، وقد أدرك هؤلاء المخاطِبون ما لدور الكلمة في اللغة وما لأفعال الكلام – على جمهور المتلقين في الداخل والخارج – من الإقناع والتأثير ومن ثم التغيير؛ ولذا عمد المرسل إلى انتقاء مجموعة الألفاظ والتعابير التي لها في العقل الجمعي التركي والعربي والإسلامي وكذا الإنساني ما لها من معان ودلالات متجذرة يصعب – إن لم يكن من المستحيل – محوها أو حتى تغيير دلالاتها لتحقيق ما هدف إليه.
صور الانقلاب والانقلابيين
عمد منشئ الخطاب إلى رسم صورة قاتمة ومنفرةً للحركة الانقلابية والقائمين عليها جمعت بين الوصف العددي، والسجايا السيئة وبين الدواخل النفسية المريضة والنوايا الخبيثة من خلال مجموعة من الألفاظ انتظمت في الحقل الدلالي الأول والثاني والسادس، وهذا ما يمكن أن يصل إلى المتلقين عن هذه الحركة والقائمين عليها:
– فهم مجموعة صغيرة، أقلية، عصابة، إرهابيون، انقلابيون، خائنون، محتلون، يكرهون الشعب التركي.
– وهم أيضاً يتلقون أوامرهم من أمريكا، ومن الكيان الموازي.
– وهم فاقدو الوعي، وفي حالة جنون وهم من باع ضميره.
– وهم لا يمثلون جنودنا، ولا يمثلون المؤسسة العسكرية، ولا يحترمون التراتبية العسكرية.
– وهم كيان إرهابي مسلح، من التنظيمات الإرهابية.
وكان للحرص على تكرار بعض الألفاظ أثره في تأكيد الصورة السلبية الكريهة لهؤلاء وزيادة تنفير الناس منهم، مثل: عصابة، مجموعة صغيرة، انقلابيون، محتلون.
ثم جاء الحقل الثالث والخامس والسابع ليكمل المشهد ويقدم صوراً أخرى مقيتة ومفزعة لهؤلاء وأهدافهم الخبيثة والمدمرة:
– فهم قد تحركوا، واعتقلوا، وخانوا شرفهم، وخانوا عهدهم.
– وهم هددوا، واستهدفوا، وسيطروا، ومنعوا، وهاجموا، وقصفوا.
– وكان ذلك باستخدام الأسلحة من: البنادق، والدبابات، والطائرات، وطائرات إف 16.
– أما المستهدَفون من وراء هذا كله فهم:
حقيقةً: الأتراك، والمواطنين، ورئيس الأركان، ورئيس الجمهورية، والسكرتير العام، ومقاليد الأمور، والوطن التركي، والجمهورية التركية، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة المخابرات، ومجلس الأمة التركي، ومطار أتاتورك.
مجازًا: إرادة الشعب، والتجربة الديمقراطية، والحكومة التركية المنتخبة، والحكومة الشرعية، ووحدة تركيا، ووحدة الشعب التركي، ومبادئ الشعب، وتماسكه، ومقدساته.
اللغة والتصدي للانقلاب
ثم جاء الحقل التاسع والعاشر حيث حدد فيه منشئ الخطاب الموقف من الانقلاب، ودور الشعب في ذلك، وما سيتم اتخاذه من قرارات، فقد حدد الموقف من الانقلاب في:
– التلاحم، وأن يكون الشعب كالجسد الواحد، جنباً إلى جنب، ويداً بيد، والوقوف أمام هؤلاء.
– ورفع شعارات: لا للانقلابات، ونعم للتجربة الديمقراطية، ونعم للأخوة، ونعم للإرادة الوطنية، ونعم للشعب التركي.
ثم حدد الفئات التي ستتصدى للانقلاب في فئتين؛ هما:
– الجميع، جميع أطياف الشعب، الأتراك، المواطنون، الشعب/ الشعب التركي، أحفاد السلطان محمد الفاتح/ أحفاد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي.
– البرلمان، زعماء الأحزاب، السياسيون، النواب، الأحزاب.
وجاء الحقل الثامن ليحدد القرارات الحاسمة الرسمية والشعبية لكيفية التصدي للانقلاب ولهؤلاء القائمين عليه والداعمين له، وذلك في أكثر من اتجاه:
الأول: فوري شعبي: الخروج إلى الشوارع، والخروج إلى المطارات، والوقوف بصلابة وشرف.
الثاني: فوري رسمي: لن نتنازل، وسنرد بقوة، وإنهاء هذا الوضع.
الثالث: عقب إفشال الانقلاب: سيدفعون ثمنًا كبيرًا، ومعاقبة، واعتقالات، وتنظيف تركيا، وتنظيف الجيش.
الرابــع: بالمشاركة: سنتعاون، وسنكون كلنا تركيا واحدة، وسنكون متحدين، وكلنا كتف بكتف.
تعابير ذات دلالة
قصد منشئ الخطاب السياسي في ليلة الانقلاب إلى توظيف عدة تعابير كان لها دلالتها عند متلقيها، وقبل الوقوف على دلالات هذه التعابير يجدر بنا تحديد الطرف الثاني في هذه المنظومة الاتصالية وأعني به المتلقي؛ فتحديد هذا الطرف له دور كبير في انتقاء التعابير من قبل المرسل (منشئ الخطاب)، كما أن الدلالات أو ظلال المعنى التي تحيط بالتعابير أو الإشارات التي يحملها لن يستطيع إدراكها وتوجيهها إلا تلكم الأطراف كل حسب موقعه، وقد أراد منشئ الخطاب في تعابيره وألفاظه عدة أطراف شكلت الطرف الثاني (المتلقين) في المنظومة الاتصالية التي ولدت في تلكم الليل وفي هذا الحدث، هذه الأطراف هي:
– الشعب التركي، فهو المعِني الأول في الخطاب، وقد صُرِح به كثيراً في تضاعيف الخطاب.
– السياسيون الأتراك، وصرح بهم أيضاً في الخطاب.
– الأحزاب السياسية التركية.
– الجيش التركي.
– الانقلابيون.
– المحيط الإقليمي.
– العالم.
وقد حملت الرسالة في الخطاب السياسي الذي وجهه منشئ النص إلى جمهور المتلقين في الداخل والخارج بعض التعابير، أمكننا أن نقف على بعضها وقراءة الدلالات التي تشع منها.
1- إرهابيون، خائنون:
جاء هذان التعبيران الاصطلاحيان وصفًا للانقلابيين في قول منشئ الخطاب: “إنهم إرهابيون خائنون”؛ بما يعطي للمتلقي صورة عن هؤلاء، لعل منها:
– تجرد هؤلاء من صفات الإنسانية والرحمة والوطنية والأمانة.
– خبث أهداف هؤلاء، فالإرهابي والخائن لا يأتي منه إلا كل شر ودمار.
– انعدام الثقة من جانب الشعب والمسؤولين في كل من اتصف بذلك قولاً وعملاً.
– الحذر من هؤلاء وعدم التعاطف معهم؛ نظراً لما يمثلونه من مخاطر جمة على الجميع.
– وجوب وإلزام مقاومة هؤلاء المنقلبين، حفاظاً على أمن الوطن والمواطن ومكتسباته.
2- جميع أطياف الشعب:
جاء هذا التعبير في أثناء إشادة منشئ الخطاب بالشعب التركي لاستجابته الفورية ونزوله الشارع للتصدي للانقلاب “أبارك لجميع أطياف الشعب التركي الذي نزل إلى الشوارع”، ويفهم من ذلك عدة دلالات، منها:
– تعدد أطياف الشعب التركي سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا.
– هذا التعدد يعني التنوع وليس التعارض؛ انطلاقاً من جو الحرية الذي ينعم به الشعب التركي.
– اجتماع كل الأطياف على الصالح الوطني العام.
– ثقة كل هذه الأطياف في القيادة السياسية وفي توجهاتها لدحر الانقلاب.
3- أحفاد السلطان محمد الفاتح/ أحفاد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي:
جاء هذان التعبيران الكنائيان في خطاب رئيس الوزراء في قوله: “أشكر رئيس الجمهورية لوقفته الشجاعة وزعماء الأحزاب السياسية لما بذلوه من مساع من تلاحم جميع أطياف الشعب التركي، إنهم أحفاد السلطان محمد الفاتح وأحفاد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي”، وفي هذين التعبيرين الكثير من الدلالات الموجهة للشعب التركي، منها:
– الاعتزاز بالبعد التاريخي الإسلامي المشكِّل للمنظومة المجتمعية التركية ووعي القيادة التركية بذلك.
– بث روح الشجاعة والإقدام في نفوس المقاومين للانقلاب اقتداءً بأجدادهم الأبطال.
– استلهام الإرث التاريخي الأصيل للشعب التركي في الخطاب.
– التنبيه إلى وحدة الشعب التركي فهم ذوو أصول واحدة.
4- تنظيف الجيش:
جاء هذا التعبير في حديث منشئ الخطاب عما سوف يعتزم عمله بعد إفشال الانقلاب، وذلك في العبارة الآتية: “هذا التمرد وبلطف الله سيؤدي إلى تنظيف الجيش”، وفي هذا التعبير تفهم الدلالات الآتية:
– وجود بعض العناصر الفاسدة في الجيش.
– تشويه صورة الجيش التركي بوجود هؤلاء.
– الحاجة الماسة إلى إخراج هذه العناصر من الجيش التركي.
– التدقيق في عمليات التنظيف بما لا يبقي على عنصر من العناصر الفاسدة، ولا يؤخذ البعض ظلمًا بجناية الآخرين.
5- كلنا كتف بكتف:
ورد هذا التعبير في حث المخاطِب جمهور الشعب التركي على مقاومة الانقلاب في التعبير الآتي: “كلنا كتف بكتف سنتعاون من أجل إنهاء هذا الوضع قريباً”، وفي هذا التعبير نلمح دلالات، منها:
– وحدة الهدف التي جمعت بين الأطياف المكونة للشعب التركي.
– التعاون بين القيادة السياسية والشعب بجميع أطيافه.
– استشعار خطر الانقلاب على الوطن والمواطنين.
– المصلحة العليا للوطن تسمو فوق كل الاعتبارات الأخرى الضيقة.
– إعطاء رسالة للخارج عن طبيعة الشعب التركي الموحَّد التي يجهلها البعض.
6- قصف مجلس الأمة:
جاء هذا التعبير لتعريف الشعب بما قام به الانقلابيون من تخريب لمؤسسات الأمة، وذلك في التعبير الآتي: “قاموا بقصف مجلس الأمة التركي”، ويوحي هذا التعبير بما يأتي:
– الأهداف التخريبية الخبيثة للانقلابيين ومنها تدمير مؤسسات الدولة الحيوية.
– استعصاء مقر مجلس الأمة على الهدم لذا لـُجِئ إلى القصف.
– استخدام أسلحة جوية متطورة لتنفيذ الهدف.
– جبن هؤلاء الانقلابيين وعدم قدرتهم على المواجهة المباشرة؛ ومن ثم كان القصف الجوي.
– تقديم الصورة الحقيقية الكاملة للمتلقين جميعاً عن أفعال الانقلابيين.
– ما يوحي به مجلس الأمة التركي من رمز للتمثيل النيابي للشعب في ديمقراطية الدولة، وما يكشف قصفه عن نوايا الانقلابيين التدميرية.
7- لا يمثلون المؤسسة العسكرية:
جاء هذا التعبير وصفًا للقلة التي شاركت في الحركة الانقلابية، وذلك في العبارة الآتية: “إنهم لا يمثلون المؤسسة العسكرية في الجمهورية التركية”، وفي استخدام هذا التعبير نقرأ الدلالات الآتية:
– أنَّ هؤلاء مارقون عن المؤسسة العسكرية التركية.
– أنهم قلة لا تنخلع أوصافهم على كل أفراد المؤسسة العسكرية التركية.
– ترسيخ المزيد من الثقة في نفوس أفراد المؤسسة العسكرية التركية الوطنية المخلصة، ونفي الهواجس من أن يلحقها الأذى من الشعب أو من أولي الأمر.
– المحافظة على ثقة الشعب كله في المؤسسة العسكرية التركية الوطنية المخلصة.
– إعطاء الخارج صورة واقعية عن القلة الانقلابية، وعدم تعميم الحكم على بقية أفراد المؤسسة العسكرية التركية الوطنية المخلصة.
وهكذا كانت اللغة بألفاظها وتعبيراتها وجملها عاملاً لا يستهان به في إيصال رسالة من القائمين على الأمر في الجمهورية التركية للشعب التركي، وكانت حاضرة في دحر الانقلاب وانتصار الشرعية، ومن ثم انتصار هذه اللغة العجيبة في وجه هذا الانقلاب البغيض.
الهامشان:
(1) د. محمود عكاشة: لغة الخطاب السياسي دراسة لغوية تطبيقية في ضوء نظرية الاتصال، دار النشر للجامعات، ط1(1426هـ/ 2005م)، ص5.
(2) لمشاهدة الكلمات التي تمت الإشارة إليها في الدراسة:
https://www.youtube.com/watch?v=1rGSx9tSGV4
https://www.youtube.com/watch?v=GwO9oLyf9GE
https://www.youtube.com/watch?v=sn1ARQ8QXHY
(*) باحث في علوم اللغة بقطر.