الأذكار اليومية.. حصن المسلم النفسي في زمن الاضطراب

في عالمنا
المعاصر، حيث يزداد وقع الحياة تسارعًا يومًا بعد يوم، وتكثر الضغوطات النفسية
والاجتماعية، يبحث الإنسان عن ملجأ لا يقيه الانهيار فحسب، بل يمده بالسكينة
ويمنحه القدرة على مواجهة التحديات، وقد امتن الله على أمة حبيبه سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بدواء لأرواحهم المنهكة، فقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ
اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
ومع هذا، فذكر
الله عز وجل مغفول عنه أيما غفلة، فتجد المصلي يسلم ثم يركض مسرعًا نحو باب المسجد،
ويدخل بيته دون أن يذكر الله عز وجل، ثم يتناول طعامه دون أن يذكر الله تعالى، رغم
أن الله سبحانه جعل لكل من هذه الأمور ذكرًا، حتى إتيان الأهل له ذكر، ثم نأتي بعد
تقصيرنا في ذكر الله تعالى نرجو البركة ونعجب من ضنك العيش.
ولا نجد أبلغ من
تشبيه نبينا صلى الله عليه وسلم للفرق بين من يذكر الله عز وجل ومن يغفل عن ذكره،
حيث قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ
رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ»، ونحن للأسف لا نلحظ إلا موت الأبدان ونتغافل
عن موت الأرواح والقلوب.
تلبيس إبليس
توجد عدة أسباب
لغفلتنا عن موت أرواحنا الراجع لغفلتنا عن ذكر الله عز وجل، أمور لبسها علينا
إبليس، ومنها:
1- كثرة الأشغال:
لا ريب أن عصرنا
لم يسَمَّ بعصر الملهيات من فراغ، فما أكثرها! ومنكِرها منكر للواقع، ولكن المشكلة
لا تكمن في وجودها، بل في اتخاذنا إياها ذريعة للتهرب من المهمات حقًا سواء كانت
من أمور الدين أو الدنيا، ورغم كثرة أشغالنا فإننا نجد دومًا وقتًا للملهيات من
سفاسف الأمور، وربما يقضي أحدنا ليلته لا يرفع فيها عينه عن الهاتف ثم ينقلب إلى
فراشه، ومن شدة إرهاقه لا يقرأ أذكار النوم ولا ينهض لقيام الليل ولا لصلاة الفجر،
ولو سألته كم أنفقت من الوقت عليه لم يرد إليك جوابًا، لكنك إذا سألته لمَ لا تذكر
الله عز وجل؟ أجابك بكل وضوح وصرامة: إنه لا يملك ما يكفي من الوقت، ويكأن ذكر
الله عز وجل أمر ثانوي يمكن إهماله، ولا ينبغي تكريس الوقت وتفريغ النفس له!
والأدهى والأمر
أن يستجدي الإنسان راحة نفسه وسكينتها بنفس الطرق والوسائل التي يستعملها من لم
يعرفوا ربهم، عجبًا وأي عجب لأمر المسلمين! يتركون منة الله عز وجل ويركضون وراء
سراب «اليوغا» والتفكر والاسترخاء والاستجمام حتى يصير الاستيقاظ لصالة الألعاب
الرياضية أحب إليهم من الاستيقاظ لصلاة الفجر! أنترك هدي نبينا صلى الله عليه وسلم
والاقتداء بسُنته ثم نرجو السلامة؟! هيهات! الأذكار اليومية ليست ترفًا، بل رياضة
القلوب، وهي همسة في أذن كل مسلم تقول له كل يوم: لست وحدك، إنما أنت في كنف الله،
ومن كان في كنف الله وحرزه فمن عليه.
2- عدم الحضور مع الذكر:
ومن تلبيس إبليس
إيهامنا ترك ذكر الله عز وجل لعدم حضورنا فيه، ولا أبلغ من كلام الإمام ابن عطاء
الله السكندري إذ قال في «حكمه»: «لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه؛ لأن
غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة
إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع
وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز».
أقسام الذكر
أولًا: الأذكار باعتبار الوقت والمناسبة:
- أذكار الصباح
والمساء: وهي البداية الحقيقة لكل منهما.
- أذكار النوم
والاستيقاظ: تُذكّر الفرد بضعفه واعتماده الكلي على الله، فيحيا بين اليقظة والنوم
في حالة اتصال دائم بمولاه جل وعلا.
- أذكار المواقف
والمناسبات: عند الخوف، وعند الغضب، وعند السفر، وعند دخول البيت وعند الخروج منه،
وعند ركوب السيارة، وغيرها.
ثانيًا: الأذكار باعتبار الفضيلة والثواب:
1- الصلاة
والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: والوارد في ذكر فضل الصلاة والسلام على النبي
صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يعد ويحصى، ويكفي المحب الحقيقي أن يبرهن على دعوى
حبه بكثرة ذكر محبوبه، فقد ورد عن أبي بن كعب أنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إني
أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئتَ»، قلت: الربعَ؟ قال:
«ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك»، قلتُ: النصفَ؟! قال: «ما شئتَ، فإن زدتَ فهو
خيرٌ لك»، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: «ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك»، قلتُ: أجعلُ
لك صلاتي كلَّها؟! قال: «إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك».
2- الاستغفار: ومما
ورد في فضله وثوابه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طوبَى لِمَن وجَدَ في
صَحيفَتِه استِغفارًا كثيرًا»، وما رواه ابن عمر أنه قال: «كنَّا لنعدُّ لرسولِ
اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ
اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ»، وقول النبي صلى الله
عليه وسلم: «منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ
مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ»، وقوله
صلى الله عليه وسلم كذلك: «منْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه الَّذِي لاَ إِلَهَ
إِلاَّ هُو الحيَّ الْقَيُّومَ وأَتُوبُ إِلَيهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وإِنْ كَانَ
قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».
3- التهليل: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ».
4- الباقيات
الصالحات: قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ
أَمَلاً) (الكهف: 46).
ومما ورد في
تفسير هذه الآية ما أورده الإمام الرازي في تفسيره، ونصه: «والمفسرون ذكروا في
الباقيات الصالحات أقوالاً: قيل: إنها قولنا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا
الله، والله أكبر»، وللشيخ الغزالي في تفسير هذه الكلمات وجه لطيف، فقال: روي أن
من قال: سبحان الله حصل له من الثواب عشر مرات، فإذا قال: والحمد لله صارت عشرين،
فإذا قال: ولا إله إلا الله صارت ثلاثين، فإذا قال: والله أكبر صارت أربعين.