كثيرة هي المؤشرات التي لا توحي بأن يحمل عام 2017م انفراجات على الساحة الفلسطينية، فما شهده عام 2016م المنقضي بالأمس القريب من زيادة في الاستيطان، وتشديد حصار غزة، وشلل في مساري السلام والمصالحة، واقتحامات الأقصى ستبقى مشاهد حاضرة حتى نهاية العام الجديد، وفق خبراء استطلعت “الأناضول” آراءهم.
ولم يشهد العام المنقضي تطورات إيجابية سواء فيما يخص ملف الانقسام الداخلي الذي بدأ منتصف عام 2007م، أو الاستيطان الذي شكل عقبة أمام مفاوضات السلام الفلسطينية “الإسرائيلية” المتوقفة منذ عام 2014م، رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي مؤخراً رفضته “إسرائيل” يطالبها بوقف فوري وكامل لهذا النشاط.
علاوة على إطباق الحصار “الإسرائيلي” المفروض على قطاع غزة منذ فوز حركة “حماس” في انتخابات عام 2006م؛ ما أدى إلى تردي الأوضاع المعيشية لسكانه البالغ عددهم حوالي مليوني، وما تشهده مدينة القدس المحتلة من تهويد واقتحامات للمسجد الأقصى.
مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (غير حكومي)، زياد الحموري، توقع أن يكون العام الجديد صعباً على مدينة القدس وسكانها على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وقال الحموري، الذي يتابع مركزه قضايا سكان القدس: شهدنا تصاعداً كبيراً في هدم المنازل في القدس خلال عام 2016م وسط زيادة حدة التصريحات الصادرة عن المسؤولين “الإسرائيليين” بتكثيف أكبر لعمليات الهدم في الفترة القادمة.
وفي تقرير أصدره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، الأسبوع الماضي، وصل “الأناضول” نسخة منه، قال: إن “إسرائيل” هدمت 183 منزلاً في القدس الشرقية خلال العام 2016م بداعي البناء غير المرخص؛ ما أدى إلى تهجير 248 فلسطينياً، مقارنة مع هدم 79 منزلاً في المدينة خلال العام 2015م؛ ما أسفر عن تهجير 114 فلسطينياً.
وتوقع الحموري تصاعد عمليات الاستيطان خلال العام الجديد، قائلاً: هناك تصريحات لمسؤولين “إسرائيليين” عن نية حكومتهم تكثيف الاستيطان في المستوطنات المقامة على أراضي القدس الشرقية.
وحذر من أن المسجد الأقصى سيكون معرضاً لمخاطر عديدة خلال العام 2017م، مشيراً إلى وجود ترجيحات بأن تزداد عمليات اقتحامه من المستوطنين اليهود المتطرفين، بالتزامن مع محاولات “إسرائيلية” لفرض سياسة جديدة لتسهيل وصولهم إلى “الأقصى”.
وأوضح أن السياسات المتشددة التي تتبعها السلطات “الإسرائيلية” بحق السكان الفلسطينيين في مدينة القدس، تهدف لتنفيذ ما وصفه بـ”الحرب الديمجرافية”، القاضية بتقليص عدد السكان الفلسطينيين وزيادة أعداد المستوطنين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، توقع الحموري أن تشدد الحكومة “الإسرائيلية” إجراءاتها لتحصيل الضرائب من التجار الفلسطينيين ومن السكان المقدسيين، وذلك ضمن محاولاتها لإجبارهم على ترك المدينة.
وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية في الضفة وغزة، رأى أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، فريد أبو ضهير، أن مستقبل الوضع السياسي الفلسطيني لن يكون أكثر حظاً في العام 2017م من سابقه.
وأضاف أن ظروفاً موضوعية تحول دون إتمام عملية المصالحة بين “حماس” و”فتح” خلال العام المقبل، أبرزها اختلاف برامج الحركتين وهو ما يجعل ردم الفجوة بينهما أمرًا متعذرًا من الناحية العملية.
وعلى صعيد ملف “الاستيطان”، رأى أبو ضهير أن العام الجديد لن يحمل في طياته تطوراً إيجابياً بخصوص وقف الاستيطان.
وتابع: طالما أن الضغوط الدولية لا ترقى إلى مستوى كسر الإرادة “الإسرائيلية” فسوف تستمر “إسرائيل” في سياساتها.
ويرجع ذلك، بحسب أبو ضهير، إلى السياسة الأمريكية المُنحازة لـ”إسرائيل”، فضلاً عن حالة الترهل في مواقف الدول الكبرى من قضية الاستيطان.
وعلى مستوى المفاوضات “الإسرائيلية” – الفلسطينية، يقول أستاذ الإعلام: إن الاستمرار في الحديث عن عملية السلام وهم، فقد أثبتت كل الأحداث السابقة أنه لا يوجد أفق للمفاوضات.
وكانت المفاوضات الفلسطينية – “الإسرائيلية” قد توقفت في إبريل 2014م بعد رفض “إسرائيل” وقف الاستيطان والإفراج عن معتقلين قدامى وقبول حل الدولتين، على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية.
ويتفق هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، مع سابقه فيما يتعلق بتوقعات الأوضاع السياسية الفلسطينية في العام الجديد، قائلاً: المصالحة الفلسطينية بين حركتي “فتح” و”حماس”، بعيدة المنال هذه السنة، فبرامج الحركتين تختلف بشكل كبير.
