اقتصاد الفقراء.. المرأة قوة خفية في مواجهة الأزمات (3)

سعد العتيبي

16 سبتمبر 2025

259

عندما نتحدث عن اقتصاد الفقراء، فإننا نتحدث عن ملايين البشر الذين يصنعون سبل عيشهم بطرق بسيطة، خارج الأنظمة الاقتصادية الرسمية.

في هذا المشهد، تبرز المرأة كقوة خفية تقود عجلة الصمود، فهي ليست فقط مساعدة للأسرة، بل كثيرًا ما تتحول إلى قائد اقتصادي حقيقي، تدير موارد محدودة بذكاء، وتبتكر حلولًا عملية لمشكلات يومية معقدة.

في ظل غياب الرجل –بسبب الوفاة أو المرض أو السجن أو الهجرة القسرية– تتحمل المرأة المسؤولية كاملة، فتكون هي المعيل الوحيد للأسرة، تجمع بين العمل المدفوع الذي يوفر لقمة العيش، والرعاية غير المدفوعة التي تضمن استمرار الحياة الأسرية، هذه الازدواجية تجعل المرأة رمزًا للصمود، لكنها في الوقت نفسه تكشف حجم التحديات التي تواجهها.

المرأة محرك لاقتصاد الفقراء

تشير الإحصاءات العالمية إلى أن النساء يشكلن النسبة الأكبر في الاقتصاد غير الرسمي، فبحسب منظمة العمل الدولية، فإن حوالي 55% من النساء العاملات عالميًا يعملن في قطاعات غير رسمية، غالبًا بلا حماية اجتماعية أو ضمانات قانونية، هذه القطاعات تشمل بيع الطعام في الشوارع، والأعمال المنزلية، والحرف اليدوية، والتجارة البسيطة.

ورغم أن هذا النشاط قد يبدو متواضعًا، فإنه يوفّر الاستقرار لملايين الأسر، ففي جنوب آسيا مثلًا، يعمل أكثر من 80% من النساء غير العاملات بالزراعة في الاقتصاد غير الرسمي، بينما تصل النسبة في أفريقيا جنوب الصحراء إلى نحو 74%، هذه الأرقام تكشف حجم اعتماد المجتمعات على مساهمات النساء، حتى في غياب اعتراف رسمي.

اقتصاد الرعاية غير المرئي

إلى جانب العمل غير الرسمي، هناك اقتصاد آخر صامت لكنه أساسي؛ اقتصاد الرعاية، فالنساء يقمن بحوالي 76% من أعمال الرعاية غير المدفوعة عالميًا؛ مثل تربية الأطفال، رعاية المسنين، وإدارة شؤون المنزل، لو قُدّر هذا الجهد ماليًا، لأضاف مئات المليارات إلى الناتج المحلي العالمي.

وتزداد هذه المسؤوليات أضعافًا عندما تكون المرأة هي رأس الأسرة الوحيد، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن 28% من الأسر في العالم ترأسها امرأة، وتصل النسبة في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي إلى 36%، بينما تقارب 10% فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أما الأطفال، فيعيش حوالي 14% من أطفال العالم –أي ما يعادل 320 مليون طفل– مع والد واحد فقط، وغالبية هؤلاء مع الأمهات.

هذه الأرقام تعني أن ملايين النساء يتحملن بمفردهن عبء الإنفاق والرعاية في آن واحد، وهو ما يضاعف الضغط النفسي والاجتماعي والاقتصادي عليهن.

التحديات التي تواجه المرأة

ورغم هذا الدور المركزي، فإن النساء في اقتصاد الفقراء يواجهن عقبات كبيرة:

  • ضعف التمويل: القروض الميسرة نادرًا ما تصل إليهن، لغياب الضمانات البنكية.
  • غياب الاعتراف القانوني: الكثير من مشاريع النساء غير مسجّلة؛ ما يحرمهن من الحماية والدعم.
  • الفقرالمتوارث: بيانات من الولايات المتحدة تظهر أن الأسر التي ترعاها أُم واحدة تعاني من معدل فقر يتجاوز 30%، وهو اتجاه يتكرر في كثير من الدول.

المرأة والاقتصاد الأخضر

رغم التحديات، فإن النساء يظهرن في مقدمة الابتكار، ففي أفريقيا مثلًا، تنتشر مبادرات نسائية لإعادة التدوير وصناعة منتجات صديقة للبيئة، وفي آسيا، تعمل آلاف النساء في الزراعة المنزلية وإنتاج الغذاء المستدام، هذه المبادرات تضع المرأة في قلب الاقتصاد الأخضر، وتربط بين جهود البقاء اليومي وأهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، والعمل المناخي.

من الهشاشة إلى التمكين

إذا أردنا لاقتصاد الفقراء أن يتحول من مجرد اقتصاد للبقاء إلى اقتصاد مؤثر، فعلينا أن نبدأ من دعم المرأة، ويكون ذلك من خلال:

  • توسيع برامج التمويل الأصغر الموجهة للنساء.
  • تدريب النساء على مهارات جديدة لزيادة الإنتاجية.
  • إنشاء منصات إلكترونية لتسويق منتجاتهن.
  • تعزيز الشراكات بين المؤسسات الخيرية والقطاع الخاص لتوفير أسواق وفرص عمل.

لقد أثبتت المرأة أنها ليست طرفًا ضعيفًا في اقتصاد الفقراء، بل قوة قادرة على إدارة الأزمات وبناء مستقبل أفضل للأسرة والمجتمع، وإذا كانت الأرقام تقول: إن أكثر من 100 مليون أسرة حول العالم تعيش تحت قيادة نساء معيلات، فهذا يعني أن الحديث عن تمكين المرأة ليس قضية اجتماعية فقط، بل قضية اقتصادية وتنموية عالمية.

فالمرأة حين تحمل على عاتقها مسؤولية أسرتها، فهي في الواقع تساهم في بناء اقتصاد وطنها، وترسم ملامح صمود المجتمعات في وجه الأزمات.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة