كرامة النساء.. و«قذف سيدات النصر»!

في زمن باتت فيه
وسائل التواصل الاجتماعي ساحة عاكسة للقيم والانحرافات معاً، برز ترند «#قذف_سيدات_النصر»
في المملكة العربية السعودية خلال الأيام الماضية كحدث مفصلي دق أجراس التنبيه إلى
خطورة المساس بالعرض والكرامة، باعتبارهما من أقدس ما حفظه الإسلام، رغم أن أساس
النقاش فيه لم يكن أخلاقياً أو شرعياً.
بدأت قصة «الترند»
بتعليقات لـ3 إعلاميين، ومسؤولين في أندية منافسة، تضمنت تلميحات مسيئة وغير
أخلاقية بشأن سيدات النادي المنافس، وهو ما اعتبره المستنكرون همزات ولمزات خبيثة
ذات دلالات تصل إلى مستوى القذف بمفهومه الشرعي؛ ما أثار موجة غضب واسعة، تطالب
بمحاسبة المتجاوزين، بل وتطبيق الحد الشرعي على من تجرأ على سمعة نساء محصنات.
اعتبر
المستنكرون أن تعليقات المسيئين انتهاك صريح لحرمة العرض، وهو من أعظم الكبائر
التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «اجتنبوا السبع الموبقات..»،
ومنها «قذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (متفق عليه).
وتضاعفت
التعليقات المسيئة عبر منصات التواصل، ثم تصاعدت في أوائل سبتمبر الجاري إلى ما
يزيد على 15 ألف تغريدة على منصة «إكس»، لتصبح حملة جماهيرية منظمة تطالب بتنظيف
الإعلام من العينات المخالفة، وتطالب بمحاسبة من أطلق عبارات ترمي بالباطل، وتشكك
في أخلاق لاعبات «النصر».
دعوة للعدالة
انتشر الوسم
كنار في الهشيم، حيث استخدمه النشطاء لفضح ما اعتبروه إسقاطات إعلامية تتجاوز
اللياقة والآداب الشرعية، مع تكرار المطالبات بتطبيق حد القذف الشرعي، استناداً
إلى قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) (النور: 4).
في غضون 48
ساعة، تحول «الترند» إلى حدث وطني في المملكة، بمشاركة واسعة من معلقين من أبرزهم خالد
الشاعري، الذي دعا إلى عقوبات صارمة في الرياضة النسائية تحديداً، وشدد على أن الإعلام
يجب أن يفرق بين الإثارة والدشارة، مطالباً بتنظيف الإعلام من العينات المسيئة،
على حد تعبيره.
وتميز النقاش
العام بطابعه الأخلاقي والديني، حيث توزعت الاتجاهات بين الغضب الشديد، والدعوة
للعدالة الشرعية، وقلة من المعارضين الذين رأوا في «الترند» مبالغة أو تلاعباً
إعلامياً، وأن التعليقات التي وصفت بالمسيئة لسيدات «النصر» لم تكن بالصراحة التي
يمكن وصفها بـ«القذف».
لكن السائد في «الترند»
كان التأكيد أن هكذا التعليقات ليست رأياً، بل إساءة تمس الكرامة، مع بروز اتجاه
يسخر من الإعلام المشوه، مع عبارات مثل «من شب على شيء شاب عليه»؛ في إشارة إلى
تكرار هذا السلوك، مع عدم وجود رادع جزائي؛ الأمر الذي أدى إلى استمراء تلميحات
تصل إلى حد القذف بحق النساء.
حملة مقاطعة
تبلور اتجاه قوي
بين معلقين دعوا المسؤولين إلى تدخل رسمي لاتخاذ إجراءات ضد القاذفين، وساهم
مؤثرون، بينهم سلطان السلولي، في دعوات لمقاطعة المدرجات الرياضية إذا لم ترفع
إدارة «النصر» دعاوى قضائية ضد كل من نشروا التعليقات المسيئة لسيدات النادي.
كما تبلور اتجاه
قوي يصر على أن مواجهة الإساءة لسيدات «النصر» جزء لا يتجزأ من تطبيق أحكام
الشريعة، إذ إن القذف جريمة تستوجب الحد بالجلد، مستشهداً بفتاوى العلماء، ومنها
فتوى بموقع «الإسلام سؤال وجواب»، تؤكد أن القذف من الكبائر.
من الناحية
النفسية والاجتماعية، عكس هذا التفاعل سخطاً من استخدام الإعلام كأداة للإسقاطات
الأخلاقية بسبب التعصب الرياضي؛ ما أضفى بعداً أوسع على الحدث، جعله رمزاً للدفاع
عن الكرامة والشريعة في المجال العام.
وإزاء ذلك، لم
يقتصر النقاش على الجمهور فقط، بل امتد لآراء خبراء وفقهاء ومحللين، وأساتذة مختصين
في الفقه الإسلامي، بينهم د. صبري فايز مدني محمد، في دراسته المعنونة بـ«جريمة
القذف في الشريعة الإسلامية»، الذي ذكر أن شروط القذف تشمل أن يكون القاذف مكلفاً،
والمقذوف حراً مسلماً، ويعاقب بالجلد، لافتاً إلى أن ابن كثير أكد في تفسيره أن
هذا الحد يشمل الرجال والنساء على حد سواء.
الدراسة ركزت
على الآراء الفقهية من مذاهب مختلفة، مع الاستناد إلى النصوص الشرعية لتأكيد حماية
العرض كأحد الضروريات الخمس في الإسلام، وحذرت من الفتنة الناتجة عن القذف، الذي
أورد تعريفه بأنه الاتهام بارتكاب الزنى دون برهان شرعي، ويشمل التصريح الصريح أو
الإشارة التي تُفهم منها التهمة، وهو ما استند إليه المطالبون بمحاسبة المسيئين
إلى سيدات «النصر».
توجه اجتماعي
وبذلك، أظهر «الترند»
توجهاً في وعي الرأي العام، حيث لم يعد التهاون مع من يمس العرض مقبولاً، بل يقابل
برد فعل شعبي يطالب بالعدالة الشرعية والقانونية معاً؛ ما دفع بعض المعلقين إلى
توقع مفاده أن يفضي هذا الزخم إلى تدخلات رسمية، مثل تحقيقات من هيئة الإعلام، أو
تشريعات أشد صرامة، خاصة بعد تكرار الشكاوى.
وعبر عن هذا
الاتجاه الإعلامي شفق السريع، الذي ارتأى أن اتصال هيئة الإعلام المرئي والمسموع
بالثلاثي المسيء لسيدات «النصر» ومطالبتهم بحذف التغريدات غير كاف، مطالباً الهيئة
بأن تطبق عليهم قانون العقوبات الجزائية، كما طالب الإدارة القانونية في شركة «النصر»
بتجهيز ملف القضية للرفع بها للجهات المختصة.
وإزاء ذلك،
اعتبر مغردون أن «الترند» يمثل فرصة تاريخية لإعادة تأطير الخطاب الإعلامي وفقاً
لمقاصد الشريعة، وضبطه بما يتناسب مع تمكين المرأة في المجال الرياضي، دون المساس
بحجابها أو احتشامها.
هكذا تحول
الدفاع عن سيدات «النصر» إلى دفاع عن كرامة المؤمنات، ودعوة للعودة إلى القيم
الإسلامية تختصر صراعاً بين التعصب الإعلامي والرياضي وقيم الحفاظ على الأعراض،
وصرخة أخلاقية تنبه إلى خطورة التهاون مع من ينتهك حرمات الله ونقطة تحول نحو
تنظيم تنقية الإعلام.
شعار الحملة
التي مثلها «الترند» تمثل في تطبيق أحكام الشريعة في حماية الكرامة، شريطة أن
تقابل هذه المطالبات بإجراءات حاسمة، إذ لا يمكن الحديث عن حضور المرأة في المجال
العام ما دام عرضها لا يزال مهدداً بألسنة لا تعرف حدوداً ولا تراعي حرمة.
اقرأ أيضاً: