من «عربات جدعون» إلى عجلات بيت حانون!

هشام توفيق

15 يوليو 2025

143

في المخيلة اليهودية الصهيونية، فإن جدعون في الصحافة «الإسرائيلية» هو مصارع بطل قومي أنقذ بني إسرائيل من جيش مدين المتطور آنذاك، إذ كانوا يجيدون قيادة الجمال، وعرفوا بعنفهم وسرعتهم ومباغتتهم في الهجوم، بينما استطاع جدعون التغلب عليهم بجيش بسيط وبأدوات بسيطة منها العربات، بخطة عسكرية محكمة.

كانت «عملية جدعون» من آخر العمليات التي نفذتها منظمة «الهاغاناه» قبيل انتهاء الاحتلال البريطاني، ضمن سياق الحرب الأهلية في فلسطين عامي 1947 و1948م.

في مايو 2025م، أقر المجلس الوزاري الأمني «الإسرائيلي» المصغر (الكابينت) خطة عملية «عربات جدعون» بهدف تحقيق حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة، عبر عملية منظمة من 3 مراحل، مع استخدام 5 عوامل ضغط ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية، وبدأ جيش الاحتلال تنفيذها عبر استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط.

غزة وسباق الاحتلال مع الفشل.. ما وراء «عربات جدعون» وتصريحات ترمب |  Mugtama
غزة وسباق الاحتلال مع الفشل.. ما وراء «عربات جدعون» وتصريحات ترمب | Mugtama
في اللحظة التي تتكثف فيها العمليات العسكرية «الإس...
mugtama.com
×

جيش مقطوع الأنف!

هذه هي جدعون في مخيلة وواقع الكيان الصهيوني وجيشهم، أما في اللغة العربية فجدع: القطع، وقيل: هو القطع البائن في الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها، جدعه يجدعه جدعاً فهو جادع، بل وفي الواقع وفي بيت حانون صار الجيش الصهيوني أجدع مقطوع الأنف، أراد تفكيك قوة رجال في بيت حانون وغزة فكانت الضربة مؤلمة يوم زيارة نتنياهو للبيت الأبيض، وكان يوماً يتوشح بسواد على وجه الكيان الصهيوني خصوصا مع تسمية نتنياهو عمليته على اليمن بـ«الراية السوداء» قبل رحلته إلى البيت الأبيض، فكانت صواريخ اليمن وعملية بيت حانون رسالة قوية هدمت أحلام نتنياهو قبل اجتماعه بترمب.

ويمكن استخلاص 4 رسائل من هذه العملية في بيت حانون:

أولاً: تفكيك الرواية الصهيونية:

أراد الكيان الصهيوني، بل رغبت الصهيونية العالمية صناعة سردية صهيونية لشيطنة المقاومة وغزة وقوة الجيش الصهيوني في المنطقة، خصوصاً بعد الحرب على إيران صحبة أمريكا، لكن بيت حانون فككت الرواية الصهيونية وهزمت قوة «كتيبة 97- نتساح يهودا» التابعة للواء «كفير»، وقدم رجال الأنفاق درساً عالمياً للقوى العالمية، أن الرواية الصهيونية الاستكبارية بالرغم من جهودها المالية والإعلامية الفكرية والسياسية والأدبية والثقافية لتنزيل الرواية منذ عام 1800 إلى 2025م، فإن عملية بيت حانون قوضت هذه الجهود لنشر الرواية الصهيونية.

وأظهرت العملية أن رجال الأنفاق، بل شباب الأنفاق هم قوة لا يستهان بها، وقوة غير عادية تشارك معها قوة خارقة، هذا يستحيل في ميزان الدراسة العسكرية، كيف يمكن لأساطيل أمريكية ومستودعات وأسلحة غربية وعقول جيوش غربية وعربية تطبيعية أن تفشل في هزيمة قوة ورواية فتيان وشباب صغار في بيت حانون وخان يونس، بل كان الجواب في قناة عبرية من أحد المحللين أن «الرب هو مع غزة»، هذا حديثهم حين تعجز مراكزهم وأقلامهم من التحليل.

هنا نقول: عملية بيت حانون وقبلها من العمليات ضربات فككت الرواية الصهيونية، وجعلت أكبر المغنين الغربيين وأصحاب المحتوى العالمي يرفعون شعار «الموت للجيش الصهيوني».

إعلام «إسرائيلي»: جنودنا يُقتلون بلا هدف.. والحرب في غزة بلا نهاية! |  Mugtama
إعلام «إسرائيلي»: جنودنا يُقتلون بلا هدف.. والحرب في غزة بلا نهاية! | Mugtama
منذ اندلاع الحرب «الإسرائيلية» على غزة في أكتوبر...
mugtama.com
×

ثانياً: تفكيك خطة الجيش الصهيوني:

لم نرغب في قول: «تفكيك الجيش الصهيوني»، فرجال الأنفاق لم يصلوا لهذه المرحلة، لكنهم في طور تنزيل «فخ الإنهاك» الذي رصدناه تحليلاً في مقالنا «فخ الإنهاك» بعد الصفقة الأولى، إنهاك جيشهم بفخاخ قوية قبل «فخ الإنهاء»؛ أي إنهاء الجيش الصهيوني، لكنهم وصلوا إلى مستوى كبير من تفكيك الرؤية الصهيونية الإستراتيجية وأربكوا هذه الرؤية وجعلوها في الواقع مستحيلة؛ ما دفع ضباطاً وجنوداً صهاينة إلى استقالتهم أو فروا من المعركة مع تهديدات صهيونية بالعقاب أو انتحروا بسبب غياب الرؤية في المعركة دون أهداف.

فهل سمعتم يوماً بجندي في «القسام» يفر من المعركة أو يعاقب بسبب الاستقالة، بل سمعنا مؤخراً من قادة من القوة العسكرية للجيش الصهيوني بأن تفكيك رجال الأنفاق مستحيل دون أهداف واقعية.

لكن السؤال هنا: ماذا لو لم تتدخل أمريكا وقوى غربية في معركة «طوفان الأقصى» في الشهور الأولى لدعم الكيان؟ نقول: لو لم تتدخل هذه القوى لكانت هناك تغيرات كبيرة في المعركة في صالح رجال الأنفاق ووصلت قوتهم إلى عمق الكيان الصهيوني، أو تحققت الصفقة بقوة وحسم رجال الأنفاق.

خلاصة عملية بيت حانون أنها فككت الخطة الإستراتيجية اللاواقعية للجيش الصهيوني، وقالت لـ«عربات جدعون»: إنها عربات وناقلات حديدية عسكرية متطورة قوية حساسة، لكنها أمام الشواظ وقوة الله فهي فانية، بل وقالت عملية بيت حانون: إن عجلات رجال الأنفاق هي عجلات مشي تقليدية، هي عجلة دون مطاط، هي قدم تغبر، حافية، مباركة، تصعد لعربات وناقلات الجيش الصهيوني فتفجرها بكل برودة، آنذاك سيكتب التاريخ أن عجلات بيت حانون قوضت «عربات جدعون».

ثالثاً: تفكيك الخطة المستقبلية:

في مستقبل المعركة يمكن لرجال الأنفاق أن يسرعوا في المعركة للضغط على أمريكا والمعارض والشارع الصهيوني، ذاك من خلال السيناريوهات التالية:

1- تحول خطة الكمين من كمين في كمين إلى كمين في كمين مع تفحيم، ربما رصدتم أن رجال الأنفاق لم يعد وعيدهم وضغطهم يقتصر على الضغط من ورقات الأسرى من خلال فيديوهات تضغط على المعارضة والشارع، لم نقل أنها غير نافعة، بل هي قوة إعلامية وسياسية، لكن رجال الأنفاق ربما راهنوا الآن على الأرض، على نقطة ضعف الكيان الصهيوني بعد وهو الجيش وهو رمزية الدولة، وهو في الوقت نفسه الفرصة المتاحة في المعركة خصوصاً أنه في سجن غزة، فيمكن لضربات قوية موجعة تصل إلى تفحيم الجثث بهذه المشاهد أن يهزم إرادة الجيش الصهيوني ويربك الأوراق، بل وصلت «القسام» إلى الحديث عن محاولة إخراج كتيبة يهودا عن الخدمة في حالة استمرار جرائمها.

2- يمكن أن تتحول صدمات رجال الأنفاق للجيش الصهيوني إلى تحول رهيب وهو من محاولة التفحيم إلى محاولة الأسر، وستكون ضربة موجعة وضربة معلم، ففي الوقت الذي يفاوض فيه الاحتلال عن أسرى 7 أكتوبر، فهو سيتحول إلى التفاوض عن أسرى جدد ولهم قيمة في الجيش الصهيوني، وهذا ما جعل طيران الاحتلال لأول مرة يتدخل في بيت حانون مؤخراً من أجل منع عملية أسر جديدة كادت تنفذها قوة رجال الأنفاق، ولو تحقق الأمر لتشجع رجال الأنفاق للمضي في ذلك، وبالتالي ورقة جديدة في طاولة المفاوضات، بل ربما تفكيك كبير في الجيش الصهيوني وقادته وتشتت في العقل الصهيوني لمرحلة جديدة من المعركة تنتصر فيها عجلات وأقدام رجال الأنفاق على عربات جدعون.

ربما فقه رجال الأنفاق ثقوباً جديدة في الجيش الصهيوني بعد فخ الإنهاك لم تستوعبها القسوة القلبية لبن غفير، وسموتريتش، لأن هؤلاء صاروا ينظرون بقسوة القلب وعصارة الجاهلية لا بعقل واقعي، وهذا يذكرنا بوصف حقيقي للصهيوني اليوم وهو «اليهودي الخامل الهامل بدل اليهودي العامل».

«كمين بيت حانون».. ضربة مركبة توجهها «القسام» لجيش الاحتلال شمال غزة |  Mugtama
«كمين بيت حانون».. ضربة مركبة توجهها «القسام» لجيش الاحتلال شمال غزة | Mugtama
في عملية نوعية مُحكمة، وجهت «كتائب القسام» ضربة م...
mugtama.com
×

رابعا: تفكيك الرواية الأمريكية:

تحاول الرواية الأمريكية دغدغة مشاعر الصهيوني في الكيان والعالم، وأن الكيان حقق مكاسب كبيرة في المنطقة ضد إيران واليمن ولبنان وغزة، بل ما زالت الرواية الأمريكية تقول: إنها هي الحاسمة في نهاية كل حرب، وإنها صانعة السلام وصفقة جديدة في غزة بعد زيارة نتنياهو، لكن عملية بيت حانون فككت هذه الرواية المنهزمة الأمريكية لتضرب أمريكا في العمق خصوصاً مع زيارة نتنياهو للبيض الأبيض، لتقول عملية بيت حانون: إن الضاغط في المعركة ليست قوة أمريكا ولا محاولات ترمب، بل هي حسم الميدان وقوة رجال الأنفاق في بيت حانون وخان يونس وغزة؛ وبالتالي لا ينبغي لبعض الإعلام العربي أن يميل مع الرواية الأمريكية والعربية المطبعة التي تريد تزيين تدخلات أمريكا لصفقة جديدة ولو لـ60 يوماً.

بل دوماً نقول: أن أمريكا هي ترصد صراخاً جديداً من الجيش الصهيوني في غزة بإنقاذه وإخراجه من الوحل، آنذاك تتدخل أمريكا بصفقة من أجل استراحة الجيش وإنعاش الجيش الصهيوني وعلاجه من آلام ضربات موجعة من رجال الأنفاق أدخلته في فخ الإنهاك ومرحلة الجحيم والتفحيم.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة