هل تعرف ما تغرسه الدراما في شخصية ابنك المراهق؟

شيماء أحمد

13 أغسطس 2025

165

نعيش عصر الشاشات؛ تلك التي يستغرق الشباب فيها أعمارهم دونما هوادة، وتعد الدراما المقدمة عبر المسلسلات والأفلام واحدة من أكثر عناصر التشويق التي تجتذب المشاهدين عالميًا وعربيًا، ولهذا تقدم عادة بمصاحبة حملات إعلانية ضخمة تستغل هذا الزخم لصالح السوق، هذه السوق تهمها أن ترضي ما يطلبه الجمهور، وعادة يتجه لخلطة «التابوهات»؛ العنف والجنس والحرام، وهنا يكمن الخطر الكامن في إعادة برمجة عقول الفئة الأكثر هشاشة واضطراباً؛ وهم المراهقون.

تعد نظرية «الغرس الثقافي» مدخلًا مهماً لفهم تلك العلاقة التي تتحكم فيها الدراما بإدراك المشاهدين، وقد وضعها عالم الاتصال البارز جورج جاربنر، وتفترض أن التعرض الطويل والمتكرر لوسائل الإعلام (خاصة التلفزيون) يمكن أن يؤدي إلى غرس مفاهيم واتجاهات معينة في عقل المشاهد تؤثر على وعيه، وفهمه للعالم ومعتقداته وسلوكه الاجتماعي والسياسي.

ومن جانب آخر، يمارس الإعلان والإعلام دوراً خطيراً في تقديم صورة غير واقعية عن الحياة، والسعادة؛ ما يزيد من شعور المشاهد بعقدة النقص، ويبدل من مفهوم الرضا والسعادة داخله (إعلانات التجمعات السكنية الراقية والسيارات وأماكن التسوق التي تعطي معنى رأسمالياً للسعادة وتغرس ثقافة الاستهلاك وربط المكانة بما نمتلكه من «براندات»).

يرى العالم جربنر كذلك أن الناس الذين يشاهدون الكثير من التلفزيون يظنون عالمهم أكثر عنفاً وخطراً، وهو ما يمكن أن يؤدي دوراً في نشوء القلق والخوف المفرط والانعزال الاجتماعي.

توجيه العقول

تؤكد د. سماح عبدالله، في كتابها «القيم الاجتماعية في الدراما التلفزيونية»، هيمنة وسائل الإعلام على عقول الجماهير من خلال بث أيديولوجيا يتم حقنها وتنتج شخصيات زائفة وفريسة، أو ما وصفه ميلز بالتلاعب بالجماهير، وما أكده هابرماس منتقداً ملء عقول الجماهير بالأشياء الدونية مثل الجنس والفضائح وأسلوب حياة المشاهير ومغامراتهم، بعيداً عن واقع الناس.

لقد ثبت من الدراسات كيف أن المسلسلات الأمريكية والأوروبية عبر «نتفليكس»، مثلاً، والمنصات الحديثة، كانت بوابة لتسويق قيم الشذوذ والانحراف والخروج على نمط الأسرة وتعاطي المخدرات وغيرها من أبواب هدم الإنسان العربي.


«فات الميعاد».. مرآة الدراما والعنف الأسري | مجلة المجتمع
«فات الميعاد».. مرآة الدراما والعنف الأسري | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


التطبيع في الدراما

لدور الإعلام الخطير في توجيه المشاهدين، أصبحت أغلب دول العالم تركز على الإعلام والدراما تحديداً في بناء قواها الناعمة والصور الذهنية حولها، ويبرز مثال أمريكا عالمياً، وتركيا إقليمياً، إلى جانب كثير من دول العالم العربي.

لو تأملنا الرسائل السياسية في الدراما، سنرى كيف انتشرت مؤخرًا مسلسلات تبرز التعايش بين أبطالها المسلمين واليهود تحديدًا، وهذا بالتزامن مع حرب الإبادة الصهيونية والتهجير المستعرة ضد الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، التي تعد جزءًا من هيكلة الشرق الأوسط وتغيير عقيدة شبابه لمسخ أمريكي يجري العمل على تطبيع العقول معه باسم الديانة الإبراهيمية.

في المسلسلات المشار إليها التي تصاعدت موجة انتقادات لها؛ نجد التركيز على تصوير الشخصية الفلسطينية بشكل إما مفرط في سذاجته، وإما خبيث ماكر، بينما تبدو شخصية اليهودي أكثر عقلانية وميلاً للتسامح!


الدراما الإسلامية.. وهم أم حقيقة؟ | مجلة المجتمع
الدراما الإسلامية.. وهم أم حقيقة؟ | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


نمط «البلطجي الجدع»!

واحدة أخرى من الأزمات التي ترسبها الدراما في عقل وشخصية المراهقين تحديداً هي تلك المتعلقة بنمط الخارج عن القانون، الذي عادة يعيش في منطقة شعبية، ويصبح مثالاً لصورة «البلطجي الجدع» الذي يستند الجميع إلى قوته للحصول على حقوقهم المهدرة أمام بطش تجار السوق والعصابات، هذه الصورة مكرسة في نماذج كثيرة حديثة من الدراما المصرية، فنرى مسلسلات كــ«الأسطورة» لمحمد رمضان، و«فهد البطل» لأحمد العوضي، وصولًا لدراما السينما التي يبرز منها مؤخرًا فيلم «أولاد رزق» على سبيل المثال، أو بـ«100 وش» حيث نضحك مع العصابة التي تنصب على البسطاء قبل أن تنال عقابها كالعادة في الحلقة الأخيرة.

والمشكلة ليست فقط في تكريس هذا النمط من الخارجين على القانون، الذين هم بالتأكيد ضحايا سابقون لمظالم اجتماعية، لكن في بث الواقع المترع بالتدني والإسفاف اللفظي والعنف البدني والعلاقات المحرمة والإيحاءات الجسدية، وهو ما يعيدنا من جديد للدور الذي يجب أن تؤديه الدراما في الترويج للعنف لا التصدي له.

يتحدث د. محرز غالي، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، عن هذا الأمر في دراسة تثبت العلاقة بين التعرض لمشاهد العنف في الدراما، وكثير من الممارسات الإجرامية كحوادث البلطجة والسرقات والاغتصاب.

مرآة المجتمع

تظهر الأحداث الدرامية التي تناولتها مسلسلات خليجية مؤخراً معالم تدهور صور التضامن الأسري والتضامن الاجتماعي بصفة عامة، وطغت عليها ملامح صراع المصالح الفردية الأنانية الضيقة.

وينتقد الخبراء ومنهم د. خالد الزدجالي صاحب دراسة مهمة عن أنماط الحياة الاجتماعية الخليجية في الدراما التلفزيونية، غياب تمثيل الشخصيات من جيل كبار السن أو الشيوخ حاملي القيم التقليدية في المجتمع الشرقي.

في المقابل، سنرى دراما حقيقية تحمل قضايا، منها عربياً «طاش ما طاش» وحسها الفكاهي في مناقشة قضايا مجتمعية كالدروس الخصوصية والعمالة الأجنبية، أو مسلسل «ساق البامبو»؛ حيث نرى تأثيرات عودة البطل من أم فلبينية وأب كويتي لجذوره، أو مسلسل من عينة «تحت الوصاية» عن المرأة المعيلة في مصر.

تبرز الأزمة حين تضخم الدراما من النماذج السلبية؛ وفي كتابه «الدراما التلفزيونية وأثرها المجتمعي» لحيدر الكعبي، يشير لتنميط صورة المتدين المضطرب معرفياً وسلوكياً، والمرأة والرجل المتحررين من القيود الأخلاقية (مثال مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» الذي تعرض لهجوم نقدي شديد في مصر)، وهو ما يشوه من إدراك النشء لمسؤولياتهم الأخلاقية، ويبرز ذلك بشدة مع المسلسلات المدبلجة عن التركية والهندية التي تحمل طابعاً رومانسياً يفضله الشباب والنساء عموماً، لكن تسود فيه أنماط التفكك الأسري والتحرر القيمي.

وعلى النقيض، تؤدي الدراما الأسرية دوراً هادفاً شديد القيمة والأهمية في المجتمع وفي بناء النشء بشكل إبداعي يحمل طابع السخرية والتشويق؛ ففي مصر كان مسلسل «عائلة ونيس» للفنان محمد صبحي وتعرض لما تواجهه الأسرة المعاصرة من تحديات، وهو ما فعلته أفلام أيضاً ومنها «بيت الروبي» عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي المدمر في حياتنا.


خطيب المنبر في الأعمال الفنية.. رؤية نقدية | مجلة المجتمع
خطيب المنبر في الأعمال الفنية.. رؤية نقدية | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


دراما بناء الإنسان

يرى جورج براندت أن الدراما الجيدة تتوقف مصداقيتها في قدرتها على سرد الأحداث بشكل مبدع ضمن وظيفة الحكي، وأحياناً تبث قيماً أخلاقية وتقود للبصيرة في العلاقات الاجتماعية والشخصية.

لقد حان الوقت لميثاق شرف تضعه مؤسسات الإعلام والدراما حول الإطار العام للحوار الدرامي بما لا يسوّق للألفاظ السوقية والأغاني الشعبية الركيكة والمسيئة للذوق العام، في وسيلة تدخل كل بيت وهي التلفزيون.

وبحيث يجري البحث عن الورق الجيد من إبداع المؤلفين المخضرمين ومن الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة التي تحمل مضموناً فنياً وإنسانياً، بعيداً عن إعادة إنتاج التفاهة الخالية من المضمون، أو تسويق صورة النصاب والمجرم كبطل مغامرات، وبعيداً عن تكريس الصراع والجشع وتجاهل تزكية جوانب الخير في النفس.

ولأن الدراما لم تكن يومًا مجرد تسلية، علينا أن نصاحب أبناءنا فيما يشاهدونه، ولا نتركهم لعزلة دائمة مع شاشة تزيدهم عزلة واغتراباً عنا وعن أنفسهم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة