من حفلات الضياع إلى أناشيد التوبة..

كيف يصنع الشباب موسيقى إسلامية معاصرة؟

أميرة زكي

17 ديسمبر 2025

44

وسط زحمة الألحان التي انهالت على الشباب لتغرق آذانهم في الفراغ والإغراء، برز صوت جديد يحمل رسالة مقاومة لهذا التيار المخادع، ليس النشيد الإسلامي التقليدي الذي يتردد في المساجد فقط، بل موسيقى إسلامية معاصرة تجمع بين الإيقاعات الجذابة والحداثة، لتتنافس مع أغاني المهرجانات والبوب العالمي.

هذا هو «فن المقاومة»، كما يسميه الفنانون الشباب، الذين يبنون وعيًا أخلاقيًا متجددًا عبر كلمات هادفة تلامس نبض الشارع، ووفق الضوابط الشرعية.

تجارب مؤثرة

تجربة الشاب المصري فارس حميدة أيقظت ضجة كبيرة في عالم شباب المهرجانات المصرية، حيث قاده فكره إلى طريق الفن الهادف والملتزم بالشريعة الغراء؛ فقبل سنوات، كان فارس يغرد في حفلات الزحمة والأضواء المبهرة وانساق مع تيار المهرجانات التي تشيع تياراً من استحسان سوء الخلق وتخلق ألفة مع أفكار مثل المخدرات والبلطجة، بل وعقوق الوالدين، لكنه اعتزل ذلك العالم فجأة خوفاً من أن يموت على حال لا ترضي الله كما صرح بنفسه، قائلاً: إنه شعر أن ما يفعله لا يرضي الله، خاصة بعدما شعر بلذة القرب من الله في جلسة اعتكاف بأحد المساجد.

واليوم، ترك نجم المهرجانات التي حققت ملايين المشاهدات والأرباح، عالماً شعر فيه أن روحه مسروقة، وأصبح يغني للتوبة والطالب المجتهد في طلب العلم وللمرأة الصالحة بأصوات عصرية تجذب ملايين المشاهدات على «يوتيوب».

انتقل حميدة من حفلات النوادي إلى جلسات الوعي، وأصبح رمزًا للتحول الإيجابي في أوساط الشباب.

ليس فارس وحده، حمود الخضر، الفنان الخليجي الشاب، قدم تجربة أخرى ناجحة، غنى تتر برنامج «خواطر الشهير» مع أحمد الشقيري، وأدى أناشيد عصرية عن القرآن والصلاة بإيقاعات هادئة معاصرة، معتبراً أن الهدف ليس الترفيه فقط، بل بناء الروح.

كما غنى الخضر عن قيم مثل التسامح، والصداقة، والامتنان للحياة، كما في ألبوم «ماذا بعد».

وفي قائمة المنتجات الفنية للخضر، وجد الشباب من يشعر بما ينقصهم، ويحاول ترجمة ذلك إلى أغنية تختار العنصر الإيجابي في عالم يغلب عليه الطابع السلبي، ولفت إلى أنه نوى ذلك منذ أن كان في المرحلة الثانوية متأثراً بالمنشد سامي يوسف.

سامي يوسف

سامي يوسف من أوائل المنشدين الذين حركوا المياه الراكدة، وقد أسهم في إطلاق ثورة في الفن الإسلامي بإنتاج كليبات مبهرة وجذابة تدعو إلى العودة إلى الله على إيقاعات عصرية.

يوسف فنان البريطاني ذو أصل أذربيجاني، حول الأنشودة إلى رسالة عالمية تنساب بلغات متعددة، فتعانقت فيها الروحانية والوعي.

انطلق نجمه عالمياً بإطلاق ألبومه الأول «المعلم» (2003م)، الذي مزج بين الإيقاع الديني والألحان الشعبية، ليكون –كما وصفته وسائل الإعلام– «صوت الشباب المسلم الحديث»، ثم جاء ألبومه الثاني «أمتي» (2005م) تأكيداً على هذه الرسالة، متناولاً هموم الأمة بإيقاع أعمق، ليحقق مبيعات خيالية.

لم يكتف يوسف بتلحين الأغاني، بل حوّلها إلى حوار روحي وإنساني، تتجلى هذه الرسالة في أغنيته الأيقونية «حسبي ربي»، التي جالت بكلماتها وألحانها الآسرة أرجاء العالم، ثم تأتي أغنيتا «محمد» و«حرة» لتكونا صرخة دفاع عن القيم والهوية بأنقى أشكالها.

قدم الفنان البريطاني في ألبومه «بدونك» (2009م) وغيره من الأعمال، رؤية فنية تتسامى عن الحدود، فباع أكثر من 34 مليون ألبوم، وأدخله تأثيره البارز قائمة أهم مغنين مسلمين في بريطانيا، حسب تصنيف مجلة «تايم».

بهذه الروح، يظل يوسف أحد أبرز من حولوا الفن الإسلامي الهادف إلى لغة عالمية، ينصت لها الجميع، فيجدون فيها سكن القلب، وصوتاً للإيمان والكرامة.

الفن لخدمة العلم

حاول بعض المعلمين استغلال تأثر الشباب بالأغاني لخدمة طلابهم عبر المشاركة في إنتاج أغاني تحفيزية لطلب علم والاجتهاد في المذاكرة مثل محمد صلاح، المدرس الموهوب، الذي أسهم في صنع ألحان هادفة يؤديها فارس حميدة نفسه.

وبنفس الطريقة استغل د. محمد أيمن موهبة المنشد وقارئ القرآن إسلام صبحي لإنتاج أنشودة «تمسك بحلمك» لشحن طاقة طلابه الذين يدرسهم مادة الأحياء ورفع معنوياتهم، خاصة في فترات الامتحانات.

تحمل كلمات الأنشودة رسائل إيجابية قوية تحث الطلاب على عدم اليأس، والثقة بالنفس، ومواصلة السعي لتحقيق أحلامهم رغم الصعوبات والظروف.

ولاقت الأنشودة رواجاً كبيراً بين الطلاب وحققت مشاهدات عالية على منصات مثل «يوتيوب» و«فيسبوك»، حيث اعتبرها الكثيرون مصدر إلهام لهم في رحلتهم الدراسية.

الدعوة بالفن

يقول أسامة جاد، أحد أعضاء فرقة «الوعد» الإسلامية للإنشاد: الفن الهادف لا يقل أثراً عن الدعوة عبر الخطب والمحاضرات والكتب، بل قد يكون أشد أثراً وأسهل لدخول القلوب، ومع انتشار الأغاني المحبطة والمهرجانات الهدامة وغيرها من المنتجات الفنية التي تبث الفساد في عقول الناس، وجب علينا دعم البدائل الهادفة، وتقديم فن إسلامي يواكب العصر ويقترب من قلوب الناس دون أن يتنازل عن الثوابت.

يقول جاد، خلال حديثه لـ«المجتمع»: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا حسان بن ثابت لاستخدام شعره في خدمة الدعوة، وقد كان الشعر حينها من أقوى وسائل الإعلام، ونحن الآن نحاول تقفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم بتسخير الفن لخدمة الدين.

هذه التجارب ليست مصادفة

في عصر الخوارزميات، حيث يعتمد هؤلاء على وسائل التواصل للوصول إلى الشباب؛ والنتيجة وعي فني يجدد الأخلاق دون إملال، وجمهور يفضل الإيقاع الذي يرفع الروح على الذي يسقطها، هل هذا بداية ثورة فنية إسلامية؟ الشارع يقول: نعم، والأرقام تثبت ذلك.

يُثبت فن المقاومة أن الشباب قادرون على قلب الموازين، حيث يحولون إيقاعات الشارع إلى أناشيد تُعيد بناء النفوس وتُقاوم سموم الفراغ.

إنها دعوة لكل مبدع؛ انضموا إلى هذه الثورة الهادئة، فالألحان الإيجابية ليست مجرد فن، بل سلاح في سبيل الله يصل إلى ملايين القلوب قبل الأرواح، غداً قد يصبح هذا الصوت المهيمن إذا دعمناه بالتوجيه والانتشار.



اقرأ أيضاً:

أغاني «المهرجانات».. فوضى ضد الإبداع

«أغاني المهرجانات».. بين التغيُّر السوسيولوجي والمسؤولية الأخلاقية!

مآلات تعلق المراهقين بالأغاني الأجنبية.. «البوب الكوري» نموذجاً

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة