المفكر المصري طلعت رميح لـ«المجتمع»: القاهرة لن تسمح ‏بأي عمل صهيوني عدائي

حسن القباني

21 سبتمبر 2025

37

يذهب المفكر المصري والخبير الإستراتيجي في الصراع العربي- الصهيوني طلعت رميح إلى قراءة مختلفة لمستقبل المنطقة العربية، رغم تصاعد العدوان الصهيوأمريكي وجرائم الإبادة الجماعية في غزة، متوقعاً قرب مرحلة مواجهة عربية- صهيونية أكبر، تستعد فيها القاهرة لأي عمل عدائي صهيوني.

ويرى رميح، في حوار لـ«المجتمع»، أن قمة الدوحة قدمت ما لديها في حدود الممكن، بينما ما زال في يديها أوراق أخرى كثيرة منها بسط مساحات جديدة للشعوب العربية للغضب ضد الكيان الصهيوني، مع السعي الدبلوماسي لطرد العدو من هيئة الأمم المتحدة، كما ثمّن أداء المقاومة الفلسطينية منذ انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، وصمود أهل غزة؛ ما أرهق الكيان الصهيوني، وعزله دولياً.

  • في البداية، كيف تقيم «قمة الدوحة»؟

- القمة، ليس فيها ما هو مفاجئ، فهذه حدود القدرة العربية والإسلامية في إطار التفكك العربي القائم وتراجع النظام الرسمي للعرب، ولكنها شكلت في ضوء الممكن غطاءً سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً لقطر، وأداة ضغط في صالحها، وليس مصادفة أن يتحدث مجرم الحرب نتنياهو في نفس التوقيت تقريباً أن الكيان الصهيوني سيعيش في حالة عزلة، هذه الحالة نتاج أمور كثيرة أهمها جرائم الإبادة الجماعية في غزة.

«قمة الدوحة» كانت في حدود الممكن وما زال لدينا أوراق كثيرة منها الأمم المتحدة

  • استخدام مصر وصف «العدو»، والخطاب العربي المرتفع، هل يمكن البناء عليهما؟

- نعم يمكن البناء عليهما، ويمكن قراءة الوصول إلى استخدم لفظ «العدو» كجزء من المناخ العام الحاكم في المنطقة، بعد استخدام الكيان الصهيوني للقوة العسكرية الغاشمة في قصف دولة في الخليج، وقصف دول أخرى متعددة في الإقليم، وفي إطار الإعداد والاستعداد لمواجهة التهجير، وذلك مرتبط بموقف مصر الذي أكدت مراراً فيه أنها ضد التهجير ولن يتم من البوابة المصرية أبداً، في خطاب يضع التهجير كعمل عدائي ضد القاهرة، لن تسمح به.

  • بتقديرك، ماذا تبقى من حيز متاح في يد الدول العربية لوقف تمدد جرائم نتنياهو؟

- ما تبقى مؤثر وكبير للغاية، ويجب ألا تنسى تجربة حرب مصر في أكتوبر 1973م، والقطع العربي للبترول، وإمكانات الدول العربية لعزل الكيان الصهيوني، ولهذا أتصور أن الشعار الأقوى الآن الذي يجب أن يرفعه العرب ويسعوا إليه هو طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة بناء على عدم التزامه بالمواثيق الدولية ولا القانون الدولي وخروجه عن كل مبادئ الأمم المتحدة، وعدم تعاونه مع هيئاتها، فضلاً عن ارتكاب جرائم إبادة، سبق دولياً لمن قام بها أن تم فرض العزلة الدولية عليه كما حدث مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا.

فلدينا أوراق كثيرة دون فكرة الحرب، ولكنها تحتاج إلى اتفاق وتوافق عربي.

  • الاعتراف العالمي المتوالي بالدولة الفلسطينية، هل مكسب جزئي للقضية، أم خسارة لفكرة الدولة الكاملة من البحر إلى النهر؟

- حتى الآن يجب أن نفرق بين الاعترافات الدولية الأولى والاعترافات الحالية.

في السابق، كانت المواقف الدولية مبنية على القرار الأممي بإنشاء دولتين، وداعمة بالأساس للحق الفلسطيني، لكن الآن، هناك بعض الدول تستخدم فكرة الاعتراف بفلسطين كتهديد للكيان الصهيوني.

ليس بإمكان القوة العسكرية أن تحسم معارك حضارية وهذه نقطة هزيمة هتلر ونتنياهو

بريطانيا على سبيل المثال، تتحدث عن أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في حال عدم وقف إطلاق النار أو حينما تشرع دولة الاحتلال في ارتكاب جريمة التهجير، وهناك دول أخرى تنطلق من تأثرها بالمواقف الشعبية الحرة في دولها، وبأن الكيان الصهيوني بدأ يوجه ضربات لمصالحها في المنطقة كما هي حال فرنسا في لبنان التي غضبت لمحاولة الكيان فرض الدور الأمريكي على لبنان كبديل عن الدور الفرنسي التاريخي في بيروت.

  • على نسق التأثير الشعبي الغربي، هل الشعوب العربية تحتاج من حكوماتها إلى إعطائها مساحات حضور أكبر في هذه الأوقات الفاصلة؟

- هذا هو المفترض والطبيعي، وكان دائماً في أوقات سابقة، من إحدى وسائل الضغط الحكومية العربية في وجه التصعيد الصهيوني وأداة استثمار في المحادثات مع باقي الأطراف الدولية، والآن من الأهمية بمكان أن تنتبه الحكومات العربية لهذا، في ظل الخطر الصهيوني الشديد المستند إلى دعم أمريكي غير مسبوق، وصل إلى زيارة من وزير الخارجية الأمريكية للمنطقة بعد العدوان على الدوحة، يتحدث فيها وكأنه لم يجر شيئاً في مياه الشرق الأوسط.

