أمعاء خاوية وضمائر نائمة.. غزة تتضور جوعاً

إياد القطراوي

21 يوليو 2025

185

تعيش غزة اليوم حالة إنسانية صعبة جداً، حيث تفاقمت أزمة الغذاء إلى حد المجاعة، في ظل حرب مستمرة منذ أكتوبر 2023م؛ أثرت بشكل مباشر على البنية التحتية، والإمداد، والقدرة على الوصول إلى الغذاء والماء والدواء.

لقد بات الخبز حلماً، والماء النظيف رفاهية، والوجبة الكاملة نادرة كهدنة دائمة، ليس من قبيل المبالغة القول: إن سكان غزة يعيشون مجاعة حقيقية، وإن سياسة التجويع الصهيونية لم تعد وسيلة ضغط، بل أصبحت أداة حرب ممنهجة، تهدف إلى سحق صمود هذا الشعب، وكسر شوكته، بعد أن استعصى على الكسر بالسلاح والنار.

الحرب المستمرة على غزة منذ نحو 22 شهراً، فاقمت الوضع الإنساني إلى مستويات كارثية، إذ شددت دولة الاحتلال الصهيوني حصارها على غزة، فأغلقت المعابر، وقطعت المساعدات والإمدادات الغذائية وعلى رأسها الطحين، ومنعت المؤسسات الدولية من العمل بحرية، وشيطنت وكالة الغوث الدولية، ودمرت البنية التحتية، وقصفت مخازن الغذاء، والتكيات والمخابز، والأسواق ومحطات المياه ليعيش 2.3 مليون فلسطيني تحت مقصلة جوع لم يحدث له مثيل في تاريخ البشرية، على وقع صمت دولي وخذلان عربي وتحت مرأى ومسمع العالم الظالم.

جريمة الحصار والتجويع.. ممارسة جاهلية تتجدد في ظل الصهيونية المعاصرة! |  Mugtama
جريمة الحصار والتجويع.. ممارسة جاهلية تتجدد في ظل الصهيونية المعاصرة! | Mugtama
الحصار في اللغة: من الحصر، قال ابن فارس: الحاء وال...
mugtama.com
×

سياسة تجويع.. الأسباب الحقيقية

- الحصار والقيود على الإمدادات: فالحصار الصهيوني المشدد على غزة، إلى جانب القيود المصرية على معبر رفح، قلّل بشكل كبير من دخول المواد الغذائية والطبية، حتى المساعدات الإنسانية كانت تصل بوتيرة بطيئة، وتتعرض أحياناً للنهب أو التأخير بسبب الوضع الأمني.

- تدمير الأراضي الزراعية والمرافق الحيوية: إن استهداف المناطق الزراعية ومرافق تخزين المواد الغذائية، والمخابز والأسواق التي تم تدمير العديد منها كلياً أو جزئياً؛ أدى إلى انقطاع الخبز وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وانعدام الإنتاج المحلي.

غزة تحتضر وتتجه نحو كارثة إنسانية شاملة وغير مسبوقة.. جراء الإجرام الصهيوني

- النزوح الجماعي وانهيار الأسواق: لقد أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 80% من سكان غزة من منازلهم؛ ما ساهم في تفكيك الأنشطة الاقتصادية والأسواق المحلية، وأصبح من الصعب تداول الغذاء حتى لو توفر.

- منع إدخال الوقود: وهو عصب الحياة لتشغيل المخابز والمستشفيات، وتستخدمه دولة الاحتلال كعقوبة جماعية تضرب بها صميم الحياة اليومية للمدنيين، وتستهدف أبسط مقومات البقاء.

- استهداف الشاحنات والمستودعات التي تحتوي على مواد إغاثية: والهدف من ذلك تعميق الجوع، ومحاصرة الجوعى والمرضى وتركهم بلا طعام ودواء، وإغلاق أبواب الأمل أمامهم.

- غياب الحوكمة والرقابة: لقد أدى الانهيار التام في منظومة الحكم والإدارة المحلية، وصعوبة التنسيق بين الجهات الإغاثية والسلطات على الأرض إلى ضعف توزيع الغذاء والموارد على السكان، كما أدى غياب الرقابة والمتابعة من قبل وزارة الاقتصاد إلى احتكار التجار للسلع الأساسية، ورفع أسعارها بشكل خيالي وجنوني حد من قدرة المواطنين على شرائها.

أرقام وإحصاءات صادمة

غزة تحتضر، وتتجه نحو كارثة إنسانية شاملة وغير مسبوقة، حيث تشير التقارير الأممية والمنظمات الدولية والميدانية والصحية إلى:

- أن سكان غزّة دخلوا المرحلة الخامسة من مؤشر المجاعة؛ وهي المرحلة الأشدّ والأخطر؛ حيث لا طعام، ولا ماء، ولا قدرة على البقاء؛ ما يعني موت الناس جوعاً.

- أن جميع سكان قطاع غزة باتوا يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، وأكثر من مليون شخص يواجهون خطر المجاعة.

- وفاة 73 طفلاً جراء سوء التغذية الحاد جراء المجاعة، و620 مدنياً على الأقل، نتيجة الجوع ونقص الرعاية الطبية.

أكثر ما يوجع أهل غزة ليس فقط القصف والجوع.. بل هذا الخذلان العربي العميق!

- وفاة عشرات الرضع بسبب انعدام الحليب والماء، في حين أن أكثر من 5800 طفل يعانون من سوء تغذية حاد وهم عرضة للموت في أي لحظة.

- 1 من كل 10 أطفال تم فحصهم من أصل 242 ألفاً يعاني من سوء تغذية، فيما أكثر من 600 ألف طفل في خطر جسيم.

- 1 من كل 3 أشخاص لا يأكل لعدة أيام متتالية.

- 995 مدنياً استشهدوا في سلسلة مجازر أثناء انتظار المساعدات الغذائية أمام مراكز توزيع المساعدات الإجرامية.

- أن سعر كيلو الدقيق في السوق السوداء بلغ نحو 50 دولاراً، نتيجة الحصار وانعدام التوريد!

نتائج وتداعيات كارثية

- وفاة المدنيين جوعاً: فقد تم توثيق حالات وفاة بسبب الجوع، وهو مؤشر خطير على دخول القطاع في مرحلة «المجاعة الكاملة»، بحسب التصنيفات الدولية.

- انتشار سوء التغذية الحاد خاصة بين الأطفال: حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن آلاف الأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية الحاد؛ ما يعرّض حياتهم للخطر.

- انهيار الصحة العامة: مع الجوع يأتي الضعف المناعي؛ ما يؤدي إلى تفشي الأمراض، خصوصاً بين النازحين الذين يعيشون في ظروف غير صحية.

- إضعاف دور المنظمات الدولية: لصرفها عن دورها المنوط بها في إغاثة المواطنين، وتقديم المساعدات الطارئة لهم، من خلال منعها من ممارسة دورها، وتحييد قدرتها على توفير الإغاثة عبر المعابر المغلقة، التي تتحكم فيها دولة الاحتلال.

وفي المقابل، تُصدر هذه المنظمات تقارير متكررة عن انهيار الأمن الغذائي، لكن من دون أدوات ضغط حقيقية على الاحتلال؛ أي توصيف للمأساة لا حلها.

الصمت العربي.. الغياب القاتل

ربما أكثر ما يوجع أهل غزة، ليس فقط القصف والجوع، بل هذا الخذلان العربي العميق، فالغائب الأكبر عن هذه المأساة هو الضمير العربي الرسمي، ذلك الضمير الذي اعتاد الغياب في لحظات الحق، وتوارى خلف جدران الصمت حين كان الصوت فرضاً، وكأنّ الدم الفلسطيني لم يعد كافياً لاستفزاز وإيقاظ ضميرهم.

تجويع غزة.. وصمت المسلمين! |  Mugtama
تجويع غزة.. وصمت المسلمين! | Mugtama
غزة لا تجوع وحدها، بل تجوع معها نخوتنا وكرامتنا وواجباتنا الشرعية.. غزة تستغيث.. أفلا نجيب؟
mugtama.com
×

استمرار هذا الوضع جريمة أخلاقية وإنسانية تتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي

لقد واجه العرب هذه المجاعة في غزة بصمت مريب من بعض الأنظمة، وبيانات شجب باهتة، وبعضها الآخر منخرط في التطبيع والانشغال بحسابات إقليمية ضيقة، بينما يتجاهل مشهد أطفال يبحثون عن الفتات في الأنقاض.

غزة اليوم تُترك لتجوع، وتُقصف، وتُدمّر، بينما العواصم العربية منشغلة بمعارك إعلامية أو اقتصادية لا مكان فيها لفلسطين، بل إن بعض الأنظمة شاركت ضمنياً في تشديد الحصار، سواء عبر إغلاق المعابر أو التضييق على دخول المساعدات.

حتى التحركات الشعبية في بعض الدول يتم قمعها أو احتواؤها، شعوبٌ غاضبة، نعم، لكن الإرادة مسلوبة، والتضامن الفعلي لا يتجاوز منشوراً على منصة تواصل؛ ما يزيد من شعور أهل غزة بأنهم محاصرون من البحر والبر والخذلان.

التواطؤ الدولي.. وازدواجية المعايير

في مواجهة هذا الواقع الكارثي، يلوذ المجتمع الدولي بالصمت، بل بالتواطؤ، مؤتمرات تُعقد، وتقارير تُكتب، لكن لا ضغط حقيقياً يُمارس على الاحتلال لوقف سياساته التجويعية.

المعابر التي يجب أن تكون شرايين حياة، تُغلق ويتم التحكم بها عبر صفقات سياسية ومواقف مزدوجة المعايير، أما المنظمات الإغاثية، فإنها تُمنع من ممارسة دورها وتُقيد حركتها، بينما تزداد أرقام الجوعى والمشردين.

ومنذ بداية الحرب لم يتحرك المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية تكتفي ببيانات التحذير، لكنها لم تستطع الضغط على دولة الاحتلال أو تفرض عقوبات عليها، ولم تستخدم نفوذها في جبر الاحتلال على فتح المعابر أو وقف منع المساعدات.

إن استمرار هذا الوضع يمثل جريمة أخلاقية وإنسانية، تتطلب تحركاً عاجلاً وفعالاً من المجتمع الدولي لوقف الكارثة وتفادي المزيد من الوفيات بين الأبرياء، وعليه فالمطلوب عالمياً ودولياً وفورياً العمل على وقف إطلاق نار فوري وإنساني لتمكين دخول المساعدات، وفتح المعابر بشكل دائم أمام الإغاثة الإنسانية، ووقف سياسة التجويع، ومحاسبة المسؤولين عن تفشي المجاعة عبر الآليات القضائية الدولية.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة