زواج بلا حدود يضع السعوديين في خطر

في فضاء «تويتر»
السعودي، لم يهدأ الجدل مؤخراً حول قضيةٍ تمسّ بنية المجتمع، وهي فكرة الزواج من
أجنبية.
النقاش بدأ
بهاشتاغ تصدّر الترند في منتصف سبتمبر الماضي، لكنه يتجدد من وقتها ليعيد النقاش
حول الفكرة ذاتها بعيداً عن الإجراءات، فكرة الحفاظ على البنية القبلية، بوصفها
معتقداً راسخاً لدى بعض القبائل السعودية التي هي أساس المجتمع.
الهاشتاج وما
بعده، حمل آلاف التغريدات بين مؤيد يرى فيه حلاً لانسداد الأفق أمام الشباب،
ومعارض يخشى على هوية الأسرة السعودية من التبدّل والانصهار.
الأزمة في أرقام
الأرقام تكشف
جانبًا من عمق الأزمة، فبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، بلغ عدد
حالات الزواج من غير السعوديات نحو 20 ألف حالة خلال عام 2022م، بزيادة تقارب 15%
عن العام الذي سبقه.
هذه الأرقام،
المنشورة في تقرير رسمي صدر في 20 يناير 2023م، تؤكد أن القضية لم تعد استثناءً، وإنما
واقع آخذ في التوسع.
وفيما يرى بعض
الشباب أن الارتباط بأجنبية قد يخفف تكاليف الزواج الباهظة داخل المجتمع المحلي،
يحذر باحثون اجتماعيون من أن الانفتاح غير المدروس قد يخلّف آثارًا على استقرار
الأسرة، وعلى البنية الاجتماعية الممتدة التي تقوم عليها العائلة الخليجية.
في المقابل،
يؤكد الخبراء أن هناك أسباباً دفعت الشباب السعودي لهذا السلوك، منها ارتفاع
تكاليف الزواج في الداخل، من مهر ومصاريف حفلات وتجهيزات، وهو ما يجعل بعض الشباب
يفكر في بدائل، منها الزواج من خارج الحدود.
ورغم اعترافهم
بثقل تلك الأسباب وكونها دافعاً كبيراً لتفكير الشباب السعودي في الزواج من
أجنبية، فإنهم يحذرون من عواقب هذا العمل، لافتين إلى أنه قد يغيّر من شكل الثقافة
الأسرية، خصوصًا في تربية الأبناء، ويستشهدون ببعض الحالات لأسر خاضت هذه التجربة
وواجهت تحديات في اللغة، وفي نقل العادات والتقاليد، وفي تربية الأبناء في بيئتين
مختلفتين، وهو ما ينعكس على هوية الجيل الجديد.
أرقام صادمة
على مستوى
الزواج المحلي في المملكة، تظهر التقارير الرسمية أن تكاليف الزواج داخل السعودية
ارتفعت بنسبة 28% خلال 5 سنوات، وفق مسح نشرته الهيئة العامة للإحصاء في 25 مايو
2024م.
هذه الزيادة
جعلت متوسط مهر العروس السعودية يصل إلى ما يقارب 100 ألف ريال في بعض المدن
الكبرى، وهو رقم يصفه ناشطون بأنه «عائق أمام تكوين الأسر»، في المقابل، يؤكد
مؤيدو الزواج من أجنبية أن المهر خارج المملكة قد يكون أقل بمرات؛ ما يفسر الإقبال
المتزايد على هذا النوع من الزيجات.
نتائج دراسة
حديثة تناولت اتجاهات أفراد المجتمع السعودي نحو زواج السعوديين بغيرهم، أظهرت أن
النسبة المئوية الموزونة لاتجاه السعوديين بالزواج من خارج بلادهم بلغت نحو
64.80%.
من الأسباب التي
كشفتها الدراسة، التي أعدها د. محمد التوم، في جامعة الإمام محمد بن سعود، كان
ارتفاع تكاليف الزواج، فضلاً عن فشل الزواج السابق بين سعوديي الجنسية، محذرة من
أن تزايد عدد حالات الزواج من غير سعوديين في السنوات الأخيرة ربما يتسبب في مسألة
تغير النسيج الاجتماعي والثقافي لدى الأسرة السعودية.
ضوابط حكومية
وزارة الداخلية
السعودية ما زالت تضع ضوابط دقيقة لهذه الزيجات، منها: ألا يقل عمر السعودي عن 35
عامًا، وأن يثبت عدم زواجه من سعودية، وأن تكون الأجنبية من دولة معينة مرخصة.
هذه الضوابط،
المنشورة رسميًا على موقع الوزارة، تعكس محاولة الدولة لتحقيق توازن بين الحرية
الفردية وحماية النسيج الاجتماعي، لكن مع ارتفاع أعداد الطلبات، يبقى السؤال: هل
سيعاد النظر في هذه الضوابط مستقبلًا؟
بين التأييد والمعارضة
في وسائل
التواصل، يظهر الانقسام بوضوح: فريق أول يرفع شعار «الزواج من أجنبية حق شخصي»،
ويرى أن القوانين يجب أن تواكب متغيرات العصر، وفريق آخر يعتبر أن هذه الظاهرة «تهدد
الفتيات السعوديات بالعنوسة»، ويطالب بوضع قيود أشد.
وغرد إعلامي
سعودي شهير، في حسابه على منصة «إكس» قائلاً: «القضية ليست مالية فقط، بل تتعلق
بالهوية الوطنية والانسجام الثقافي للأسرة»، وحازت تغريدته أكثر من 12 ألف إعادة
نشر.
لكن بعض الردود
حملت لوماً، مؤكدة أنه وفي زمن الحريات، وعولمة وسائل التواصل للدرجة التي صار
معها العالم كله كأنه قرية صغيرة يعرف بعضها بعضاً، يجب ألا تقيد حرية الشباب
السعودي، معتبراً ذلك انغلاقاً في زمن الانفتاح.
القضية إذن ليست
مجرد أوراق رسمية أو هاشتاغ عابر؛ إنها مرآة لمعادلة اجتماعية شائكة بين اقتصاد
يضغط على الشباب، وهوية تبحث عن الاستقرار، وعالم مفتوح على خيارات بلا حدود.
ويبقى السؤال
مطروحًا على طاولة كل أسرة وكل صانع قرار: هل يصبح الزواج من أجنبية حلًا واقعيًا
لمعضلة اجتماعية واقتصادية؟ أم أنه صار باباً لمشكلات أعمق قد لا تُدرك إلا بعد
فوات الأوان؟
اقرأ
أيضاً:
جيل خليجي
يختار العزوف عن الزواج!