كيف نقاوم العزلة الاجتماعية في العطلات؟
في مواسم الفرح تتّسع موائد اللقاء، لكن
قِلةً من الناس تجلس على أطراف الضوء، والعطلات في الكويت -من العيدين إلى عطلات
الصيف ونهاية العام- لحظات يفترض أن تتضاعف فيها الروابط، غير أنّها قد تتحوّل عند
البعض إلى مساحات صامتة تتكاثف فيها الوحدة، هنا لا يكون السؤال: لماذا ينعزل
بعضنا؟ بل كيف نعيد وصل ما انقطع، ونحمي صحتنا النفسية، ونحوّل العطلة من «فراغ
اجتماعي» إلى «فرصة للتعافي والدفء»؟
أولاً: لماذا تتفاقم العزلة في العطلات؟
العطلات تعني تعطّل الروتين وازدياد
الوقت الحُر، لدى من يفتقدون شبكة دعم أو إيقاعًا يوميًا ثابتًا؛ كالشباب في
بدايات العمل، أو كبار السن المقيمين وحدهم، قد تتكاثر مشاعر الوحدة، خصوصًا مع
ضغط المقارنات الاجتماعية على المنصات الرقمية وصور «الاحتفال المثالي».
وتشير وزارة الصحة إلى أن الاضطرابات
المرتبطة بالقلق تتصدر مراجعات مركز الكويت للصحة النفسية (نحو 60% من المراجعين)،
وهي بيئة خصبة لتفاقم العزلة إن لم تُدار بشكل صحي خلال المواسم الحسّاسة
كالعطلات.
كما تؤكد قيادات «الصحة» أنّ العافية
النفسية ركيزة لاستقرار المجتمع، وأن الوعي بها وصونها مسؤولية جماعية، وهي رسالة
تزداد أهميتها حين ترتفع وتيرة المناسبات وتتغير أنماط النوم والتغذية والتواصل.
ثانياً: البنية الصحية الداعمة.. ماذا تملك الكويت اليوم؟
- توسّع المنظومة الصحية
أدواتها التنظيمية والعلاجية تدريجيًا:
- تنظيم سوق تقديم الخدمات النفسية عبر
تراخيص للوحدات الخاصة بالعيادات النفسية يسعى لرفع الجودة وحماية المستفيدين.
- رسائل وتغطيات في «اليوم العالمي للصحة
النفسية» تُبرز التزام الوزارة بتيسير الرعاية والتثقيف، وتعزيز الوصول للخدمات.
- خطوط مساندة وحماية للأطفال عبر الرقم
(147) بدعم منظومة أممية، وإن كان اختصاصها الأساس حماية الطفل، إلا أنّها تُعد
نقطة دخول مبكرة لرصد الهشاشة النفسية والعائلية في البيوت خلال المواسم.
- هذه اللبنات لا تعالج «العزلة في
العطلات» وحدها، لكنها تهيئ الأرضية: بوابة منظمة لخدمات العلاج، ورسائل توعوية
دورية، وآلية إنذار مبكر لحالات الضعف الأسري.
ثالثاً: العطلات تحت ضغط المقارنة الرقمية:
تزيد الشبكات الاجتماعية في العطلات من
«تأثير العرض»، حيث تبدو حياة الآخرين أكثر امتلاءً وبهجة، فتتعمّق لدى البعض
مشاعر النقص والتجنّب الاجتماعي، والمفارقة أن الحل لا يكون بالقطيعة الكاملة مع
المنصات، بل بإدارة واعية للاستخدام: تخفيف زمن التصفح في أيام الإجازة، انتقاء
محتوى مُلهِم وعملي، وتفضيل التفاعل الحقيقي على «الإعجابات»، هذا الضبط البسيط
يخفّف مدد المقارنة ويعيد للوقت معناه.
رابعاً: فئات الأكثر عرضة.. من هم؟
- الشباب الجامعيون وحديثو التخرج الذين
ينتقلون من حياة جماعية إلى فراغ مؤقت في الإجازة.
- العاملون بنظام «الدوامات الطويلة» ممن
تتعطل شبكاتهم الاجتماعية خارج العمل.
- كبار السن المقيمون وحدهم أو بعيدًا عن
الأبناء.
- ذوو القلق/الاكتئاب الخفيف غير
المشخَّص، حيث تؤدي الإجازة إلى تضخيم أعراضهم.
خامساً: حلول عملية على مستوى الفرد:
- جدولة اجتماعية مُسبقة: ضع تقويمًا
مُسبقًا لأيام العطلة يتضمن زيارات واقعية، لا تترك جدولك «فارغًا» ليملأه القلق.
- طقوس صغيرة مُفرِحة: فطور جماعي عائلي،
تمرين صباحي مع صديق، أو مجلس قراءة يومي قصير، الطقس المتكرر يثبّت الإيقاع.
- تطوع خاطف (Micro-volunteering): ساعتان في جمعية خيرية، زيارة مرضى، توزيع وجبات العطاء أقصر
طريق لكسر العزلة.
- تقليل الشاشات مساءً: ساعة خالية من
الهاتف قبل النوم لتحسين المزاج والنوم.
- طلب العون دون تردد: حجز استشارة في
مركز الكويت للصحة النفسية أو التواصل مع اختصاصي مرخّص حين تتكثف الأعراض (أفكار
سلبية، انسحاب، اضطراب نوم/شهية).
سادساً: حلول على مستوىالأسرة:
- تقويم عائلي للعطلات: توزيع أدوار (من
يستضيف؟ من يقود اللعب؟ من يزور كبير العائلة؟)، التنظيم يُحوّل النوايا إلى
أفعال.
- مجالس منزلية دورية: ساعة أسبوعية بلا
هواتف للحوار الحر، خصوصًا مع المراهقين.
- جسور مع الكِبار: تخصيص زيارات لكبار
السن، اصطحاب الأطفال لتعزيز التعاطف والامتنان.
- توزيع أدوار الدعم: كل فرد يتواصل مع
قريب أو جار «أقل تواصلاً» ليضمن عدم بقاء أحد وحده.
سابعاً: أدوار المجتمع المدني والجهات الدينية:
- المساجد، جمعيات النفع العام، الأندية،
وروّاد «مبادرات الحي» يمكنهم تحويل العطلة إلى منصّة اجتماعية مضيئة.
- مضافات ومجالس مفتوحة للشباب خلال
الأعياد.
- موائد جماعية في الأحياء تشجع الجيران
على التعارف.
- دوائر حوار قصيرة عن الصحة النفسية
بإشراف مختصين مرخّصين، خصوصًا في المناسبات.
هذه المبادرات تكمل جهود الوزارة وتقلل
الضغط عن العيادات في مواسم الذروة، وتبرز هنا أهمية إحكام تراخيص الممارسة
النفسية الخاصة لضمان جودة البرامج والإحالة السليمة.
ثامناً: دور الإعلام والمنصات.. من «التزيين» إلى «التمكين»:
التغطيات الإيجابية للعطلات لا تعني
«تنميق الواقع»، ثمة حاجة لتحوّل التحرير من «قصص الرفاه المثالية» إلى محتوى يقدم
أدوات مقاومة العزلة: خرائط للفعاليات المجانية، أدلة لخدمات الدعم، قصص بشرية عن
«الشفاء والعودة»، وحوارات مع اختصاصيين، حين تحتفي الصحافة ووسائل الإعلام
«بالمحاولات الصغيرة» بقدر احتفائها «بالاحتفالات الكبيرة»، يقل الضغط على الأفراد
ويكبر الانتماء.
تاسعاً: ما الذي يمكن للقطاعين العام والخاص فعله فورًا؟
- رزنامة وطنية موحّدة للعطلات تتضمن
فعاليات محلية في المحافظات الستّ موجّهة لفئات مختلفة (شباب، أسر، كبار سن).
- شراكات مع المجمعات التجارية والسينمات
والأندية لتقديم ساعات نشاط مجانية/مدعومة خلال الأيام الأولى من العطلات.
- نقاط استشارة نفسية سريعة (Walk-in) في مراكز الضاحية خلال المواسم بالتعاون مع اختصاصيين مرخّصين.
- حملات توعية موسمية بقيادة وزارة الصحة
والجمعيات المهنية لشرح «علامات الإنذار» وطرق المساعدة الذاتية والاتصال بخدمات
الدعم، تؤكد بيانات الوزارة أنّ القلق هو الاضطراب الأكثر حضورًا بين المراجعين،
ما يبرر زيادة «خدمات التدخل القصير» في الإجازات.
- تعزيز مسارات الإحالة بين
المدارس/الجامعات وخدمات الصحة النفسية، مع مواد توعوية رسمية تستند إلى رسائل
الوزارة في مناسباتها الصحية.
عاشراً: لماذا يهمنا أن نتحرك الآن؟
لأن العزلة ليست «مزاجًا عابرًا»؛ هي عامل خطر يتقاطع مع القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، ويؤثر في الإنتاجية والتماسك العائلي، والكوادر الصحية والتنظيمية موجودة وتتقوى بمرور الوقت من تصريحات رسمية تعلي شأن العافية النفسية، إلى تنظيم سوق الخدمات المرخّصة لكن الفجوة تبقى في «الحضور المجتمعي» داخل العطلة، سدّ هذه الفجوة يتطلب أن نعامل العطلة كـ«مشروع اجتماعي» لا «فراغًا شخصيًا».
_________________
1- وزارة الصحة، تصريحات قيادية في
«اليوم العالمي للصحة النفسية» عن أهمية العافية النفسية للمجتمع، كونا.
2- جريدة الأنباء: «60% من مراجعي مركز
الكويت للصحة النفسية يعانون القلق» (16 مايو 2023).
3- وكالة الأنباء الكويتية (كونا): ترخيص
وحدات خاصة للعلاج النفسي، وزارة الصحة.
4- مكتب منظمة الصحة العالمية في الكويت:
بيان يتضمن خط الاتصال القصير 147 لحماية الطفل.