المداومة على الطاعات في مواسم الخيرات

المسلم مطالب بالواجبات والفرائض منذ تكليفه اليقين وحتى يلقى ربه، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99).

وهو في مسيرته في هذه الحياة مكلف بالقيام بالعبادات والمسارعة في الصالحات مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال حسب جهده وطاقته إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وهو في سعيه هذا يجب أن يكون حريصًا على أداء ما افترضه الله عليه في أحسن صورة وعلى أكمل وجه.


الفتور الموسمي بعد رمضان.. 3 مفاتح للمصابرة والمثابرة |  مجلة المجتمع الكويتية
الفتور الموسمي بعد رمضان.. 3 مفاتح للمصابرة والمثابرة | مجلة المجتمع الكويتية
عندما يكون الكلام على التهيؤ لمواسم الخيرات والطاع...
mugtama.com
×


والعبادات في ديننا تتنوع وتتعدد، ومنها ما له اتصال بالله، ومنها ما فيها تعامل مع عباد الله، ولهذه العبادات أوجه في كيفياتها وطريقة أدائها ولبعضها مواسم ومواقيت وأماكن، وفي كل هذا التنوع يظهر عظمة شرع الله وروعته وجماله ونيل مقاصده.

وبعض المواسم الزمنية تتميز بعبادات مخصوصة وبأجواء إيمانية وروحانيه خاصة، بل تتعداها إلى أن تصنع مناخاً من السكينة والطمأنينة والراحة، وتعد فرصاً استثمارية عظيمة، للفرد والمجتمع، يُظهر فيها المواساة والرحمة بين المسلمين، كما يعلو فيها إيمانهم وحسن تعاملهم وسمو أخلاقهم.

ولا شك أن تنوع العبادات وتعدد مواسم الخيرات نعم جليلة من نعم الله تعالى، إذ هي فرص استثمارية لكل من يرغب في غفران زلاته ورفعة درجاته ويسعى للقرب من الرحمن والفوز بالجنان، والله تعالى يقول لنا في كتابه الكريم: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133).

وهذه المواسم لو أحسن العبد المسلم استثمارها فإنها ستزوده بزاد كبير من الطاقة الإيمانية التي تعينه على الاستمرار والمثابرة على الصالحات، لكننا في واقع الحياة نلاحظ أن بعضاً من المسلمين تتقلب أحواله بعد هذه المواسم، فتجده يعود إلى ما اعتاده قبلها من تقصير في أداء الصلوات والقيام بالعبادات، وإضاعة الأوقات، بل قد يرجع إلى المنكرات ويتنكب الصراط المستقيم فيغترف من بحر الشهوات ويغرق في يم الشبهات.

ونتحدث هنا عن أسباب هذه الانتكاسة بعد مواسم الطاعات، ثم نذكر أمورًا تعين على المعالجة وتساعد على الاستمرار والمداومة على الطاعات بعد مواسم الخيرات.

أولاً: الأسباب:

1- الفهم الخاطئ في التعامل مع هذه المواسم؛ إذ بعض الناس في تصوره أن العبادة تخصها دون غيرها من الأزمنة، فكأنه مثلاً يعبد رمضان لا رب رمضان.

2- عدم الاستثمار الحقيقي لتلك المواسم والاكتفاء بالطقوس الشكلية فيها دون تغيير عميق على مستوى القلب والقيم والأخلاق، والله تعالى يقول: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ) (الرعد: 11)، والنتيجة أن تتحول هذه المواسم إلى بروتوكولات فيها عادات وتقاليد دون عمق وروح تحيي القلوب والعقول.

3- لا شك أن لتلك المواسم نفحاتها وبركاتها وأجواؤها المميزة، والمسلم ليس في كل أحواله على وتيره واحدة، لكن هذا لا يعنى أن يترك نفسه على هواها وينقض ما بناه في تلك المواسم، والله يحذرنا من هذا فيقول: (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا) (النحل: 92)، فمن أهم الأسباب لعدم الاستمرار بعد مواسم الخيرات اتباع الهوى والركون إلى الدعة وعدم الاستمرار في مجاهد النفس.

4- الرجوع إلى العادات القبيحة مثل إضاعة الأوقات والسهر الزائد عن الحاجة، ومشاهدة ما لا يرضى الله سبحانه والصحبة السيئة وغيرها.

5- عدم وضع برنامج للطاعات ومتابعته وترك الأمور تسير دون بوصلة أو تخطيط، عندها يجد الشيطان منافذه وتدخل الشهوات من أوسع الأبواب.

ثانياً: وقفات علاجية:

1- التوجه الصادق إلى الله تعالى، وطلب العون منه وحسن التوكل عليه، فنحن في زمن الفتن والثبات على الحق أمر ليس باليسير، والأمر كله لله والقلوب بيده سبحانه يقلبها كما يشاء، وقد علمنا نبينا صلى الله عليه سلم أن نكثر من الدعاء بالثبات.

2- أن يستعيذ المسلم بالله من الخذلان ومن الانتكاس بعد الاستقامة ويجدد توبته وأوبته إلى ربه في كل حين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا) (التحريم: 8).

متذكراً أنه ينال بهذا محبة الله ورضوانه، فالله يقول في كتابه الكريم: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ) (البقرة: 222).

3- من الأمور التي تعين على الاستمرار في الطاعات كثرة قراءه كتاب الله تعالى، فيجعل له ورداً يومياً من القرآن متدبراً متأملاً فيه، فيكون له زاد يعينه على المداومة على العبادة.

4- الإكثار من ذكر الله تعالى فهو مفتاح لكل خير، مع ما في الذكر من استحضار مقام الله تعالى مما يدفعه للبعد عن المعاصي واجتنابها.

5- الحرص على الصلوات في أوقاتها، فهي أفضل الأعمال، فضلاً عن أنها تعين على ترتيب الأوقات وتبعد عن الشهوات، قال تعالى: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ) (العنكبوت: 45).

6- الصحبة الصالحة، فإن الرفقة الطبية ومصاحبة الأخيار تعين على السير في درب الصلاح والإصلاح.

7- متابعة المسلم لأعماله أوقاته مع محاسبة يومية لنفسه حتى لا تهيم في وديان الغفلة ثم تقيمه لحاله والسعي للتقويم دون بطء ولا تسويف.

8- الصبر والتصبر، فإن الطريق طويل، وأبواب الشهوات في هذا العصر مفتوحة على مصرعيها، لذا لا بد من الصبر على كل العقبات والنتائج المشرقة تأتي بعد تعب ومشقة، والله تعالى يقول: (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ) البقرة 45).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة