طلب العلم.. عبادة باقية وأثر ممتد

يُعد طلب العلم
في الإسلام من أعظم القُرَب وأشرف الطاعات، وهو عبادة ترفع صاحبها درجات في الدنيا
والآخرة، فقد رفع الله شأن العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء، وقرن شهادتهم بشهادته
وشهادة ملائكته، كما قال تعالى: (شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ) (آل عمران: 18).
فالعلم نور يهدي
المسلم في ظلمات الحياة، ويعينه على فهم دينه، والتمييز بين الحق والباطل، والخير
والشر، وهو السبيل إلى النهضة الحضارية والريادة الإنسانية.
العلم عبادة وقُربة
طلب العلم في
الإسلام عبادة إذا صلحت فيه النية، وقد دلَّ على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
«مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة» (رواه مسلم).
فالعلم طريق
موصل إلى رضوان الله، وهو مفتاح لفهم سائر العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، إذ لا تصح عبادة إلا بالعلم، ومن هنا قال الإمام أحمد: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى
الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج
إليه بعدد الأنفاس.
رفعة العلم لصاحبه في الدنيا
العلم يرفع
مكانة المسلم بين الناس، ويمنحه احترامًا في مجتمعه، مصداقًا لقوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11).
فالمجتمع بحاجة
إلى العلماء في الفقه والدين، كما هو بحاجة إلى العلماء في الطب والهندسة وسائر
العلوم النافعة، والعلماء هم مرجع الأمة في الأزمات، والميزان الذي يُرجع إليه عند
الفتن والمستجدات.
ثمرة العلم في الآخرة
أجر طالب العلم
لا يقتصر على الدنيا، بل يمتد إلى الآخرة حيث يُثاب أضعافًا مضاعفة، قال النبي صلى
الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها
وحتى الحوت، ليصلون على معلّم الناس الخير» (رواه الترمذي).
فالمعلّم وطالب
العلم ينالان دعاء الملائكة والمخلوقات، وهذه منزلة عظيمة لا تُنال إلا بالعلم
النافع.
العلم يحفظ المسلم من الانحراف
الجاهل عرضة
للوقوع في الشبهات والشهوات، بينما العلم يحصّن صاحبه ويجعله واعيًا بخطوات
الشيطان، قال تعالى: (قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9).
فلا يستوي عالم
يعرف الحق ويتمسك به مع جاهل يتخبط في ظلمات الضلال؛ ولذا قال ابن القيم: العلم
للقلب مثل الماء للسمك، إذا فارقه مات.
العلم سبيل إلى الإصلاح والنهضة
لا تقوم حضارة
ولا تنهض أمة بغير العلم، فهو الذي يصنع التقدم في المجالات العسكرية والاقتصادية
والسياسية والتقنية، وقد أمر الإسلام بالعلم منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ) (العلق: 1).
فالقراءة والبحث
والمعرفة كانت مفتاح الرسالة الإسلامية؛ ما يدل على أن الإسلام دين علم ومدنية، لا
جهل وانغلاق.
ثمرات طلب العلم العملية
من ثمرات العلم
في حياة المسلم ما يلي:
1- تصحيح
العبادة: فلا تصح الصلاة ولا الزكاة إلا بمعرفة أحكامها.
2- بناء الشخصية
الواعية: فالمتعلم يدرك أبعاد ما يجري حوله، ولا ينخدع بالشعارات.
3- الإسهام في
خدمة المجتمع: عبر تعليم الآخرين ونشر الخير بينهم.
4- الاستقرار
النفسي: إذ إن العلم يورث اليقين، ويطرد الشكوك والوساوس.
5- إحياء السنن
ومحاربة البدع: فطالب العلم يميز بين الصحيح والضعيف، وبين المشروع والمبتدع.
6- كسب الأجر
المستمر: لأن تعليم العلم من الصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها بعد الموت.
مسؤولية الأمة تجاه العلم
واجب الأمة
الإسلامية اليوم أن تعيد الاعتبار للعلم، فتجمع بين علوم الشريعة التي تحفظ الدين،
وعلوم الدنيا التي تبني القوة والمنعة، كما يجب دعم العلماء والمفكرين، وإيجاد
مؤسسات تعليمية قوية، حتى تستعيد الأمة موقعها الريادي، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (متفق عليه).
فهذا الحديث
دليل على أن أعظم علامات الخير للأمة وللفرد هو الفقه في الدين والعلم النافع.
طلب العلم ليس
خيارًا ثانويًا في حياة المسلم، بل ضرورة دينية ودنيوية، به تُبنى العقول وتُحفظ
العقائد وتُصان المجتمعات، وإذا كان الجهل سببًا في التخلف والانقسام والضياع، فإن
العلم سبيل إلى القوة والوحدة والعزة؛ ولذا كان شعار الأمة المسلمة على مر العصور:
«العلم أساس النهضة، ونور الهداية، ووسيلة السعادة في الدنيا والآخرة».