حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة من منظور الإسلام
الكرامة الإنسانية، وتعني تقدير الإنسان،
أي إنسان، واحترامه وصوْن حقوقه، قاعدة أساسية من قواعد شريعة الإسلام، لا فرق في
ذلك بين رجل وامرأة، وغني وفقير، وصحيح وسقيم، ومسلم وغير مسلم؛ استنادًا إلى قول
الله تعالى: (وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)، فهي هبة من الله عز وجل للإنسان، لا
يجوز لأحد أن ينزعها منه.
ولهذه الكرامة وما يستتبعها من حق في
الحياة، وفي الحرية، والعدالة، والمساواة، والعيش الكريم.. إلخ، مظاهر يقوم عليها
التصور الإسلامي للإنسان ومكانته في الكوْن، تتجلى في حفظ نفسه ونسله وماله وعقله
ودينه، والنهي عن استعباده وظلمه، لقد خلقه الله في الأزل بيديه، وابتعث له
الأنبياء والرسل، وأنزل معهم الصحف والكتب، تكفّلًا بإرشاده وهدايته، وبما يحقق له
السعادة في الدنيا والآخرة، وكلّف الملائكة بالسجود له، وسخّر له ما في الكون
جميعًا منه.
نظرة الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة
يُستخدم مصطلح «ذوي الاحتياجات الخاصة»
للدلالة على الأشخاص الذين لديهم إعاقات حركية أو عقلية أو سمعية أو بصرية أو
اضطرابات نمائية أو صعوبات تعلّم؛ ما يحدُّ من قدرتهم على ممارسة أنشطتهم اليومية،
أو التفاعل والمشاركة المجتمعية مقارنة بالآخرين، ولقد أعطاهم الإسلام –سابقًا
غيره بقرون- حقوقهم الإنسانية كاملة، واستوعبهم في مجتمعه، ودفع عنه شبح الخجل
وظلال الضعف والمسكنة، في إنسانية أخّاذة حملت في طياتها البر والرأفة والرحمة؛
فمن ذلك أن كلّفهم الشرع بما يستطيعون فعله من الواجبات حسب قدراتهم، ما يجعلهم
يشعرون بأنهم أفراد عاديون مشاركون في المجتمع لا عجزة قاعدون.
ومن مظاهر حفظ الإسلام لاعتبارهم الأدبي؛
النهي عن السخرية منهم أو معايرتهم أو نبزهم بالألقاب أو إهمالهم؛ (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ
عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ) (الحجرات: 11)، (عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ
الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (عبس)، وقد عزّز
النبي صلى الله عليه وسلم مكانتهم قولًا: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم» (رواه
البخاري)، «ملعون من كمه أعمى عن طريق» (رواه أحمد)، وفعلًا: بدمجهم في المجتمع،
مثلما استخلف الصحابي الضرير عبدالله بن أم مكتوم، المعنيَّ في الآيات السابقة،
على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما صلى الله عليه وسلم، ومثلما أشرك عمرو بن
الجموح في غزوة «أُحد».
وفي رؤية الإسلام أيضًا أن قيمة المعاق
لا تنقص بسبب إعاقته؛ (لَيْسَ
عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ) (الفتح: 17)، بل قد يكون عند الله أرفع درجةً إن صبر واحتسب على
ابتلائه؛ «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا
كفّر الله بها من خطاياه» (متفق عليه)، «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنةُ، وإن شئتِ
دعوتُ اللهَ أن يعافيك..» (البخاري ومسلم).
حقوق أساسية
ومما نؤكده أن رعاية الإسلام لذوي
الاحتياجات الخاصة ليست مجرد رعاية عاطفية، وليست امتيازًا أو منحة، بل هي رعاية
دمج في المقام الأول، تستهدف تأسيس نظام اجتماعي عادل يحفظ كرامتهم، ويؤدي إليهم
حقوقهم كاملة غير منقوصة، ومن هذه الحقوق:
- الحق في الحياة: وهو أقدس الحقوق
البشرية، وقد قرره الإسلام لكل إنسان، دون النظر إلى قوته أو ضعفه، أو صحته أو
إعاقته؛ (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32).
- الحق في الكرامة الإنسانية: وفي
الاحترام النفسي والمعنوي، وعدم إيذائهم بأي صورة من الصور، بل يجب التلطف والرفق
بهم؛ وفاء لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه).
- الحق في المساواة وعدم التمييز: فقد
ساوى الإسلام بين الناس جميعًا في أصل الخلقة، فلا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى،
فهم بهذا داخلون في هذا الحق دخولًا أوليًا كجزء من الأمة، لهم ما لغيرهم من حقوق.
- الحق في الحرية: باعتباره حقًّا
إنسانيًّا ثابتًا، فلهم حق الاعتقاد، ورفض الاستعباد والامتهان، والحرية في النقد
والتعبير.
- الحق في تولي الوظائف العامة: وفي
العمل والكسب، وعدم استبعادهم أو تهميشهم، وعدم تحميلهم ما لا يطيقون، وتوفير سبل
العون والحماية لعَجَزَتِهم.
- سائر الحقوق المدنية: كالحق في
التعليم، وفي التملّك والتصرف، وفي الميراث، والزواج، والرعاية الصحية والنفسية..
إلخ.
وفي ظل تبني الإسلام لهذه الحقوق وصل
المعاقون إلى أعلى المراتب، فكان منهم القادة والعلماء والفقهاء والمفتون، ومن بين
آلاف الصحابة اختار النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، وكان أعرج، عاملًا له
على اليمن، وقاضيًا ومرشدًا، وكتب إلى أهلها: «إني بعثثُ عليكم خير أهلي»، بل صارت
الإعاقة علمًا يدل على صاحبها، منهم: الأحول والأخفش والأصم والأعرج والأعمش
والأعمى والأفطس.. وغيرهم.
تحديات معاصرة
يتسم واقع ذوي الاحتياجات الخاصة في
بلداننا العربية اليوم بالتباين الكبير بينه وبين المبادئ الإسلامية، ففي حين قدّم
الإسلام نموذجًا رحيمًا وعادلًا لهم، نجد هناك فجوات كبيرة في دمجهم في الأنظمة
التعليمية، خصوصًا في البيئات الفقيرة، وربما كانت هناك تشريعات لهذا الأمر وغيره
في عدد من الدول، لكنها شكلية ولا تطبق بفعالية. ورغم التحسّن النسبي في بعض
المجتمعات العربية فيما يخص الوعي بحقوق هذه الفئة، فإن الإعاقة في غالبية الدول
العربية لا يزال يُنظر إليها كعبء أو ابتلاء سلبي، ناهيك عن ضعف البنية التحتية
المخصصة لهم، ومحدودية موارد دعمهم وتأهيلهم.
اقتراحات وحلول
المجتمع العربي مُطالب بتجاوز النظرة
التقليدية لذوي الاحتياجات الخاصة كفئة بحاجة إلى العطف، بل كجزء أساس من المجتمع،
باعتباره واجبًا دينيًّا وأخلاقيًّا وقانونيًّا، لهم ما للآخرين من حقوق، وعليهم
ما عليهم من واجبات، في حدود استطاعتهم؛ فيجب:
- تفعيل دور الإعلام والمساجد والمؤسسات
التعليمية والقانونية في التوعية بحقوقهم في الشرع الإسلامي، وتغيير الصورة
النمطية السلبية، وتعزيز ثقافة القبول والتقدير في المجتمع.
- رعايتهم نفسيًّا وروحيًّا، وتنفيذ
برامج متخصصة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، والدفع بهم للمشاركة في الأنشطة الدينية
والاجتماعية.
- توفير فرص للتعليم الشرعي، بما يناسب
قدراتهم، وتهيئة بيئة آمنة تساعدهم على الاندماج في المجتمع.
- سن التشريعات التي تحمي حقوقهم،
ومحاسبة من ينتهكها، ولإتاحة فرص عمل تراعي قدراتهم ومهاراتهم.
- الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة
وثورة الاتصالات في إدماجهم في المجتمع، وتمكينهم من المشاركة في القرارات وصياغة
السياسات.
اقرأ أيضاً: