فتيات الخليج.. العزلة وسط الضجيج
في قلب المدن
الخليجية المضيئة، وبينما تتزاحم الأبراج والشوارع، وتختلط أصوات الحياة، هناك
قلوب صغيرة ترتجف صمتًا.
فتيات كثيرات،
ورغم كثرة الرسائل والعلاقات الرقمية، يشعرن بأنه لا أحد يسمع صرخاتهن، ولا أحد
يملأ فراغهن العاطفي.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن 42% من الفتيات في الخليج يشعرن بالعزلة الاجتماعية، بينما 57% يفضلن العلاقات الإلكترونية على اللقاءات الواقعية، بحسب المركز الوطني السعودي لتعزيز الصحة النفسية.
في الحقيقة، لقد وفرت التكنولوجيا تواصلًا كبيراً، لكنه للأسف سطحي، لم يملأ الفراغ الداخلي، فالبنات يجدن أنفسهن متصلات بالجميع، لكن لا أحد يعرفهن حق المعرفة.
هذه الوحدة ليست
اختيارًا، بل نتيجة فراغ اجتماعي وعاطفي ملحوظ، يجعل المسؤولية المجتمعية –وخاصة
على الرجل في البيت والمجتمع– أكبر وأقوى من أي وقت مضى.
ضغط خلف الشاشات
أحد أبرز أسباب
العزلة الانشغال الأسري والمدرسي، فمع ارتفاع معدلات التعليم والعمل للأبوين، تقل
فرص الاحتكاك العائلي اليومي، ويصبح الحوار العميق بين الفتاة وأهلها أمراً نادراً.
إضافة إلى ذلك،
يفاقم التمدن السريع والفردانية المتصاعدة الوضع، فالشقق السكنية الحديثة التي
توفر خصوصية أضحت لعنة على أبنائنا، وكثرة الانتقالات، والجدول المكثف للأهل، تجعل
الفتيات أقل قدرة على بناء شبكات دعم اجتماعي قوية.
وأخيرًا،
الاعتماد على العلاقات الرقمية يمنح شعورًا بالارتباط ولكنه غالبًا سطحي ومؤقت،
فالفتيات يجدن في العالم الافتراضي ملاذًا للتعبير عن أنفسهن، لكنه لا يعوض عن
الاحتواء العاطفي الواقعي.
عزلة الأسريّة
داخل البيت، قد
تكون الفتاة محاطة بالعائلة، لكنها تفتقد الدعم الشخصي والاحتواء العاطفي اليومي.
فالوقت العائلي
غالبًا يقتصر على تناول الطعام أو محادثات سريعة، بعيدًا عن النقاشات العميقة أو
مشاركة المشاعر.
الدراسات النفسية الحديثة تشير
إلى أن الفتاة التي تشعر بالاحتواء والدعم داخل البيت أقل عرضة للشعور بالوحدة،
وأكثر قدرة على التفاعل الاجتماعي الواقعي خارج المنزل.
أمر آخر يعزز من
تلك العزلة، وهو ما يتعلق بالمدن الكبرى، فمع كثافة السكان والضغط اليومي، يصعب
بناء صداقات عميقة.
كما أن
الفردانية وصعود النجاح الشخصي يقللان من قدرة الفتيات على بناء شبكة دعم قوية.
لكن التكنولوجيا
ليست العدو الوحيد؛ بل يمكن أن تصبح أداة مساعدة إذا استخدمت بوعي، فالمجموعات
الافتراضية، والنشاطات التفاعلية، وبرامج الدعم الرقمي توفر للفتيات مساحة للتواصل
والمشاركة، بشرط ألا تحل محل التفاعل الواقعي العميق.
كيف نخفف العزلة؟
يرى الخبراء أن
طبيعة العصر وإن كان يصعب معها تلاشي العزلة تماماً، إلا أن هناك أموراً يمكن من
خلالها تخفيف تلك العزلة على الفتيات تحديداً، لما يتمتعن به من رهافة الحس وكونهن
عرضة للتأثر الشديد بتلك العزلة.
واقترح الخبراء
عدداً من الخطوات، منها:
- دعم الأسرة،
مؤكدين ضرورة تخصيص وقت يومي للحوار المفتوح، والاستماع للفتاة، ومشاركتها في صنع
القرارات الصغيرة والكبيرة، وهو ما يعزز شعورها بالانتماء.
- تشجيع
النشاطات الواقعية، وذلك عن طريق دمج اللقاءات الواقعية مع النشاطات الرقمية
لتقوية العلاقات الاجتماعية.
- صناعة برامج
توعوية ومجتمعية، وذلك عن طريق تشجيع المؤسسات التعليمية والجمعيات على تطوير
برامج دعم نفسي واجتماعي للفتيات، لتعويض نقص التواصل الواقعي.
ويرى
الاختصاصيون أن هذه الخطوات ليست حلولًا مؤقتة، وإنما استثمار طويل المدى في الصحة
النفسية والاجتماعية للفتيات، وضمان بناء جيل قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة
وقوة.
مسؤوليتنا المشتركة
العزلة
الاجتماعية عند البنات في الخليج ليست مجرد رقم إحصائي، وإنما حقيقة يومية مؤلمة،
ولأن التكنولوجيا الحديثة توفر تواصلًا سطحيًا، لكنها لا تعوض عن الحاجة العاطفية
الحقيقية كما قلنا، فإن المفتاح يكمن في التوازن بين الأسرة والمجتمع، والتقنيات
الرقمية.
فالفتاة التي
تجد الاحتواء داخل البيت، ولديها فرص للتفاعل الواقعي مع المجتمع، ستكون أقل عرضة
للشعور بالوحدة وأكثر قدرة على النجاح النفسي والاجتماعي.
إن المدن قد
تكون كبيرة ومتقدمة ومليئة بالرفاهية، والشوارع مزدحمة بماركات السيارات التي تسر
الناظرين، لكن القلوب الصغيرة تحتاج لشيء غير هذا، تحتاج لمن يراها ويحتويها،
وعندما يتحمل المجتمع -وبالأخص الرجل كجزء من الأسرة- مسؤوليته، يمكن تحويل صرخات
العزلة الصامتة إلى تواصل حقيقي وحياة مليئة بالأمان والدعم.
اقرأ
أيضاً:
كيف نقاوم
العزلة الاجتماعية في العطلات؟