الفراغ مشنقة الشباب.. فهل من منتحر؟!

محرر المنوعات

31 يوليو 2025

147

إذا ما نظرت إلى واقع الشباب اليوم وجدته متأرجحًا بين فشل متكرر، واكتئاب دائم، وأمل مفقود، وحزن ممتد، وإذا ما تحدثت إليهم عن المستقبل وجدته غامضًا في عقولهم، لا معالم له، ولا بصيص من النور يأتي من بعيد، حينها لا تسأل عن السبب، لأنهم ببساطة شديدة لن يجيبوك، فهم لا يدرون لماذا تغيرت حالهم، وضعفت همتهم، وقل جهدهم، واندثرت أحلامهم، واستكانوا للكسل الذي نهش عقولهم! لكن إذا اعتراك الفضول، وأردت أن تعرف من الذي تسبب في هذا الأمر المأسوي؛ فسل الفراغ!

سيخبرك أنه قتل نشاطهم، وأهدر وقتهم، وسلب أعمارهم، وضيّع طاعتهم، سيخبرك أنه السجن الذي ابتلع عقولهم، والمشنقة التي صُلب عليها أحلامهم؛ لذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الفراغ؛ حيث إنه نعمة ينخدع بها صاحبها، ولا يستغلها استغلالاً أمثل، مثلها كمثل الصحة التي نضيعها فيما لا ينفعنا، ففقال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».

نظرة الشريعة للفراغ

الشريعة الإسلامية تبغض الفراغ، وتحث على التخلص منه بكل الطرق؛ بالعمل، والجد، والعبادة، والتفكر، والتدبر، والقراءة، وحتى الأنشطة والتمارين الصحية، ذلك لأن الإسلام يعلم جيدًا خطورة هذه الآفة على الفرد والمجتمع.

وهذا الأمر ليس للمسلمين فحسب، بل كان أمراً لسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما أمره ربه قائلًا: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ {7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح)، والمتأمل في هذه الآية يجد أن الإسلام يحذر من الفراغ، فكلما انتهى المسلم من عمل ديني أو دنيوي؛ لا بد أن يلحق به عمل آخر، وأن يفر من الفراغ كما يفر من المصائب، فأكبر المصائب وأجلها تبدأ من الفراغ.


انظر أيضًا: العزلة الرقمية للشباب الكويتي.. حين تغيب العائلة ويحضر الهاتف


الكسل رفيق الفراغ.. كلاهما سُمّ

دائمًا ما يصاحب الفراغ الكسل، فلا يأت أي واحد منهما منفردًا، وإذا ذهب الكسل؛ غاب الفراغ، ذلك لأن الفراغ لا يأتي إلا للشاب الكسول الخمول، الذي يعجز عن استغلال وقته، ولا يشغله عمره الذي يضيع بلا فائدة؛ لذا كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الكسل كل يوم، فَعَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَم، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقَولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ» (رواه مسلم)، وقال: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك».

أثر الفراغ والكسل على الشباب

في أحضان الفراغ والكسل تولد آلاف الرذائل، وتختمر جراثيم الفناء، إذا كان العمل والجد رسالة الأحياء، فإن أولي الفراغ موتى، وإذا كانت دنيانا ما هي إلا غراساً لحياة أكبر، فإن الفارغين أحرى الناس أن يُحشروا مُفلسين يوم القيامة لا حصاد لهم إلا البوار والخسران.

فكم من ممدود الوقت يضطرب في هذه الدنيا بلا أمل يسعى له، ولا عمل يشغله، ولا رسالة يؤديها، ألهذا خُلقنا؟! كلا، فالله عز وجل يقول: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (المؤمنون)، فالفراغ يضيع الطاقات، ويضعف الإيمان، ويحرّف السلوك، ويضيّع الأخلاق، وما خاب رجاء أمة إلا لفراغ شبابها، وانشغالهم بالشهوات، وجلوسهم خلف الشاشات، فأصبحت فكرة الانتحار تراودهم، فلا هم راضون عن أنفسهم، ولا هم يأخذون خطوة للتغيير.


انظر أيضًا: 4 أسباب تجعلك تتوقف عن الندم


الوقت أمانة والفراغ خيانة

إن الوقت من الأمانات التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم» (صحيح).

والفراغ خيانة، لأنه منافٍ للأهداف التي خُلقت لأجلها، فمن استغل وقته بالعمل والجد فقد حفظ الأمانة، ومن شغل فراغه بالشهوات والمعاصي وحتى بالاكتئاب والسلبيات، فقد خانها، ولا وسط بين هذا وذاك، فالفراغ معركة إما تقتله، وإما يقتلك.

إذا أردت أن تنتصر في هذه المعركة، لتقف بين يدي الله مطمئنًا، حافظًا للأمانة، فعليك استحضار نية خالصة للعمل والجد، وأن تنظم يومك، وتدير وقتك ملتزمًا بصلاتك وذكرك وعبادتك، وأن تجعل قلبك معلقاً بالقرآن، وتُحسن اختيار صحبتك، وتراجع نفسك في نهاية كل يوم، ولا تجعل عملاً ينتهي إلا وتُلحق به آخر، فالوقت أثمن ما يمتلكه المسلم، واليوم الذي يمر لن يعود إلى يوم القيامة، واعلم أن الحياة لا تتسع لك ولفراغك، إما أنت، وإما هو، وويل لمن ترك دنياه لفراغه!


انظر أيضًا: إذا هـبَّت رياحك فاغتنمها.. فما تدري السكون متى يكون!


فاحذر أن تبيع وقتك للفراغ، وأن تسلم عقلك للكسل، واجعل من وقتك زادًا للآخرة، وابنِ مجدًا في الدنيا بالجد والعمل وطاعة الله، فالكسل يسرق الحاضر، والفراغ يقتل المستقبل، فلا تمنحهما فرصة لحسم المعركة.


 





___________________

1- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسمعيل البخاري.

2- الضياء المقدسي، صحاح الأحاديث فيما اتفق عليه أهل الحديث.

3- https://dorar.net/hadith/sharh/119789. 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة