رد قطز على هولاكو وحسم معركة «عين جالوت»

كاتب المدونة: الطيب أديب

 

مرت بالعالم الإسلامي خلال القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أوقاتاً عصيبة بسبب حالة الضعف والهوان اللذين عاشتهما هذه البلدان نتيجة اجتياح جيوش التتار تحت قيادة جنكير خان، وكان التتار قد اجتاحوا كل الإمارات الإسلامية من الصين في أقصى الشرق مروراً بوسط آسيا وإيران والعراق والشام، ولم يتبق لهم إلا مصر، وبعدها اجتياح بلاد المغرب ومنها إلى أوروبا.

رسالة هولاكو لسلطان مصر

أرسل هولاكو بغروره إلى قطز، كما ذكر المقريزي في كتابه «السلوك لمعرفة دول الملوك» يقول: من ملك الملوك شرقًا وغربًا القان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه.

فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟

فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ومطركم علينا لا يُسمع.

فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان؛ «فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون» (الأحقاف: 20)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (الشعراء: 237).

فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون..

فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر، وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدّرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير الأهنة لملوككم عندنا سبيل.

فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفنا إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى، فهل علم.

اجتماع طارئ مع قادة الجيش

كانت رسالة هولاكو إيذاناً صريحاً بإعلان الحرب، الأمر الذي دفع قطز إلى عقد اجتماع طارئ مع قادة الدولة المملوكية، للرد على رسالة هولاكو، وخلال الاجتماع لاحظ قطز أن قادته مترددون في خيار الحرب ومواجهة التتار، وهو ما جعله يقول لهم مقولته الشهيرة: يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزو كارهون، أنا متوجه لألقى المغول بنفسي، فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر ذلك فليرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين.

وقد أثرت مقولة قطز بشكل كبير في نفوس القادة، الذين قطعوا في الحال ترددهم وأيدوا قرار الحرب، وكان من بينهم القائد الظاهر ركن الدين بيبرس الذي طالب حينها بقطع رؤوس سفراء هولاكو الأربعة وتعليقها على باب زويلة في القاهرة إعلاناً بفتح باب الحرب ومواجهة التتار.

رأي سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام

وكان في المجلس العالم عز الدين بن عبدالسلام، وكان له رأي حاسم في مواجهة التتار ودعم الشعب للجيش ونقل كلمته المؤرخ جلال الدين السيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء»، وفحواها: إذا طرق العدوُّ البلادَ وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخَذ من الرعية ما يستعان به على جهادهم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، ويتساووا في ذلك هم والعامة، وأما أخْذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.

نص رسالة قطز للمغرور هولاكو

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، على كتاب ورد فجراً عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدّها، وجعل الصحيح مقبولاً عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترقون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظاً، وبما وصفتم به أنفسكم ناهياً وآمراً.

قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ففي كل كتاب لعنتم، وبكل قبيح وصفتم، وعلى لسان كل رسول ذكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد، ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالي بالأصول، ونحن المؤمنون حقاً لا يداخلنا عيب، ولا يصيبنا غيب، القرآن علينا نزل وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت.

ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقية، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضرية، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها في المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشنا صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف.

إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون!

الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنية، إن عشنا فسعيداً، وإن متنا فشهيداً، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة؟ لا سمعاً لكم ولا طاعة، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء.

هذا كلام في نظمه تركيك وفي سلكه تسليك، ولو كشف الغطاء ونزل القضاء، لبان من أخطأ، أكفر بعد الإيمان ونقض بعد التبيان؟ قولوا لكاتبكم الذي رصف مقالته، وفخّم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء.

كتبتَ: سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لك هذا الخطاب، وسيأتيك الملك الناصر وبكتمر وعلاء الدين القيمري وساير أمراء الشام ينفرون الإيصال إلى جهنم وبئس المهاد، وضرب اللمم بالصماصم الحداد، وقل لهم: إذا كان لكم سماحة، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلى قراءة آيات وتلفيق حكايات، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أولاء في أواخر صفر موعدنا الرَسْتَن وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر والسلام.

دحر التتار في «عين جالوت»

خرج قطز على رأس الجيش لملاقاة التتار خارج مصر في «عين جالوت» بفلسطين، ورسم خطة المعركة الفاصلة مع صديقه البطل بيبرس، وفي يوم 25 رمضان 658 هـ/ 3 سبتمبر 1260م، وقعت المعركة الفاصلة؛ إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز هزيمة جيش التتار هزيمة مدوية؛ فكسر غرورهم وانتقم للمسلمين الذين استباح هولاكو دماءهم وممتلكاتهم في الإمارات التي اجتاحها جيش التتار ودمرها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة