الكويت تتسلّم من العراق دفعة جديدة من ممتلكاتها المسروقة خلال الغزو

في خطوة تعزّز مسار العدالة التاريخية وتؤكد على عمق التعاون بين الكويت والعراق، تسلّمت دولة الكويت اليوم دفعة جديدة من ممتلكاتها التي سُرقت خلال الغزو العراقي عام 1990، بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وذلك في مقرّ وزارة الخارجية الكويتية في الضاحية الدبلوماسية.

ووفقاً لتصريح مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية، الوزير المفوض عبدالعزيز الجارالله، فإن الدفعة الجديدة تضم 400 صندوق تحتوي على كتب وأشرطة فيديو ومواد "مايكرو فيلم" تعود ملكيتها إلى وزارة الإعلام الكويتية، تم العثور عليها أخيراً في العراق.

وقال الجارالله، بحسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إن هذه الخطوة تأتي استمراراً للجهود المشتركة بين البلدين، تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بإعادة الممتلكات الكويتية، مقدّراً في الوقت ذاته الدور الإيجابي الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في متابعة وتنظيم عمليات التسليم.

وأضاف الجارالله أن الكويت ملتزمة بالعمل المشترك لضمان استكمال استلام جميع الممتلكات والمحفوظات الكويتية المتبقية، مشيداً بالتعاون العراقي والجهود المتواصلة لإغلاق هذا الملف الذي يمتد لأكثر من ثلاثة عقود.

دعم أممي واستمرار للقرارات الدولية

رحّب الجارالله بقرار مجلس الأمن رقم (2792) الصادر بتاريخ 17 سبتمبر الماضي، والذي نصّ على استمرار متابعة المجلس لملفي الأسرى والمفقودين الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والممتلكات الكويتية، بما فيها الأرشيف الوطني، وذلك بعد انتهاء ولاية بعثة (يونامي)، من خلال تعيين ممثل رفيع المستوى للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة هذا الملف ودعم الجهود ذات الصلة.

وأكد الجارالله التزام الكويت الكامل بدعم الممثل الأممي الجديد للوصول إلى تحقيق المهام المنوطة به على أكمل وجه، معرباً عن تقديره لجهود الأشقاء في العراق تجاه ملف الممتلكات الكويتية، وأهمية مواصلة التعاون لإيجاد ما تبقى منها واسترجاعها وفق القرارات الدولية.

“يوم مشهود في تاريخ العلاقات الكويتية - العراقية”

من جانبه، وصف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونامي السفير الدكتور محمد الحسان مراسم التسليم بأنها "يوم مشهود في تاريخ مستقبل العلاقات الكويتية - العراقية"، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوات تمثّل نموذجاً للعلاقات بين دول جارة تحترم وتقرّ بعضها بعضاً.

وأوضح الحسان أن المرحلة المقبلة تمثّل بداية جديدة من التعاون الثنائي القائم على الثقة والاحترام المتبادل، مؤكداً أن العلاقات بين الكويت والعراق تمضي نحو مزيد من التفاهم والتكامل، لاسيما في الملفات الإنسانية والتاريخية التي تمس ذاكرة البلدين.

التزام عراقي متجدد

وفي المقابل، قال وكيل وزارة الخارجية العراقية للشؤون متعددة الأطراف والقانونية، شورش سعيد، في تصريح مماثل لـ(كونا)، إن هذه الدفعة من الأرشيف ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، مؤكداً أن الحكومة العراقية مصرة على تنفيذ جميع القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها القرارين 678 و2107.

وأوضح سعيد أن بلاده تبذل جهوداً كبيرة مع الأشقاء في الكويت في ما يتعلق بملفات الأرشيف والمفقودين والأسرى، وأن الاجتماعات الثنائية مستمرة بروح إيجابية وبنّاءة، مبيناً أن اللجنة الفنية الخاصة بترسيم الحدود ستعقد اجتماعها القادم في منتصف نوفمبر الجاري.

استرجاع الذاكرة الوطنية

يُذكر أن الكويت كانت قد تسلّمت في أعوام سابقة عدة دفعات من الممتلكات والأرشيفات التي عُثر عليها في العراق، من بينها دفعة عام 2021 التي ضمّت نحو 8 أطنان من الوثائق، وأخرى عام 2022 احتوت على 738 صندوقاً من أرشيف وزارة الإعلام.

ويمثل هذا الاسترجاع محطة مهمة في مسار استعادة الذاكرة الوطنية الكويتية التي تعرّضت للنهب خلال الغزو عام 1990، حين استولت قوات النظام العراقي السابق على وثائق ومقتنيات وممتلكات ثقافية وإدارية كويتية.

وتعتبر هذه العملية تأكيداً على أن العدالة لا تسقط بالتقادم، وأن الإصرار الدبلوماسي الكويتي نجح في تحويل قرارات مجلس الأمن إلى واقع ملموس، يعيد للوطن جزءاً من ذاكرته وهويته الثقافية والإعلامية.

إشادة بالجهود الدولية

وأشاد مراقبون بدور الأمم المتحدة وبعثة يونامي في تحقيق تقدم ملموس بملف الممتلكات الكويتية، معتبرين أن القرار 2792 يمثّل ضمانة أممية لمواصلة العمل حتى استعادة كل الممتلكات والمحفوظات، وتعزيز التعاون الإقليمي القائم على مبادئ العدالة الدولية.

كما يرى محللون أن استمرار هذه العملية يعكس مرحلة جديدة من العلاقات الكويتية - العراقية، تتسم بالثقة والاحترام المتبادل والحرص على بناء مستقبل مشترك بعيداً عن آثار الماضي.

إن تسلّم الكويت لهذه الدفعة من الممتلكات المسروقة ليس مجرد استعادة لأرشيفٍ إعلامي، بل هو استرجاعٌ لجزءٍ من تاريخ وكرامة وطن.

ويؤكد الحدث أن التعاون الدولي والدبلوماسية الهادئة يمكن أن يعيدا الحقوق إلى أصحابها مهما طال الزمن، كما يعيد التذكير بأن الذاكرة الوطنية لا تُمحى، بل تبقى حيّة حتى تُستعاد.

ـــــــــــــــ