ومن المهم أن نفهم هنا أن توابع حجم التحرك الشعبي الغربي التي أسفرت عن ترسيخ وعي عال للغاية، وإدراك عميق بأصل ما يحدث ضد الشعب الفلسطيني، بما أدى وما زال إلى إنتاج مزاج عام دولي أكبر وأرسخ لصالح القضية الفلسطينية.

  • تتصاعد أصوات مختلفة في الكيان الصهيوني تنتقد نتنياهو وحكومته المتطرفة، هل يمكن التعويل عليها؟

- هذا تعبير عن تشققات داخل الكيان الصهيوني مرتبطة بالصراع والتخوفات الكبرى من قبل تيارات سياسية متعددة ترى أن نتنياهو يذهب بالكيان إلى نمط من الصراعات يفوق قدرة الكيان على التعامل مع هذه المعارك، ومن هنا يجب أن نفهم أن هؤلاء المعارضين يخافون على مصالح الكيان وبقائه فقط.

وفي الحقيقة، إن حديث نتنياهو عن تغيير كبير في الشرق الأوسط جاء عكس ما أراد، حيث أحدث تغييراً كبيراً في الشعور العربي الرسمي، الذي بدأ يتعاظم قلقه من الخطر الصهيوني وما ترتب على ذلك من خطابات غاضبة.

  • إلى أين يسير نتنياهو؟

- نتنياهو يسير على خطى هتلر، ليس بالمنطق الشائع من كونه قاتلاً ومجرماً، وحسب، ولكن كذلك من نفس منطلق هتلر الذي تبنى إستراتيجية عسكرية شاملة، تضم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والدبلوماسية والسياسية، وتصور أن بإمكان القوة العسكرية أن تحسم معارك حضارية.

منطقتنا تذهب إلى مرحلة خطيرة ومستقبل المقاومة الفلسطينية مرتبط بانتهاء الاحتلال

نتنياهو يكرر هذه التجربة الخطيرة التي لا يمكن أن تحدث تغييراً، وتتعارض مع طبيعة هذه المنطقة التي تمتلك طبيعة حضارية تمكنها من إعداد التجدد في حالة المعارك العسكرية، وبالتالي هو يكرر نفس خطأ هتلر وسينتهي إلى نفس نهايته.

  • مع قرب مرور عامين على معركة «طوفان الأقصى»، ماذا صنعت برأيك؟

- «طوفان الأقصى»، كانت أول معركة برية عسكرية تحدث على أرض فلسطينية بين المقاومة وجيش الاحتلال، وامتدت إلى عامين تقريباً، وهذا حدث غير مسبوق كشف عن وجود مقاومة تجسد جسارة لافتة في مواجهة كامل الجيش الصهيوني بكل أسلحته ما دون الأسلحة النووية.

لقد تمكنت المقاومة من إحداث اختراق إستراتيجي للكيان الصهيوني، تمثل في ضرب أهم مقومات الأمن الصهيوني التي قامت وما زالت على فكرة الحرب الوقائية وعلى تحقيق الأمن باستباق الضربات، واستطاع المقاومون قيادة المعركة والمناورة الإستراتيجية وتنويع التكتيكات، بينما وصل نتنياهو إلى أبعد مدى الذي لا يستطيع بعده أن يناور، وتورط إلى أبعد حد في كل الجرائم.

كما قدمت المقاومة نموذجاً ملهماً في الارتباط بين المقاوم والشعب، بما شكل سبيكة صمود، صنعت حاضنة شعبية عميقة للمقاومة، ولذلك فإن الاحتلال الصهيوني يخوض حرباً حقيقة ضد الشعب الفلسطيني المدني كعقاب له على احتضانه للمقاومين.

  • ما مستقبل المقاومة؟ وما تعليقك على دعوات نزع سلاحها؟

- إن مستقبل المقاومة هو مستقبل الشعب الفلسطيني، لأنها جزء من صيرورة الحالة الشعبية المتمسكة بالمواجهة والصراع مع العدو الصهيوني، والأمر هكذا ليس مرتبطاً بـ«حماس» أو «الجهاد» أو غيرهما فقط.

وفكرة أن ينزع محتل السلاح من مقاوم، لم تحدث من قبل، ولا يمكن أن يتم تمريرها.

المقاومة جسدت جسارة لافتة في مواجهة كامل الجيش الصهيوني بكل أسلحته عدا النووية

هم يريدون فرض الاستسلام بما يؤدي إلى نزع السلاح، ولكن بما أن المقاومة مستمرة طوال عامين يحرسها احتضان شعبي كبير، فلا يمكن نزع سلاحها، التي وصلت إلى تصنيعه وتعرف طرق الحصول عليه عبر تاريخها الممتد، ولو سرق العدو بندقية فهم قادرون على صناعة ألف بندقية.

  • ما مستقبل السلطة الفلسطينية برأيك؟

- السلطة الفلسطينية مرت بعدة مراحل، وهي الآن في المرحلة الأخيرة لها، والاحتلال بات يطلب رأسها حالياً، رغم كل الصمت الذي قدمته والتنسيق الأمني معه رغم العدوان المتكرر، لقد صدر حكم صهيوني نهائي بانتهاء وجودها.

  • ختاماً، أين تذهب المنطقة العربية في الأمد القريب؟

- أتصور أن ما خسرته المنطقة العربية مع بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني، سنشهد استعادة حالة عربية تعود بالمنطقة إلى مربع الصراع ومواجهة الاحتلال، ولذلك لا بد أن نشكر كل من قاد الأمور إلى هذا التصحيح المطلوب.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة