كذبة الأمم المتحدة.. بين الشعارات والواقع

تُقدَّم الأمم
المتحدة للعالم باعتبارها المؤسسة العالمية الأعلى في الدفاع عن السلم والأمن
وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، شعارها يحمل آمال الشعوب، ووثائقها تعج
بالمبادئ السامية التي تُبشّر بعالم أكثر عدالة!
غير أن الواقع،
عبر عقود من التجارب، يكشف عن فجوة عميقة بين الخطاب والممارسة؛ ما دفع كثيرين
لوصفها بـ«الكذبة الكبرى» التي تتخفى وراء عباءة الإنسانية بينما تخدم مصالح
الأقوياء فقط.
مجلس
الأمن.. عدالة المنتصرين
يقول المفكر
السياسي الأمريكي نعوم تشومسكي: الفشل الحقيقي لمجلس الأمن يتمثل في كونه أداة في
يد القلة القوية، لا ضميراً عالمياً كما يفترض به أن يكون.
يُعد مجلس الأمن
الدولي النموذج الأوضح لانعدام العدالة داخل المنظمة، فحق النقض (الفيتو) الذي
تمتلكه 5 دول فقط (أمريكا، روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا) يُفرغ مبدأ المساواة
بين الدول من مضمونه.
كم من مرة أُجهضت قرارات لإنقاذ شعوب من الاحتلال أو القمع لأن «الفيتو» الأمريكي وقف ضدها، كما في القضية الفلسطينية أو الغزو الصهيوني للبنان وقطاع غزة؟ هل هذه عدالة أم فرض إرادة الأقوياء؟
ازدواجية المعايير
يقول الأمين
العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان: القانون الدولي يُستخدم في بعض الأحيان
كسلاح، لا كميزان للعدالة!
حين يتعلق الأمر
بدول حليفة للقوى الكبرى، تغضّ الأمم المتحدة الطرف عن الانتهاكات، في المقابل،
تُستخدم آليات المنظمة كالعقوبات أو التحقيقات ضد الدول التي تخرج عن الخط الغربي،
ونرى هذا جليًا في التعامل مع الحروب في العراق، وسورية، واليمن، أو حتى في
العدوان على غزة، فمن يملك القوة يكتب القوانين، ومن لا يملكها، يُحاكم بتهم
خرقها.
فشل
في منع الإبادات
يقول قائد قوات
الأمم المتحدة في رواندا روميو دالير: لم تكن الأمم المتحدة تفتقر إلى المعلومات..
كانت تفتقر إلى الإرادة.
رغم وجود آليات
للإنذار المبكر ومنع الكوارث، فشلت الأمم المتحدة في رواندا (1994م)، حيث قُتل
أكثر من 800 ألف إنسان خلال أسابيع، كما وقفت عاجزة أمام مجازر البوسنة والهرسك،
والمأساة في ميانمار، والحرب الأهلية في السودان، وليس آخرها الإبادة الصهيونية في
غزة، في كثير من الحالات، كانت المنظمة تعرف ما يحدث، لكنها اختارت الصمت أو إصدار
بيانات باهتة.
شعارات
حقوق الإنسان.. أداة انتقائية
يقول المدير
التنفيذي السابق لـ«هيومن رايتس ووتش» كينيث روث: المنظومة الحقوقية الدولية أصبحت
مشروطة برغبة القوى العظمى، لا بقيم العدالة.
تتبنى الأمم
المتحدة خطابًا رنانًا عن حقوق الإنسان، لكنها تتجاهل قضايا الشعوب المنسية، لماذا
لا نسمع صوتها عند قمع المعارضين في دول حليفة للغرب؟ لماذا تُغيب الشعوب تحت
الاحتلال عن مشهد النقاشات الفاعلة؟ يبدو أن الحقوق تُمنح وفق خريطة المصالح، لا
وفق كرامة الإنسان.
صناعة
العجز.. قرارات بلا تنفيذ
يقول المفكر
الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد: الأمم المتحدة تجيد إصدار القرارات، لكنها لا
تملك الشجاعة لتنفيذها إن تعارضت مع مصالح الكبار.
وأصدرت الأمم
المتحدة مئات القرارات المتعلقة بفلسطين، لكن لم يُنفّذ منها شيء ذو أثر حقيقي،
يُذكَر مثلًا القراران (242) و(338) بخصوص الانسحاب الصهيوني من الأراضي
الفلسطينية المحتلة، أو قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، جميعها بقيت حبراً
على ورق، فما قيمة القرارات إن لم تُطبَّق؟
إصلاح
أم تفكيك؟
يقول الأمين
العام الأسبق للأمم المتحدة بان كي مون: إذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن إصلاح
نفسها، فقد تفقد كل شرعية لها أمام شعوب العالم.
هل الأمم
المتحدة كذبة؟ ربما لا بالمعنى الحرفي، لكنها بالتأكيد خيبة أمل كبرى، لا شك أن
هناك موظفين ومؤسسات داخل المنظمة يعملون بإخلاص، لكن النظام العام خاضع لهيمنة
القوى الكبرى، المطلوب ليس تزيين الخطاب، وإنما إصلاح جذري يعيد للمؤسسة دورها
الحقيقي كحامية للعدالة، لا كأداة سياسية بأقنعة إنسانية.