8 أخطار للقعود عن الجهاد في سبيل الله

حين تضعف القلوب عن نصرة الدين، وتتثاقل
الأقدام عن ميادين الجهاد؛ يفتح التاريخ صفحاته ليدوّن أسماء أقوامٍ حملوا الوزر
وتجرّعوا المذلة، لأنهم آثروا الراحة على التضحية، والخلود إلى الأرض على معانقة
السماء.
الجهاد ليس خيارًا يمكن التردد فيه، بل
هو صمام أمان الأمة الإسلامية، وحصن عزتها، وعنوان نهضتها، فإذا قصّر المسلمون في
أدائه تجرّعوا الهوان، وخسروا المكانة، وفاتهم الأجر العظيم.
فالقعود عن الجهاد بغير عذر شرعي ليس
مسألة فردية، بل جريمة حضارية ودينية، يتعدّى أثرها إلى الأمة كلها؛ إذ يُفسح
المجال للأعداء، ويقوي شوكتهم، ويزرع الوهن في صفوف المسلمين.
أخطار القعود عن الجهاد
وفيما يأتي بيان بعض الأخطار المترتبة
على القعود عن الجهاد، وآثاره على الدين والدنيا، حاضر الأمة ومستقبلها.
1- كره الله انبعاثهم:
أوضح الله تعالى أن القاعدين عن الجهاد
مكروهون عند ربهم، وأن وجودهم لن يزيد المجاهدين إلا ضعفاً وهواناً، حيث قال
تعالى: (وَلَوْ أَرَادُواْ
الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ
فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {46} لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم
مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة).
2- طبع الله على قلوبهم:
إن الله عز وجل طبع على قلوب القاعدين
المتخلفين، حيث قال تعالى: (وَإِذَا
أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ
اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ
الْقَاعِدِينَ {86} رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ) (التوبة).
3- التعرض لسخط الله وعذابه:
القعود عن الجهاد مع القدرة عليه من
أسباب نزول العقوبات العامة والخاصة، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ
لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي
الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ {38} إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة)، وقال عز وجل: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ
إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ
تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا
تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح: 16).
ففي الآيات السابقة وعيد شديد لمن ترك
الجهاد في سبيل الله، وروى الطبراني بسند حسنه الألباني عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ».
4- التشبه بالمنافقين:
أوضح الله تعالى أن من صفات المنافقين
أنهم يحرصون على القعود عن الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ
قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ
أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ {167} الَّذِينَ قَالُواْ
لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ
أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران).
بل إن المنافقين يفرحون بتقديم العلل
الواهية للقعود عن الجهاد، وقد توعدهم الله تعالى بعد أن كشف خبثهم، بقوله عز وجل:
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ
بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي
الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة:
81).
وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ
وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ
نِفَاقٍ».
5- الذل وتسلط الأعداء:
روى أبو داود في سننه عن ابن عمر، قال:
سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم
أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ
لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم»، فكأن ترك الجهاد فيه ابتعاد عن الدين، كما
أن تركه أحد أسباب المذلة وتسلط الأعداء.
6- الوقوع في الفتنة:
والمقصود بالفتنة التي يقع فيها القاعد
عن الجهاد أنه يخاف من الموت، ويرى أن نفسه أعظم من نفوس المجاهدين، بل إنه صلى
الله عليه وسلم خرج إلى الجهاد وقاتل الأعداء، فهل نفس القاعد هذا أعظم من نفسه
صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّن الله تعالى أن بعض القاعدين عن الجهاد قد يتعللون بالخوف من الوقوع في الفتنة، كما تعلل بعض المنافقين عن الخروج
مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة «تبوك» زعماً منهم بأنهم خائفون من الوقوع في
فتنة النظر إلى بنات الروم والافتتان بهم، وقد أوضح الله تعالى حالهم، وكشف خبث
نفوسهم في قوله عز وجل: (وَمِنْهُمْ
مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (التوبة: 49).
7- تداعي الأمم على المسلمين واستباحة حرماتهم:
يؤدي القعود عن الجهاد إلى شعور الأمم
الكافرة والطامعة في المسلمين بأن الأمة الإسلامية ضعيفة وهزيلة، وبالتالي يسهل
الاعتداء عليهم واستباحة أرضهم وانتهاك حرماتهم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من
ذلك، ففي مسند أحمد عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ
أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ
عَلَى قَصْعَتِهَا»، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا
يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ
السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي
قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ
الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
8- انتشار الفساد والظلم:
يسهم الجهاد في الدفاع عن المظلومين
ومواجهة المجرمين والمنحرفين، ولذلك فإن القعود عنه يفسح المجال للطغاة والمحتلين
لأن يعيثوا في الأرض فساداً، ولهذا حث الله تعالى على مقاتلتهم حتى لا ينتشر ظلمهم
ولا تكون فتنة، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ
حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (الأنفال: 39).
اقرأ أيضاً:
وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