10 صور للتضامن مع المجاهدين

لم يكن التضامن مع المجاهدين مسألة
عاطفية عابرة، وإنما هو واجب شرعي، دلّت عليه نصوص الوحي، ورسّخته التجربة
الإسلامية عبر القرون، فالمجاهدون يحملون عن الأمة عبئًا ثقيلاً، ويذودون عن
حياضها بأرواحهم وأموالهم؛ ما يجعل الوقوف إلى جانبهم واجبًا عامًا تتقاسمه الأمة
كلها.
وقد جاء الشرع الحنيف ببيان صور متعددة
لهذا التضامن، ويتبين ذلك فيما يأتي:
1- الاهتمام بهم ومتابعة أخبارهم:
المجاهدون هم الجزء الأسمى من جسد الأمة
الإسلامية، فالاهتمام بهم يعني العناية والرعاية لأسمى عضو في الجسم، ففي صحيح
مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ
وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ
سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وأخرج الطبراني عَنْ حُذَيْفَةَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ».
2- الدعاء لهم بالنصر والتمكين:
وعد الله تعالى من يستغيث به من أجل
الجهاد في سبيله أن يستجيب له ويمده بمدده، حيث قال عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)
(الأنفال: 9)، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصر الله المجاهدين،
ففي صحيح البخاري عن عَبْداللهِ بْن أَبِي أَوْفَى قال: دَعَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ «الْأَحْزَابِ» عَلَى الْمُشْرِكِينَ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمِ
الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».
كما أن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب
مستجابة، فكيف لو كان مجاهداً في سبيل الله، ففي صحيح مسلم أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ
لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ
كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ
وَلَكَ بِمِثْلٍ».
3- الاستعداد وإعلان الجاهزية للمشاركة بالنفس في الجهاد:
لا يظن أحد أنه معذور في ترك الجهاد إذا
لم يستعد وينو أنه إذا تيسر له الجهاد فإنه لن يتأخر لحظة واحدة، فإذا كانت هناك
موانع حدودية أو صعوبات سياسية أو أمنية؛ فإن هذا لا يعفي كل مسلم من الاستعداد
واستحضار النية بصدق، مع التغلب على كل الأعذار، فالله عز وجل يقول: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا
وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) (التوبة: 41).
4- الدعم بكل أشكاله وصوره قدر الطاقة:
لقد أمر الله تعالى بإعداد القوة في
مواجهة الأعداء على قدر الاستطاعة، حيث قال عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا
تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا
تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، فهذه القوة تشمل كل قوة تخدم المجاهدين
وتعينهم على عدوهم، سواء كانت قوة مالية أم عسكرية أو سياسية أم إعلامية أم غيرها،
فهذا كله يدخل ضمن تجهيز الجيش المقاتل وإعانته، وهذا يسهم في تحصيل أجر الجهاد
وثوابه، ففي صحيح البخاري ومسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا
فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا».
5- رعاية أسر المجاهدين وأبنائهم:
إذا كان المجاهد في الميدان يحصل أجر
الجهاد لاستطاعته أن يقوم هناك؛ فإنه قد ترك أهله وأبناءه دون عائل أو كافل؛ لذا
فإن الذي منعه المانع من القيام في الميدان لا يمنعه من رعاية وكفالة أسرة هذا
المجاهد، وذلك حتى يطمئن المجاهد على أهله، وحتى يحصل المعذور أجر الجهاد من خلال
الكفالة والرعاية، ففي صحيح البخاري ومسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«مَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
6- التقليل من الملذات مراعاة لهم:
يتضامن المسلم مع المجاهدين بأن يحاول بل
يمارس معيشتهم، فلا يتركهم في الميادين جوعى وعطشى ثم هو يأكل ويشرب أشهى الأطعمة
وألذ الأشربة، بل الواجب عليه أن يحرص على مجرد الكفاف من الطعام والشراب، ثم
يجاهد ببقية ماله إعانة ونصرة لهم.
ففي سير «أعلام النبلاء» يؤكد الذهبي عن
عبدالله بن المبارك أنه كان يقتصد في نفقاته الشخصية، ويوجّه ما فضل منها للجهاد
في سبيل الله(1)، وعن مُحَمَّدُ بْنُ مُنَاذِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي
مَعَ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ فَانْقَطَعَ شِسْعِي فَخَلَعَ نَعْلَهُ، فَقُلْتُ:
مَا تَصَنْعُ؟ قَالَ: أُوَاسِيكَ فِي الْحَفَاءِ(2).
7- التأييد الإعلامي ونشر الحقائق المتعلقة بهم:
أصبح الإعلام قوة ضاربة في العصر الحديث،
فهو يشكل قوة معنوية ومادية، ويساعد في تصوير الحقائق ونشرها، وإن الأعداء
يستخدمونه في تزوير الحقائق وتلفيق التهم للمجاهدين، من أجل تشويه صورتهم وتأليب
العالم ضدهم؛ لذا كان من الواجب على كل مسلم يستخدم الإعلام بأي صورة من الصور أن
يحرص على تأييد إخوانه من المجاهدين، ونشر الحقائق المتعلقة بهم، وذلك من أجل نشر
قضيتهم، وكسب التعاطف العالمي لحفظ حقوقهم، ومواجهة الزيف والافتراءات المزعومة
عنهم، وهذا من الجهاد بالكلمة.
ففي صحيح البخاري، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ -أَوْ
هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ»، وفي مسند أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ،
وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ، وَأَيْدِيكُمْ».
8- مواساتهم مادياً ومعنوياً:
يحرص المسلم على مواساة أخيه عند
الشدائد، فما بالنا بالمجاهد، الذي قد يفقد أباه أو ابنه أو حتى عضواً من جسده،
فضلاً عن أن يفقد صديقه أو قائده أو جندياً يعمل معه؟! إنها لحظات صادمة، تحتاج
إلى مواساة وتعزية، بل قد تحتاج إلى إعانة مادية لتعويض الخسائر ومداواة الجرحى
ودفن الموتى وإعادة الإعمار، فهذه كلها مظاهر تحتاج إلى المساواة، بل تفرضها، كما
أن من صور المواساة أن نحرص على رفع روحهم المعنوية، من خلال بث الأمل في نفوسهم
وإظهار الفرح ببطولاتهم.
9- نشر سير الشهداء والمرابطين:
يسهم توثيق مشاهد البطولة وحكايتها في
حسن تربية هذا الجيل من خلال تجسيد صور الجهاد وتعظيم المجاهدين، كما يسهم في
إحياء القدوة الحسنة ونشرها من أجل تربية الأجيال على حب الجهاد في سبيل الله
والتضحية من أجل هذا الدين وتحرير الأوطان.
10- مقاطعة الأعداء:
وسيلة تضامنية فعالة، تحتاج إلى نظر
وتخطيط، حتى تكون سلاحاً في مواجهة العدو، هذه المقاطعة تبدأ بالاقتصاد، وتتسع حتى
تشمل السياسة والاجتماع والتعليم والإعلام وغيرها من شؤون الحياة، حتى يشعر العدو
أنه محاصر في كل شيء، وأن أحداً لا يعينه على قتل المجاهدين أو إهدار حقوقهم، كما
تعد المقاطعة وسيلة من وسائل التعاون بين المسلمين، فقد أمر الله تعالى به في قوله
تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:
2).
________________
(1) سير أعلام النبلاء (8/ 386).
(2) مكارم الأخلاق: ابن أبي الدنيا، ص
94.