لا شك أن الإسلام دين حنيف، يدعو إلى السلام والمحبة بين الناس، وينهى عن البغضاء والشحناء، ويحارب الظلم والفساد، يبني ولا يهدم، يعفو ويسامح ولا يحقد، دين رحمة لا دين عنف وقسوة، والرحمة أصل الإسلام وأساسه الذي بني عليه، فالآية التي تقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}) (الأنبياء) هي المحور الذي يدور حوله كل الآيات والسور القرآنية كما تدور الأرض والكواكب حول الشمس، وهي جوهر العلاقة التي تربط الإسلام بالعالم، وكل حركة أو مذهب أو فكرة أو حزب سياسي أو تيار اجتماعي يدعي الإسلام ويجاهر به، ويفتقد هذه الصفة ويمارس القمع والإرهاب ضد الناس، ويتفنن في تعذيبهم، فهو لا ينتمي إلى الإسلام ولا يمت إليه بصلة، وإن تمسح بالإسلام وتسمى بأسماء الله وآل بيت النبي.
فالإسلام دين خير وبركة ونماء وليس دين بؤس وشقاء، وهو دين الوسطية والاعتدال لا دين التطرف والغلو، دين العطاء والعمل المثمر وليس دين الخمول والجمود، هذا هو الإسلام الذي يريد شياطين الأرض تشويهه أمام العالمين، وإظهاره على غير صورته الحقيقية، ولكن رغم كل ما يحاك له فإنه يواصل طريقه نحو الهدف المرسوم له وهو هداية البشرية، ويتمدد شرقاً وغرباً بقوة وفعالية، وكلما ضيقوا عليه في مكان فتح الله له مكاناً آخر أوسع وأرحب؛ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {30}) (الأنفال)، ولو لم يكن الإسلام كذلك لما انتشر في العالم، وأصبح ديناً عالمياً له أتباع يفوق تعدادهم المليار وسبعمائة مليون نسمة، وبنسبة 23% من سكان العالم.
وظل الإسلام هكذا وسيظل هكذا، ديناً شاملاً وكاملاً للبشرية جمعاء وليس لفئة دون أخرى أو لجنس دون آخر، يستوعب حياة الإنسان بكافة جوانبه، الروحية والجسدية والحضارية والفكرية، بهذا التوصيف عرفه المسلمون منذ ظهوره قبل 1400 سنة، ولم يعهدوه ديناً لاهوتياً محصوراً داخل الصوامع، أو ديناً دموياً قاتلاً جاء ليذبح الناس ويفتك بهم، كما يحاول بعض أعدائه ومن ينتمون إليه ظلماً وزوراً تصويره.
التعاطي مع الإسلام يجب أن يكون شاملاً وكاملاً يضم كل جوانبه المختلفة، لا أن يقتطع منه جزءاً ويترك جزءاً آخر، المواضيع التي طرحها وعالجها كلها متداخلة بعضها مع بعض، لا يوجد شيء خارج السياق، كل شيء يخدم قضية واحدة ويسعى إلى تحقيق هدف واحد؛ وهو تنظيم علاقة الإنسان والمجتمعات والدول بعضها مع بعض على أساس التراحم والتعارف، وكذلك إعادة علاقة الإنسان مع ربه إلى مسارها الصحيح القائم على “الربوبية والعبودية”.
هذا هو باختصار رسالة الإسلام الحقيقية للعالم، ولكن ما فعلته وتفعله بعض الأحزاب والحركات التي تدعي الإسلام أنها اختارت من الإسلام ما يوافق مصالحها السياسية والفكرية وتركت ما يخالف مصالحها وتوجهها الفكري، وهذا هو الانحراف بعينه الذي حذرنا الله منه عندما قال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {85}) (البقرة).
وتوجد من هذه الأحزاب والحركات السياسية عشرات بل مئات في الوطن العربي والإسلامي، وكل واحدة تختلف عن الأخرى في الرؤية والسياسة والمصالح، وتدعي أنها على الحق المبين، وان الأحزاب الأخرى في الضلال المبين! والمشكلة أن كل هذه الحركات أو السواد الأعظم منها تعادي الأخرى وتخوض معها صراعاً مريراً، وتعمل أي شيء للنيل منها، حتى وإن وقفت مع أشد الناس كرهاً وعداءً للإسلام، كما فعلت بعض الحركات السلفية في مصر عندما دعموا الانقلابيين ضد الرئيس محمد مرسي مثلاً.
ستبقى حالة التناحر والتصارع قائمة بين الأحزاب الإسلامية، وستشتد بمرور الزمن ما لم يتم إصلاح رؤيتنا المشوشة الخاطئة للإسلام، والتعامل معه كرحمة مهداة من الله للعالمين، وليس التعامل معه كفكر سياسي عقيم لا روح فيه خاضع للمعادلات المصلحية المجردة.