خيارات المقاومة في ضوء استئناف الحرب الصهيونية على غزة

د. إياد القرا

17 أبريل 2025

134

مع عودة التصعيد «الإسرائيلي» واستئناف الحرب على قطاع غزة، تدخل المقاومة الفلسطينية مرحلة جديدة شديدة التعقيد، تُحتّم عليها مراجعة خياراتها الإستراتيجية بعناية في ظل معطيات متغيرة سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا.

فقد أثبتت التجربة على مدار أكثر من عام ونصف عام من المواجهة أن المقاومة، بمفهومها الشامل، لا تزال قادرة على فرض كلفة عالية على الاحتلال، سواء على المستوى الميداني أو الأمني أو الاقتصادي أو النفسي داخل الجبهة الداخلية «الإسرائيلية».

ومع أن الخيارات أمام المقاومة قد تبدو صعبة ومحفوفة بالأخطار، فإنها تملك من الأدوات والخبرة والمرونة ما يمكنها من إدارة المرحلة القادمة بوعي وتكتيك متقدم، خاصة مع استمرار الاحتلال في نهجه العدواني، وسعيه لكسر الإرادة الفلسطينية عبر استهداف البنية القتالية والبنية المجتمعية في آن واحد.


الصراع الداخلي ودوره في زعزعة الكيان الصهيوني |  مجلة المجتمع الكويتية
الصراع الداخلي ودوره في زعزعة الكيان الصهيوني | مجلة المجتمع الكويتية
الصراع بين اليهود الشرقيين والغربيين ليس وليد العص...
mugtama.com
×


أولًا: واقع المواجهة ما بعد عام ونصف عام من الحرب:

خاضت المقاومة الفلسطينية واحدة من أطول المواجهات وأكثرها تعقيدًا مع الاحتلال «الإسرائيلي» منذ 7 أكتوبر 2023م، خاضت فيها حرب استنزاف متعددة الأوجه، وفي هذه الحرب، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة، فإن المقاومة نجحت في:

- إرباك الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» بشكل غير مسبوق.

- إسقاط هيبة الجيش الصهيوني في عدة محاور.

- إثبات وجود بنية تحتية عسكرية لا تزال تعمل رغم القصف والتدمير.

- تعرية الموقف الدولي من ازدواجيته أمام المجازر والانتهاكات.

لكن الحرب لم تتوقف بعد، والمشهد لا يوحي باقتراب تسوية دائمة، وهو ما يفرض على المقاومة قراءة دقيقة للمرحلة المقبلة.

ثانيًا: أهداف الاحتلال من استئناف الحرب:

يبدو أن الاحتلال، بقيادة حكومة نتنياهو المتطرفة، لا يسعى فقط إلى استعادة أسراه أو فرض تهدئة وفق شروطه، بل يتجه نحو أهداف أبعد، تتمثل في:

- محاولة إنهاء البنية العسكرية للمقاومة، خاصة «حماس»، عبر الضربات المركّزة على الأنفاق والقادة الميدانيين.

- طرح ملف نزع السلاح ضمن شروط التهدئة، في محاولة لتفكيك مشروع المقاومة من جذوره.

- ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال تعميق الكارثة الإنسانية.

- فرض ترتيبات سياسية في غزة تُقصي المقاومة وتُعيد صياغة المشهد الأمني والمدني.

وهذه الأهداف تضع المقاومة أمام خيارات معقدة، تتراوح بين المواجهة المفتوحة أو المناورة السياسية دون تفريط.

ثالثًا: خيارات المقاومة في مواجهة الاحتلال:

1– المواجهة الشاملة المفتوحة:

هذا الخيار يعني العودة إلى القتال الميداني بشكل مكثّف، عبر:

- استئناف إطلاق الصواريخ على العمق «الإسرائيلي».

- استخدام الأنفاق الهجومية في استهداف قواعد ومواقع الاحتلال.

- توسيع رقعة الاشتباك الميداني في أكثر من محور داخل القطاع.

- تنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو.

ورغم الكلفة العالية لهذا الخيار، فإن المقاومة أثبتت أنها لم تُهزم عسكريًا، وأن ما تم تدميره لا يتجاوز 30–40% من قدراتها، خاصة في مجال الأنفاق.

لكنّ هذا السيناريو يواجه تحديات كبيرة أبرزها:

- الوضع الإنساني المتدهور داخل غزة.

- الحاجة لإعادة التموضع وملء الفراغات الميدانية بعد استشهاد عدد من القادة.

- الضغوط الدولية ومحاولات احتواء التصعيد.

2- المناورة السياسية مع الحفاظ على السلاح:

وهو خيار يتمثل في التعاطي الإيجابي مع بعض المبادرات التفاوضية، دون تقديم تنازلات إستراتيجية، خصوصًا فيما يتعلق بالسلاح.

يمكن للمقاومة هنا أن:

- توافق على تهدئة محدودة أو مؤقتة، مشروطة بوقف العدوان ورفع الحصار.

- تضمن الحفاظ على سلاحها دون أن تُظهر استخدامه علنيًا.

- تُعطي مساحة للجهود الدولية والعربية، مع الحفاظ على حالة التأهب.

هذا الخيار يُمكّن المقاومة من إعادة ترتيب الصفوف، وتثبيت إنجازاتها، دون الانجرار إلى معارك غير متكافئة في ظل الظروف الإنسانية الصعبة.

3- قبول إدارة مدنية غير مقاومة لغزة:

أعلن أكثر من مرة، وعلى لسان قادة فلسطينيين وعرب، مؤخرًا بعض المبادرات الدولية التي تطرح تشكيل إدارة مدنية لغزة لا ترتبط بالمقاومة، برعاية أطراف إقليمية أو بتمويل دولي.

وفي حال قُدّمت هذه الطروحات كحل إنساني، فقد تجد المقاومة نفسها أمام معادلة شديدة الحساسية؛ عدم الانخراط علنًا، دون القبول بالتهميش.

هذا الخيار يحمل أخطاراً واضحة، أبرزها:

- تجويف المقاومة سياسيًا وإعلاميًا.

- فقدان السيطرة على المشهد الأمني تدريجيًا.

- خلق نموذج بديل هش، يعيد غزة إلى ما قبل عام 2006م.

لذلك، إن اختارت المقاومة التعامل مع هذه الفرضية، فعليها أن تضع خطوطًا حمراء واضحة، أبرزها عدم المساس بالسلاح، وحق المقاومة، ورفض أي إدارة تكون مدخلًا للوصاية أو نزع القرار.

4- خيار الهدنة الطويلة دون تفكيك السلاح:

طرحت بعض القوى الدولية سيناريو هدنة طويلة الأمد (5 – 10 سنوات)، مقابل وقف العمليات العسكرية، وفتح المعابر، وبدء الإعمار، دون شروط معلنة بشأن السلاح.

هذا السيناريو قد يُعرض كفرصة إنسانية لإنقاذ ما تبقى من البنية التحتية، وإعادة الحياة للقطاع.

لكنّه يحمل تحديات مركبة:

- إمكانية تحوّل الهدنة الطويلة إلى إغلاق سياسي نهائي.

- أخطار تخفيض الجاهزية الميدانية للمقاومة بفعل الاسترخاء.

- إمكانية استخدام الاحتلال الهدنة لإعادة التموضع والتخطيط لمرحلة لاحقة أكثر خطورة.

إذا ما قبلت المقاومة بهذا السيناريو، فعليها أن تحتفظ بجاهزيتها القتالية الكاملة، وتستثمر الهدوء في تطوير بنيتها العسكرية.

5- الضمانات التي تطالب بها المقاومة:

في ظل التجربة الطويلة مع الاحتلال، باتت المقاومة تطالب بضمانات واضحة لأي اتفاق، سواء كان تهدئة، أو صفقة تبادل، أو ترتيبًا سياسيًا، ومن بين هذه الضمانات:

- وقف شامل للعدوان، لا مجرد تهدئة هشّة.

- عدم العودة للحرب بعد تسليم الأسرى.

- رفع الحصار بالكامل وفتح المعابر دون تحكم سياسي.

- عدم المساس بالسلاح تحت أي غطاء إنساني أو اقتصادي.

هذه الضمانات ليست ترفًا سياسيًا، بل أساس لحماية دماء الشعب الفلسطيني، وإنجازاته، وثقة الجماهير في مشروع المقاومة.

6- السيناريو الأرجح.. عض الأصابع:

في المرحلة الحالية، يبدو أن المقاومة تتجه إلى خيار عض الأصابع؛ أي الصمود على موقفها، وإجبار الاحتلال على التراجع التدريجي عبر الضغط السياسي والميداني المتزامن.

حيث نتنياهو يريد رأس المقاومة، إما بالسلاح أو بالعزلة الشعبية، لكن الواقع يثبت أن المقاومة لا تزال متماسكة، وتتمتع بحاضنة قوية، وتُدير معركة التفاوض دون خسارة أوراقها.

المقاومة الفلسطينية أمام مرحلة معقدة، لكنها ليست بلا خيارات، ما بين التصعيد الكامل، أو المناورة السياسية، أو القبول بتسوية تكتيكية، تملك المقاومة أوراقًا كثيرة، وتاريخًا من الصمود، وتجربة ميدانية تؤهلها لإدارة التحدي لا الخضوع له.

لذلك المطلوب اليوم هو إدارة المعركة بالعقل قبل البندقية، وبالثبات قبل التصعيد، دون التفريط بالثوابت أو الانزلاق نحو التنازلات.

وفي النهاية، تبقى المقاومة هي الأمل المتبقي لشعب يبحث عن كرامة، وعن وطن لا يُختصر في هدنة أو ممر إنساني، بل في مشروع تحرير كامل لا يُقطع الطريق عليه بالمفاوضات.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة