لا تبكي على اللبن المسكوب
4 أسباب تجعلك تتوقف عن الندم

إذا كنت قد أضعت الكثير من الوقت، وتود أن يعود بك الزمان مرة أخرى..
إذا كنت كثير الندم على أشياء حدثت، وكلمات قيلت، وفرص أهدرت، وأحلام دمرت..
يؤسفني أن أخبرك أنك ما زلت تبكي على اللبن المسكوب.
في إحدى المدارس الإنجليزية أراد مدرس أن يعلم طلابه درسًا عن خطورة الندم والمبالغة فيه، فأحضر كوبًا زجاجيًا، ووضع بداخله اللبن، ثم كسر الكوب، فانسكب اللبن على الأرض، فطلب المدرس من طلابه أن يجمعوا اللبن المسكوب، فلم يحاولوا مجرد المحاولة لأنه من البدهي أن اللبن لا يمكن أن يعود للكوب، فلما تبين عجزهم عن أن يعيدوا الكوب واللبن كما كان.. حينها أخبرهم باستحالة حل المشكلة قائلًا "يا بني لا تبك على اللبن المسكوب"
لا تبك على الماضي، فتُضيع الحاضر والمستقبل، ولا تكن دائم النظر إلى الخلف، لأنك حتماً ستنكب على وجهك مع أول منزلق، لا تقف أمام الساعة تناشد عقاربها بأن تعود للوراء!
الندم نوعان
ندم مرغوب، وندم محظور، فالنوع الأول من التأنيب، رائع في مقصده، سام في هدفه ومنبعه، وفي هذا النوع يقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا" (صحيح البخاري).
فهذا النوع من الندم مطلوب، لأنه محفز للعمل. أما الندم المحظور فهو أن يؤنب الشخص نفسه على ما فات من حظوظ الدنيا، وشهواتها، فهذا النوع محظور، لأنه قاتل للنفس، مانع عن العمل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس من أحد إلا وهو يحزن، فالفرح والحزن المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز".
إليك 4 أسباب تجعلك تتوقف عن الندم المحظور:
الندم دليل على عدم الرضا بقضاء الله وقدره
قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 22-23).
عندما فسر أبو السعود هذه الآيات قال: أي أخبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا وزينتها، وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ أي: لا تفرحوا بما أعطاكم الله تعالى منها، ذلك لأن من علم أن كل شيء مقدر، فإنه يفوت ما يمكن فواته، ويأتي ما يمكن إتيانه، لا أن يعظم جزعه على ما فات، ولا فرحه بما هو آت، فالمؤمن لا يندم على الماضي، لأنه لو كان خيراً فهذا رائع، ولو كان غير ذلك فإنها خبرة.
لا يمكنك تغيير ما حدث، ولكن بإمكانك التحكم فيما هو آت
إن الكلمات التي ندمت على التحدث بها، والأشخاص الذين تأذيت من معرفتهم، والماضي الذي يقيدك بحبال الحسرة والندم، كلها أمور لا يمكنك تغييرها، لأنها حدثت بالفعل، وأصبحت في عداد الماضي، فهل ستزيد جروحك بطعنات الماضي، أم ستجبرها بفرص المستقبل؟
بإمكانك اليوم أن تنتقي كلماتك، وتفكر في أفعالك، وتتأنى في قراراتك، وتختار ما يناسبك، وتحول الدروس التي تعلمتها في الماضي إلى تطبيق واقعي يجعلك راضيًا عن نفسك، بدلًا من جلدها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٌّ خَيْرٌ، احْرِص عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَرُ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (رواه مسلم).
وفي شرح الحديث يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: "فإن لو" في هذه الحال تفتح عمل الشيطان، لأنها تنقص الإيمان بالقضاء والقدر، وتجعل الإنسان معترضًا، وتفتح عليه أبواب الحزن والهم. ولذا أمرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، بالحرص على الأمور النافعة، التي يمكن تحصيلها، لا تلك التي فاتت ولا نملك فيها من الأمر شيئا، والاستعانة بالله عليها، والرضا بما فات ولم ندركه.
الندم المحظور أقرب طريق لتدمير النفس
الندم والشعور بالذنب عبارة عن حالة انفعالية غالبًا ما تنتج عن مخالفة الضمير، والقيم، والمعتقدات.
والمبالغة في الندم تحوله إلى داء خطير، يفتكُ بالإنسان، ويضعه في حرب نفسية لا يقوى على تحملها، حربٍ يمكن أن تنقله إلى مرحلة اللاسيطرة، مسببة له الكثير من المشاكل، والقلق، والتوتر، والاكتئاب، حيث يعاني نحو 280 مليون شخص في العالم من الاكتئاب، ويزيد شيوع الاكتئاب بين النساء مقارنة بالرجال بنسبة 50% تقريباً، والمبالغة في الندم، وعدم القدرة على تخطيه من أهم أسباب الاكتئاب.
ولذا كان من دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن"، فاعلم أنك لو ندمت على الماضي، وخشيت المستقبل، لما تبقى لديك وقت لتعيشه الآن.
التميز والاختلاف عن الآخرين
قام المؤلف دانييل بينك في كتابه "قوة الندم" بإجراء استبيان الندم العالمي، وكانت المفاجأة الكبرى أن جميع دول العالم تعاني من الندم بنسب متقاربة، حيث وجه سؤالًا للناس عن الندم دون الاستخدام الصريح لهذه الكلمة، فسألهم: "كم مرة تنظر إلى الوراء في حياتك وتتمنى لو فعلت شيئًا مختلفًا؟"
ووجد الباحث أن 83٪ من سكان العالم يعانون من الندم!
فإن كانت هذه النسبة الكبيرة تعاني من الندم، فلماذا لا تكون مميزًا؟
لماذا لا تستفيد من ندمك وتحوله إلى طاقة إيجابية تدفعك إلى الأمام؟
لماذا تنظر إلى الخلف ومازال أمامك العديد من الفرص؟
ألم يحن الأوان لتكون مميزًا ومختلفًا عن الآخرين؟!
أغلق نوافذ الندم، قبل أن تغلق عليك أبواب السعادة والفرح، تخلص من القيود التي أثقلت خطواتك، وابدأ خطوة جديدة إلى الأمام، خطوة مليئة بالسلام النفسي، خالية من جلد الذات.
ونختم بمقولة ابن القيم: "قبل الندم.. اشتر نفسك اليوم، فإن السوق دائمة، والثمنُ موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع، يومٌ لا تصلُ فيه إلى قليلٍ ولا كثير، (ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ).. (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ).