الحقيقة التي لا ينكرها أحد من الملمين بالشؤون العراقية هي أن لكل حزب سياسي داخل التحالف الوطني الحاكم مليشيا مسلحة خاصة به، يرعاها ويساندها لحمايته وحماية مصالحه من الخصوم السياسيين، وتحريكها ضدهم وقتما يشاء إذا لزم الأمر، وعلى رأس هذه الأحزاب حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ حيث يتولى الرعاية والإشراف على العديد من المليشيات المنضوية داخل “هيئة الحشد الشعبي”، ومن أبرزها مليشيا “الجيش المختار” التي يتزعمها واثق البطاط الذي رأيناه يعترض بشدة على المحتجين من أهالي البصرة على الزيارة التي قام بها المالكي لمدينتهم (13 ديسمبر)، وطالب الحكومة باتخاذ الإجراء المناسب بحقهم، وفي حالة عدم القيام بواجبها فإنه سيصبغ شوارع بغداد بالدم.
وكذلك أعطى المالكي عناية ورعاية خاصة لمليشيا “عصائب أهل الحق” التي يقودها قيس الخزعلي، وتعتبر هذه الحركة الأخطر والأقوى بين الحركات المسلحة الموجودة في الساحة العراقية، ولها جناح عسكري في سورية باسم “كتائب حيدر الكرار” بقيادة أكرم الكعبي؛ للدفاع عن نظام الأسد الطائفي، وهي تتبع إيران حالها حال بقية المليشيات، وتعمل تحت رعاية الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
استهداف السُّنة
منذ انشقاق أمين عام هذه الحركة المتشددة قيس الخزعلي عن مليشيا “جيش المهدي” التابعة لمقتدى الصدر عام 2006م وهو يخوض صراعاً طائفياً مريراً مع أكثر من جهة سُنية وكردية، ويواصل تهديداته النارية ضدهم وضد البلدان المجاورة (المملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر، والأردن)، ويشارك في جبهات المواجهة الفعلية، ويقتل ويخطف بدواعٍ طائفية، وقد زج الخزعلي بمقاتليه في المعركة الطائفية التي افتعلوها ضد المكون السُّني عامي 2006 و2007م، وذهب ضحيتها عشرات الآلاف بصورة وحشية، إضافة إلى قيامه بالخطف والتهجير وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها في المناطق السُّنية، والكل سمع ورأى على شاشات الفضائيات كيف أنه هدد أهل الموصل قبل بدء المعركة ضد “داعش” ووصفهم بقتلة الحسين: “نحن نقاتل قتلة الحسين، هؤلاء القوم هم أحفاد أولئك القوم، ما دامت العقيدة هي نفس العقيدة، هم يريدون إعادة حكم بني أمية، وهواهم وعقيدتهم تدمير النجف وكربلاء، إذاً القوم هم القوم، ونحن أولئك الأجداد، وأولياء دم الإمام الحسين، ونحن نقاتل من أجل رفع المظلومية من الإمام الحسين والقصاص له من قتلته”.
التحضير لمحاربة الأكراد
وبدورهم، أخذ الأكراد حصة الأسد من تهديدات قيس الخزعلي، لم تغفل عين الرجل عنهم لحظة، تارة يصفهم بالغرباء، وتارة بالمتآمرين والانفصاليين، وأن قادتهم ويخص بالذكر قادة الديمقراطي الكردستاني وعلى رأسهم رئيس الإقليم مسعود بارزاني، العدو اللدود لنوري المالكي وإيران والمتحالف مع تركيا، وينعتهم بأنهم من جلبوا الشر لإقليم كردستان، وهم من فرطوا في حقوق العراقيين، وهم من أراقوا دماء أهلنا في المناطق التي يسيطرون عليها، وسيدفعون الثمن.
يذكر أن عناصر مليشيا “عصائب أهل الحق” اشتبكت ضمن قوات “الحشد الشعبي” مع قوات البيشمركة الكردية في مدينة طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين التي تقطنها أعراق وطوائف متداخلة من العرب والتركمان والكرد والشيعي والسُّني عاثوا في المدينة فساداً وقتلاً، كما هي حالهم في كل المدن السُّنية والكردية التي يدخلونها.
ولم يغب التوتر بين الطرفين، فقد شن قيس الخزعلي في 13 سبتمبر الماضي هجوماً شديداً على الأكراد، ووعدهم بمواجهة ساخنة بعد التخلص من “داعش” في الموصل، وقال نصاً: “الكرد سيكونون من أهم المشكلات التي ستبرز بعد التخلص من “داعش”، وخصوصاً مشكلة السيد مسعود البارزاني، وأعتقد بأنه من الصعب الوصول إلى تسوية معهم، خصوصاً بعد عام 2003م، حيث توسعت حدود كردستان، وهذه تمثل مشكلة بحد ذاتها”.
فيما ردت عليه حكومة رئاسة إقليم كردستان في بيان أصدرته وقالت فيه: إن الشعب الكردستاني وقوات البيشمركة ليست لديهم أطماع بأراضي أحد، ولم يعتدوا يوماً ما على ملك أحد، وكل من سولت له نفسه بالاعتداء أو محاولة سلب أراضي الشعب الكردستاني، كانت نهايته فاشلة، مشيراً إلى أن مصير الخزعلي ومن يحذو حذوه، لن يكون أفضل من مصير “داعش” إذا ما حاولوا الاقتراب من كردستان.
وإزاء المواقف العدائية المتبادلة بين القوات الكردية ومليشيات مسلحة داخل “هيئة الحشد الشعبي”، هل تشهد المنطقة حرباً أخرى بين الكرد وهذه المليشيات المدعومة من قبل حكام بغداد، أم يتوصل الطرفان إلى حل سياسي توافقي ويصبحان جارين جيدين خلافاً لتوقعات المحللين والخبراء الإستراتيجيين؟! هذا ما نراه في المستقبل القريب إن طال بنا العمر.