ورأى البسوس أن التقارب في الخطاب بين “فتح” و”حماس” وما وصفه بـ”الغزل” الحاصل بينهما، ليس إلا نتاج تجاذبات إقليمية وانقسام في حركة “فتح”.
وعلى صعيد علاقة حركة “حماس” مع النظام المصري، توقع المحلل السياسي تحسّن العلاقة بينهما طالما بقيت المصالح المشتركة قائمة.
وأوضح أن هناك تناقضاً حقيقياً بين حركة “حماس” (الإسلامية التي تتبع فكرياً جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر) والنظام المصري، لكن ما يجمعهما مؤقتاً، هو المصلحة الأمنية، والتقارب مع القيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان.
من جانبٍ آخر، لا يستبعد أستاذ العلوم السياسية شنّ “إسرائيل” حرباً جديدة على قطاع غزة خلال العام الجديد، قائلاً: يزداد احتمال الحرب مع استلام الرئيس الأمريكي المُنتخب، دونالد ترامب مهامه في أمريكا، باعتباره داعماً لـ”إسرائيل”.
وأضاف أن الحرب ستكون فجائية غير متدحرجة، مرجعاً ذلك إلى مساعي “إسرائيل” لشنّ “حرب التنظيف”، التي تحاول من خلالها دحر حركة “حماس” بالكامل عن غزة.
إبراهيم المدهون، رئيس مركز أبحاث المستقبل (غير حكومي)، يختلف مع سابقه، مستبعداً حدوث حرب جديدة ضد قطاع غزة خلال العام الجديد.
وقال: أتوقع استمرار التهدئة، لعدة أسباب أبرزها تركيز “إسرائيل” لعملياتها في الضفة الغربية، إضافة إلى أنه لم يتبلور لديها مشروع سياسي تجاه قطاع غزة ولم تجد البديل بعد عن “حماس”.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيرى خبراء أن مؤشرات الاقتصاد ستبقى صعبة وسلبية وغير مستقرة، في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، واصفين الاقتصاد الحالي بـ”الهش والضعيف”.
وزير التخطيط السابق في الحكومة الفلسطينية، سمير عبد الله قال: إن الوضع الاقتصادي وصل لأسوأ مراحله في عام 2016م، وقد لا يبدو التغيير الاقتصادي كبيراً خلال العام القادم.
عبدالله، الذي يعمل حالياً باحثاً في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (مستقل)، أضاف أن الحكومة الفلسطينية ستواصل توفير المتطلبات المالية لها عبر الإيرادات الضريبية بأنواعها المختلفة، واستمرار ضبط النفقات قدر الإمكان، والاستدانة في نطاق محدود.
وأعلنت الحكومة الفلسطينية منتصف الأسبوع الجاري، عن الموازنة المقترحة للعام القادم 2017م، بإجمالي نفقات قيمتها 4.48 مليار دولار للموازنتين العامة والتطويرية (الاستثمارية)، وفجوة تمويلية بقيمة 476 مليون دولار.
واستكمل عبدالله: بالنسبة لقطاع غزة، هناك مؤشرات على التحسن لكنها ما تزال بطيئة، ومع ارتفاع وتيرة الاستقرار النسبي في سيناء المصرية، ربما تخفف القاهرة من إغلاق معبر رفح الحدودي، ليشهد عدد أيام فتح أكبر في عام 2017م.
وأشار إلى أن مصر بدأت ترى في قطاع غزة سوقاً إضافية فهو يستهلك سنوياً ما قيمته ملياري دولار، وهذا قد يساعد القاهرة الباحثة عن أي قنوات لتعزيز صادرتها إلى الخارج.
وبحسب مسح لـ”الأناضول” بالاستناد إلى أرقام الحسابات القومية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لغزة خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، نحو 1.482 مليار دولار.
وحتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، بلغت نسبة البطالة في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) 28.4%، بينما تبلغ في قطاع غزة وحدها 41% بعدد عاطلين عن العمل يبلغ 220 ألف فرد، وفق أرقام الإحصاء الفلسطيني.
وعن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، قال مازن العجلة، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بمدينة غزة: إن الاقتصاد الفلسطيني في العام القادم سيراوح مكانه، وربما سيزداد سوءًا طالما لم يتم حل وتجاوز العديد من العقبات السياسية.
من جانبه، قال ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة: إن القطاع مازال يختنق اقتصاديًا عامًا بعد عام، نتيجة الحصار المفروض عليه منذ نحو 10 سنوات، والحروب “الإسرائيلية” التي عمقت الأزمة جراء الدمار الهائل الذي خلفته.
ورأى الطباع أن السيناريو الاقتصادي لعام 2017م سيكون متشائمًا وستشهد غزة مزيداً من التدهور، في ظل عدم تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقة.
وحذر الطباع من احتمالية حدوث انفجار بين السكان، إن بقيت الحال على ما هي عليه، وازدادت نسبة الفقر والبطالة.
وخلال السنوات الثماني الماضية شنت “إسرائيل” ثلاث حروب على قطاع غزة، راح ضحيتها الآلاف فيما أصيب آلاف آخرين، ودمرت آلاف المنازل والمنشآت الصناعية.
وتسببت الحرب الأخيرة، صيف عام 2014م إلى رفع عدد العاطلين عن العمل إلى 200 ألف عامل في القطاع من أصل 330 ألف عامل، وفق اتحاد العمال في قطاع غزة.
كما تسببت الحرب التي استمرت لمدة 51 يومًا إلى تدمير 500 منشأة اقتصادية في القطاع.